أعطت الوقائع الميدانية الأخيرة في المواجهات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني العديد من المعطيات ورسمت ملامح للمرحلة القادمة في الصراع القائم في منطقة الشرق الاوسط وطبيعة المتغيرات السياسية القادمة، ما حصل من عمليات مواجهة تمت عبر استهداف القيادات العليا السياسية والعسكرية والأمنية في المنظومة الميدانية لحزب الله والاختراق الأمني الكبير للبنية التحتية لشبكة الاتصالات ووسائل التواصل بين قيادات وكوادره التنظيمية، وتفجير أجهزة النداء اللاسلكي والذي تسبب في إصابة وتشويه الآف من مقاتلي الحزب مع ضرب واستهداف المواقع العسكرية ومنصات ومخازن الصواريخ البالستية بعيدة المدى وأماكن الأسلحة والمعدات الثقيلة.
أن عملية الاستهداف التي طالت حياة الأمين العام للحزب حسن نصر الله ستلقي بظلالها على طبيعة المشهد السياسي اللبناني وما سيتبعه من تغيرات ملموسة على الأرض، بسبب الأهمية القصوى التي كان يعتمد عليها النظام الإيراني ومؤسساته الأمنية والعسكرية في تعزيز الدور السياسي لحزب الله، حيث سبق وأن عملت قيادة الحزب مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني وتحت اشراف الحرس الثوري الإيراني والاعتماد عليه كحليف استراتيجي وذراع إقليمي مهم في المشروع الإيراني السياسي القائم على التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
ان المهام الموكلة لكوادر حزب الله لم تقتصر على الساحة اللبنانية والعمل فيها وتطوير فاعلية وجودها وإنما امتدت لتكون الذراع العسكري والسياسي لإيران في سوريا واليمن عبر عمليات التكليف وأدامت العلاقة مع عناصر الفصائل المسلحة التابعة للحوثيين والعاملين في الميدان السوري، ولهذا فإن غياب حسن نصر الله يعتبر ضربة قوية لإيران، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى تراجع نفوذها بصورة كاملة، بل قد تلجأ إلى تكثيف دعمها للحزب وتعزيز قبضتها على المنطقة عبر وسائل أخرى.
أن مستقبل وفعالية حزب الله ستحدده عدة مسارات منها ما يتعلق باستمرار الدعم الإيراني عبر الأراضي العراقية وامتداداتها نحو الميدان السوري، وفعالية مقاتلي الحزب في القيام بعمليات نوعية ثأرًا لقياداتهم التي تم اغتيالهم بعديد من العمليات التي نفذتها القوات الجوية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، واحتمالية التقدم نحو المناطق المهمة الاستراتيجية في منطقة حيفا وبعض الأماكن القريبة من الجليل الأعلى، رغم ما أصاب قوة حزب الله من تدهور في قدرتها على المواجهة والاستمرار في القتال.
أن نشاط وفعالية حزب الله يتميز بالامتداد والتنوع الجغرافي
حيث لم يقتصر نشاطه العسكري والتنظيمي وإنشاء المعسكرات التدريبية في الضاحية الجنوبية من لبنان، بل تمتد فعاليته الى مناطق وأماكن لوجستية في سوريا والعراق واليمن وحتى بعض دول الخليج على صورة تدريب وإنشاء خلايا وتهريب الأسلحة والمخدرات لها،وأن ما حدث له مؤخرا من ضربات موجعه من قبل القوات الإسرائيلية ستحد كثيرًا من التأثير والتمدد الإيراني في المنطقة.
إيران ورغم ما قامت به في الأول من تشرين الأول 2024 بتوجيه (200) صاروخ بالستي نحو العمق الإسرائيلي ألا إنها لا زالت ترى في مصلحتها والحفاظ على ديمومة نظامها السياسي أن لا تسعى للمواجهة المباشرة بل تعمل على توجيه عقيدتها الأمنية بتحريك شركائها وحلفائها من الفصائل المسلحة والمليشيات العاملة مع الحرس الثوري واستخدام القوة الصاروخية المتبقية لدى حزب الله اللبناني للاشتباك مع القوات الإسرائيلية وضرب مواقعها وأماكنها المهمة في العمق الداخلي، مع محاولة الاستفادة من الفرصة السياسية التي منحتها المبادرة الأمريكية الفرنسية بقبول التهدئة والانسحاب شمال نهر الليطاني، والتي قد تستفاد منها إيران في المناورة وإعادة هيكلية حزب الله.
تعلم إيران أن المواجهة المباشرة مع إسرائيل سيدخلها في حرب إقليمية ويجعلها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية قبل الانتخابات، وهي حريصة على عدم إضعاف توجهات الحزب الديمقراطي الأمريكي وتسعى بالعمل على نجاح نائبة الريس كامالا هاريس لأنها ترى فيها إمكانية التفاهم وتعزيز دورها الإقليمي في استمرار الحوار مع الإدارة الأمريكية وتحقيق هدفها في إنهاء الملف النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عنها.
عملت إيران مع انطلاقة احداث السابع من تشرين الأول 2023 على تحقيق أهدافها السياسية واستخدام المواجهات في الأراضي الفلسطينية ورقة ضغط لها في أي مفاوضات سياسية إقليمية ميدانية، وسعيها لأن تحقق غايتها في أن تكون دولة ذات تأثير إقليمي وبطابع وتميز نووي، وعملت على توسيع دائرة تأثيرها العسكري عبر تنشيط فعالية ( وحدة الساحات) في منطقتي البحر الأحمر وخليج عدن وأحداث بؤر وصراعات في الميدان السوري والعراقي، فهل لديها الإمكانية على الاستمرار في سياسية إظهار القوة والتعنت واحداث تغيرات جيوسياسية، أم العودة إلى سياسة حافات الحدود والتمسك بالحفاظ على أمنها الداخلي وعدم التوسع في دائرة التصعيد العسكري والالتزام بقواعد الاشتباك؟ أم ستعود للرد المقابل بعد اعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قدرته على القيام بأي عملية عسكرية داخل إيران أو ضد أي قوة مواجهة في منطقة الشرق الأوسط.
أن أبعاد السياسية الإيرانية تجاه حزب الله اللبناني بإعتباره يمثل درة التاج الإيراني في المنطقة، لا يمكن لها أن تبتعد عن حقيقة واقعية ميدانية أن إمكانيات وقدرات الحزب ومقاتليه لم تعد كما كانت في الاسابيع الماضية، رغم احتفاظه بقدراته البشرية ولكنه يحتاج إلى وقت لإعادة ترتيب صفوفه وإعداد كوادره التي ستكون بحاجة إلى خبرة ميدانية تعوضها عن ما فقدته بغياب قيادتهم السابقة.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية