المراقد في سوريا… حمايتها مسؤولية الجميع وليس ايران وحلفائها فقط

المراقد في سوريا… حمايتها مسؤولية الجميع وليس ايران وحلفائها فقط

اتخذ صانع القرار السياسي في إيران، من حماية المراقد التابعة لآل البيت وتحديدًا السيدة زينب بنت علي بي أبي طالب، ورقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ” رضي الله عنهم”  في العاصمة السورية دمشق ذريعة للتدخل في مجريات الثورة السورية ومنع سقوط بشار الأسد. وبهذه الذريعة تمكن ذلك الصانع من فرض ثقافته في بعض محافظات التي كانت تخضع لنفوذه في سوريا.

لكن، وبعد سنوات من الثورة السورية تمكنت فصائل المعارضة المسلحة من الإطاحة بنظام بشار الأسد القمعي، وفي محاولة من الشعب السوري أن يستعيد عافيته لبناء دولته، ويطوي صفحة عائلة الأسد “الإبن والأب” التي دمرت الدولة السورية طيلة حكم استمر لأكثر من 54 عامًا، تتعالى تصريحات تعبر عن خشيتها أن تتعرض مراقد آل البيت “رضي الله عنهم” من نظام الحكم السياسي القادم في سوريا لأي أذى.

وكأن حماية تلك المراقد من الناحية التاريخية والدينية والأخلاقية مسؤولة من قبل طائفة إسلامية معينة وهذا الأمر يتجافي مع حقائق التاريخ الإسلامي. فقد خضعت أرض الشام ومنها دمشق لحكم عدد من الدول الإسلامية السُنية بدءًا من الدولة الأموية ومرورًا بالدولة العباسية والدولة الزنكية والسلجوقية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، وكانت هذه الدول جميعها تحكم دمشق،  ومع ذلك، لم تتعرض تلك المراقد لأي أذى بل كانت محل احترام وتقدير. فمن الناحية الفقهية السُنية يعد احترام آل البيت من صحيح الدين الإسلامي الحنيف.

وحتى بعد حصول سوريا المعاصرة على الاستقلال في 17 نيسان/إبريل عام 1946م، وتعاقب على رئاستها أكثر من ثمانية عشر رئيس حتى شباط/ فبراير عام 1971م، كانوا ينتمون معظمهم إلى الطائفة السُنية لم تتعرض أيضًا تلك المراقد في سوريا لأي أذى.

وبقيت هذه المراقد يغلب عليها الطابع الإسلامي حتى مجيء حافظ الأسد على حكم سوريا عام 1971م، وانتصار الثورة الإيرانية في شباط/ فبراير عام 1979م، حيث اتخذت العلاقات بين الدولتين البُعد الطائفي، وبدأ الاهتمام بالمراقد طائفيًا حيث بدأ ترميم المبنى القديم للمسجد على الطراز الإيراني، من حيث تصميم القباب والمآذن واستخدام القاشاني الأزرق.

وفي سبيل تصدير الثورة الإيرانية بالوسائل الناعمة في دولة حليفة يحكمها الأسد الأب، قام الإيرانيون في شراء العقارات المجاورة لمقام السيدة زينب، وقاموا ببناء المدارس الشيعية والحوزات العلمية والمستشفيات. وفي عهد الأسد الإبن توسعت منطقة المرقد جغرافيًا وأصبحت مقرًا للمرجعيات والشخصيات الشيعية الإيرانية في سوريا.

وخلال الثورة، بدأ المرقد يتحول إلى مدينة كبيرة، وأصبحت تشبه الضاحية الجنوبية لبيروت مقر حزب الله اللبني وأصبحت مأهولة  من قبل المليشيات الإيرانية والأفغانية والعراقية، يقدّر عددهم بعشرات الآلاف. كما أثبتت خلال هذه السنوات أنها مقرّ مهم على المستوى اللوجستي والعسكري لإيران. فتحول هذا المرقد الذي كان ينعم بالهدوء والسكينة لقرون من الزمن ونتيجة سياسات إيران إلى بؤرة صراع طائفي، فالمليشيات كانت متواجدة في جواره بذريعة حمايته، لكن السؤال ممن يتم حمايته؟! من الذين كانوا يتشرفون برعايته وحمايته منذ أكثر من ألف سنة !

لنا أن نتخيل لو أن الصانع القرار السياسي في إيران  في مرحلة  ما بعد الشاه، لم يتبنى مبدأ تخريبي في سياسته الخارجية كمبدأ تصدير الثورة الذي يحمل في طياته أبعادًا طائفية إلى دول الجوار وخاصة الدول العربية. ووجه كل موارده الإنسانية وثرواته النفطية في بناء الدولة الإيرانية، بالاستفادة لما يمتلكه المجتمع الإيراني من ثقافة عريقة تضرب جذورها في أعماق التاريخ. كنا الآن أمام دولة إيرانية تختلف عما نراها اليوم. لكن صانع القرار الإيراني مضى في الطريق الخاطىء حينما وظف الطائفية في خدمة مشاريعه التوسعية. فالمراقد حمايتها مسؤولية الجميع وليس مسؤولية ايران وحلفائها فقط.

وحدة الدراسات الإقليمية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية