الباحثة شذى خليل*
مع انهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد، يقف الاقتصاد السوري عند مفترق طرق حاسم، حيث يواجه تحديات ضخمة وفرصًا كبيرة في الوقت نفسه. شهدت سوريا خلال سنوات الحرب الممتدة من 2011 إلى 2023 دمارًا هائلًا في البنية التحتية وتراجعًا كبيرًا في القطاعات الإنتاجية، بالإضافة إلى انهيار حاد في مستوى المعيشة. هذه الظروف تضع الاقتصاد السوري في مواجهة مهمة ضخمة لإعادة البناء والتعافي، لكن تحقيق ذلك يتطلب استقرارًا سياسيًا وإعادة تأهيل اقتصادي شامل.
التحديات الرئيسية:
الدمار الهائل للبنية التحتية: دمرت الحرب العديد من المدن السورية الكبرى، مما يجعل إعادة الإعمار مهمة ضخمة ومعقدة. إضافة إلى ذلك، فإن بعض المناطق السورية لا تزال تحت سيطرة قوى غير حكومية، مما يعرقل أي عملية لإعادة بناء البنية التحتية بشكل موحد.
الانخفاض الحاد في الناتج المحلي: وفقًا للبنك الدولي، فقد الاقتصاد السوري نحو 85% من قيمته في السنوات الاثني عشر الماضية، ووصل إجمالي الناتج المحلي إلى 9 مليارات دولار في 2023، بعد أن كان 67.5 مليار دولار في 2011.
التضخم: انخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كبير خلال سنوات الحرب، حيث سجلت معدلات التضخم مستويات غير مسبوقة، وهو ما يساهم في تآكل القوة الشرائية للسوريين.
العقوبات الدولية: لا يزال الاقتصاد السوري يعاني من عقوبات اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يعقد من عملية التعافي الاقتصادي. هذه العقوبات تشمل قيودًا على التجارة والتمويل، مما يقلل من فرص جذب الاستثمارات الخارجية.
فرص التحول والنهوض الاقتصادي:
رغم التحديات، يرى العديد من الخبراء أن الاقتصاد السوري يمتلك بعض الفرص للنهوض مجددًا في حال توفر الاستقرار السياسي والتعاون الإقليمي والدولي.
الكوادر البشرية الماهرة: رغم نزوح العديد من السوريين خلال سنوات الحرب، إلا أن الكثير منهم اكتسبوا خبرات قيمة أثناء عملهم في الخارج. هؤلاء يمكن أن يكونوا قوة دافعة في عملية إعادة بناء الاقتصاد السوري.
الموارد الطبيعية: تمتلك سوريا ثروات طبيعية ضخمة، أهمها النفط والغاز. ومع العودة المحتملة لسيطرة الحكومة المركزية على هذه الموارد، يمكن أن تبدأ سوريا في استعادة قدرتها الإنتاجية، لكن ذلك يتطلب استقرارًا سياسيًا وتنسيقًا مع القوى الإقليمية.
الاستثمار العربي والدولي: أحد السيناريوهات المتفائلة تتضمن جذب الاستثمارات العربية والدولية، خاصةً من خلال مشاريع إعادة الإعمار. ولكن هذا يتطلب أيضًا بيئة قانونية مستدامة وواضحة لتحفيز الاستثمارات.
السيناريوهات المستقبلية:
الاستقرار السياسي: أحد أهم عوامل التعافي الاقتصادي هو تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد. إذا استمرت سوريا في طريق استعادة السلام الداخلي، فإن الاقتصاد قد يبدأ في التعافي بفضل إعادة تأهيل المؤسسات الاقتصادية والخدمية.
تعديل النظام الاقتصادي: من المتوقع أن يتجه الاقتصاد السوري نحو النموذج الاقتصادي الحر، وهو ما يعني تقليص دور القطاع العام والقطاع الحكومي في إدارة الاقتصاد. في الوقت نفسه، ستظل بعض القطاعات الأساسية مثل النفط والغاز تحت إدارة الدولة بسبب أهميتها الاستراتيجية.
التعاون الدولي: من الممكن أن يشهد المستقبل القريب بدءً من مرحلة ما بعد الأسد، زيادة في التعاون الدولي والإقليمي، وهو ما قد يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية تدريجيًا. هذا سيساهم في فتح أبواب الاستثمارات الأجنبية والتمويلات اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
المعوقات الكبرى:
التجزئة السياسية والجغرافية: لا تزال سوريا تعاني من انقسامات جغرافية، حيث تسيطر قوى متعددة على مناطق مختلفة من البلاد. هذه الانقسامات تجعل من الصعب إدارة الاقتصاد الوطني بشكل موحد. كما أن الهيمنة التركية والأمريكية على بعض المناطق الغنية بالنفط تزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي.
تدمير القطاع النفطي: بعد أن كانت سوريا تنتج أكثر من 400 ألف برميل يوميًا من النفط، تراجعت هذه الإنتاجية إلى نحو 91 ألف برميل في 2023. هذا التراجع يشكل ضربة قوية للاقتصاد السوري، حيث أن النفط كان المصدر الرئيسي للعائدات.
العقوبات الأمريكية: يظل موضوع العقوبات الاقتصادية أحد العقبات الرئيسية أمام تعافي الاقتصاد السوري. فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات قاسية على دمشق، مما جعل من الصعب على سوريا جذب الاستثمارات الأجنبية أو إعادة بناء اقتصادها.
الخطوات اللازمة لتحقيق التعافي:
إعادة تأهيل البنية التحتية: أولويات الحكومة السورية في الفترة القادمة هي إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، خاصة في المدن الكبرى مثل حلب وحمص ودمشق، فضلاً عن تحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
تحسين بيئة الاستثمار: من أجل جذب الاستثمارات، يجب على الحكومة تنفيذ إصلاحات قانونية تضمن الحوافز للمستثمرين المحليين والدوليين. يتطلب ذلك بيئة اقتصادية مستقرة مع سياسات ضريبية واضحة.
الاستثمار في الموارد البشرية: استثمار سوريا في العودة التدريجية للكفاءات البشرية في الخارج، سواء عبر تسهيل عودتهم أو بتشجيع استثماراتهم في الداخل، سيكون أمرًا حيويًا لعملية إعادة البناء.
خلاصة:
مستقبل الاقتصاد السوري يعتمد بشكل كبير على استقرار الوضع السياسي واستعداد المجتمع الدولي لدعمه في مرحلة إعادة الإعمار. ورغم أن الطريق سيكون طويلًا ومعقدًا، إلا أن الإمكانيات والموارد المتاحة في سوريا تمنحها فرصة للنهوض مجددًا.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية