هل تمضي إيران لمواجهة أخرى ، أم تسعى لدور قادم؟

هل تمضي إيران لمواجهة أخرى ، أم تسعى لدور قادم؟

لا زالت الأحداث تنبئ بعديد من المواقف السياسية والتوجهات الميدانية والردود الدبلوماسية، وهل سيكون هناك ردًا ايرانيًا على الضربة الإسرائيلية التي جاءت فجر يوم السادس والعشرين من تشرين الأول 2024، وما هي الأبعاد الاستراتيجية التي من الممكن أن تبعد إيران عن الرد التالي، وهل هناك صفقات سياسية ومتغيرات ميدانية لأوضاع قادمة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي تحتم على إيران النظر في مواقفها والاستفادة من الفرص السياسية القادمة؟..
تساؤلات تطرح في انتظار إجابات حاسمة وتقديرات لمستقبل الصراع القائم في المنطقة، إيران تدرك جيدًا أن أي فعل عسكري يمكن لها أن تقوم به تجاه العمق الإسرائيلي فأنه سيكون مكلفًا لها بل أنه سيهدد مستقبل النظام وجبهته الداخلية، ولهذا فإن المؤسسة السياسية والعسكرية وقيادات الحرس الثوري الإيراني تدرس بشكل فعال ما إذا كانت تتجه نحو المواجهة المباشرة والتصعيد بالقصف المقابل أو اختيار مرحلة التهدئة والسلم الإقليمي بعيداً عن طبول الحرب واشعال حرب واسعة مفتوحة على جميع الجبهات، وأن أي قرار سيكون له امتداداته وأثاره على الوضع العام بشكل واضح ولفترة طويلة قد تعاني منها جميع دول المنطقة وتهدد بها المصالح الدولية.
جاءت مقولة المرشد الأعلى علي خامنئي لتحدد مسار الصراع القادم بقوله (لا ينبغي تضخيم الضربة الإسرائيلية التي حدثت أو التقليل منها)، وهي إشارة واضحة إلى طبيعة الموقف الإيراني القادم بعدم منح إسرائيل غايتها في تصعيد المواجهة وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة من جديد، ولكن إيران في الوقت نفسه بدأت تحركًا دبلوماسيًا امتدت ليشمل عدد من الأقطار العربية وتركيا في محاولة لإعادة ترتيب العلاقة العربية الإيرانية والدعوة لتوحيد المواقف للتوصل إلى اتفاق يتم بموجبه وقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان، وهو المسعى الذي ترى فيه إيران فرصة سياسية تساعدها على التفاوض وتحقيق أهدافها ومصالحها في الهيمنة والتمدد والاستجابة للأراء الأمريكية الأوربية بعدم الرد على الضربة الإسرائيلية، مقابل تحقيق انفراج ميداني في المواجهات الجارية بين مقاتلي حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية.
أن إيران تعلم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية هي الفيصل الرئيسي الذي سيحدد مستقبل الأوضاع القادمة في الشرق الأوسط ومنها ما يجري في قطاع غزة والضاحية الجنوبية في لبنان، ولهذا فهي تسارع الى أي اتفاق محوري مع الإدارة الأمريكية يحقق لها غايتها في التوصل إلى نقاط وأهداف مشتركة تحمي فيها مصالحها وتثبيت تأثيرها الإقليمي بعد الضربات القاصمة التي أصابت حلفائها وشركائها من القيادات العليا السياسية والعسكرية في حزب الله، وتعمل لتبقى شريكًا حيويًا وفاعلًا في أي تسويات ومفاوضات سياسية قادمة.
سبق للجهد السياسي والاقتصادي الإيراني أن ذهب باتجاه إيجاد مفاعيل مهمة في الأوساط السياسية الأمريكية وبناء علاقات واسعة معها سمحت له بالوصول إلى اتفاق سياسي مع أدارة الرئيس أوباما أدى إلى توقيع اتفاق نووي في تموز 2015، والسماح لإيران بالتمدد والنفوذ السياسي في عواصم الأقطار العربية ( بغداد ودمشق وبيروت صنعاء) بدعم فصائلها المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وهو ما جعل إيران وعبر القيادة الفعلية لفيلق القدس من التدخل الفعال في توجيه شركائها لأدوار سياسية واقتصادية تهمين فيها على الأوضاع العامة والقرار السياسي في عواصم هذه الدول.
أدى التفاهم الأمريكي الإيراني في سنوات حكم الرئيس أوباما على إطلاق الأموال المجمدة ورفع العقوبات الاقتصادية وتعزيز الدور الإيراني في حماية أذرعه وحلفائها في المنطقة وتوسيع دائرة عملها وهيمنتها واختراق مجتمعاتها بما يخدم مسار المشروع السياسي الإيراني.
كانت الغاية الأساسية من التقرب للإدارة الأمريكية هي حماية النظام وعدم التعرض إليه والدعوة لإسقاطه وافشال سياسة الاحتواء، واستمرار توجهاته التي كانت تعمل على تحقيق المسار العقائدي الأمني الذي دعى إليه المرشد علي خامنئي عبر مشروعه ( الشرق الاوسط الإسلامي) ليكون اليد الطولى والسند الفعال عبر توسيع عمل الفصائل المسلحة لتعزيز الدور القيادي لإيران وليكون بديلًا عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهذا لا يشكل موقفًا مبدئيًا لإيران من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه وتحرير القدس الشريف ، وإنما هو تحقيق لأهداف وغايات تتعلق بمنهجية وسلوك النظام الإيراني وعقيدته الأمنية العسكرية في الهيمنة الكاملة على المنطقة العربية، وإلا فما الدور الذي تقوم به اذرع إيران في مواجهات مباشرة وحرب شاملة تحت عنوان ( وحدة الساحات والاسناد الميداني) إلا حسابات استراتيجية تخدم الأهداف الإيرانية على حساب التضحيات البشرية التي يقدمها أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني والدمار الذي حل بهم وبمتلكاتهم وعديد الخسائر المادية والاجتماعية.
تبقى الأداة السياسية الإيرانية معول هدام لبناء أسس الدولة الوطنية في عموم الأقطار العربية ومناهضة أي مشروع عربي يدعو لاستقلالية القرار العربي ومواجهة التحركات والمسارات الإيرانية الداعمة لتأزيم الأوضاع الداخلية للأقطار العربية وضرب قواعدها وأصولها وأذرعها.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية