إيران والوكالة الدولية مواجهة جديدة وحرب قادمة

إيران والوكالة الدولية مواجهة جديدة وحرب قادمة

اياد العناز 

إيران تعلن إزالة كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية من منشآتها النووية، تصعيد أخر في العلاقة المتبادلة مع مفتشي الوكالة الدولية ورئيسها ( روفائيل غروسي) بعد قرار مجلس الشورى الإيراني وموافقة مجلس صيانة الدستور الإيراني بمنع دخول أعضاء الوكالة للأراضي الإيرانية واعتبارهم جواسيس يعملون لجهات دولية، والقرار جاء بعد الضربات الجوية الأمريكية التي طالت منشآت ( فوردو ونطنز وأصفهان النووية) في الثاني والعشرين من حزيران 2025.
تسعى القيادة الإيرانية من قرارها إلى إثبات وجودها وقدرتها على اتخاذ القرارات التي ترى أنها تعينها على إعادة تأثيرها في الأوساط الشعبية الإيرانية ومواجهة التحديات بشئ من الاقتدار، ولكنها في الوقت عينه ستتحمل نتائج قرارها السياسي في زيادة عزلتها وسوء علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وتحديدًا مجموعة ( 4+1) وما يمكن أن يتحقق من عملية اجراء مراجعة ميدانية لمديات التزام إيران باتفاقية العمل المشتركة الشاملة التي وقعت في تموز 2015 وإمكانية إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي بالاعتماد على التقارير التي سترفع من قبل محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل الخامس عشر من تشرين الأول 2025 والتي سيتقرر خلالها تمديد العقوبات الاقتصادية على إيران من عدمها وفق طبيعة التعاون المشترك الذي قدمته إيران.
ان عملية ازالة كاميرات المراقبة عن المواقع والاماكن ذات النشاطات النووية، يعني اعلان واضح عن خروج إيران عن تعهداتها والتزامها تجاه المجتمع الدولي الذي تمثله الوكالة بمحافظيها وعدد الدول التي تنتمي إليها، مع الاصرار على مزاولتها انشطتها وفعاليتها النووية دون أي رقابة وتمسكها بتخصيب اليورانيوم وبأي نسب ترى أنها تحقق لها أغراضها السياسية والعسكرية، وهو الإجراء الذي من الممكن أن يعرضها لأي قرار دولي يستهدفها أو بأي مواجهة إقليمية اخرى مع إسرائيل وبمعاونة دول أخرى .
القرار الإيراني جاء في وقت تنتظر فيه الإدارة الأمريكية بدء الجولة السادسة من المفاوضات في العاصمة العُمانية ( مسقط) والتي أعطى فيها الرئيس ترامب توجيهاته لمبعوثه الرسمي( ستيف ويتكوف) في الاستماع للايرانيين والتشاور معهم حول البنود والشروط الأمريكية نحو اتفاق نووي شامل ودائم، وازالة جميع المعوقات والمخاوف في عدم الثقة بنتائج المفاوضات والتي تعاني منها القيادة الإيرانية ممثلة برئيسها مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، والتي من الممكن أن يكون للجانب الإسرائيلي تأثير على مسارها السياسي والاقتصادي.
إلا أن الرد الإيراني لم يكن واقعيًا ولم يأخذ بنظر الاعتبار التطورات السياسية والمتغيرات الميدانية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ولا يزال القرار الإيراني يعاني من مسألة إظهار القوة والتعنت الذي من الممكن أن يوصل إيران إلى مواجهة كبيرة قد تهدد وجودها وبقاء نظامها السياسي، وعليها أن تنظر إلى أن المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثامن من تموز 2025 خلال زيارته المكوكية لواشنطن، إن الملف الإيراني كان أحد المحاور الرئيسية التي تم مناقشتها عند الاعداد لوقف القتال في غزة عبرة هدنة تمتد لشهرين من الزمن، وأن أي تأخير في قبول عقد جلسة المفاوضات القادمة بين واشنطن وطهران إنما تشكل مسافة معينة لاتمنع قيام الحرب وإنما مجرد تأخير لزمنها، وأن أي قرار إيراني يؤدي إلى تأزيم الأوضاع الميدانية ومنها العلاقة مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنما هو احراج سياسي لأي دور عربي قادم في منطقة الخليج العربي وتهدئه وتمسك بتعزير الاستقرار الأمني فيها، والتي تم الاتفاق عليه في لقاء الأمير محمد بن سلمان بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عند زيارته للرياض في التاسع من تموز 2025، والتي تشكل مؤشر واضح على الحاجة الإيرانية لدور سعودي فاعل ومؤثر في إعادة ترتيب العلاقات الأمريكية الإيرانية، وهو ما تحتاجه طهران في ضوء الضغوط التي تلقاها من قبل الإدارة الأمريكية.
القرارات الإيرانية المتباينة حول فهمها لما يدور في المساحة التي تحدد تقلبات السياسية واجوائها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ورفضها السماح بعمليات تفتيش واسعة من قبل الوكالة الدولية وعدم الاستجابة لأي متطلبات واسئلة وجهت للعاملين في الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية، يعني أن إيران لا تزال متمسكة ببرامجها النووية والصاروخية الباليستية، وأنها لا تلتزم بأي معيار دولي واقليمي في معادلة الأوضاع المتأزمة التي تمر بها والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها.
واذا ما توصلت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى أن القيادة الإيرانية تتلاعب بالألفاظ وتبتعد عن اتخاذ القرارات الحاسمة وتعمل على إطالة الوقت، وأنها ليست جادة في الموافقة على عقد أي حوار قادم والاستجابة لأي مبادرة أمريكية تتعلق بالمفاوضات بينهما، فإن الرئيس ترامب سيكون أكثر استماعًا وانصاتًا لما سيقوله ويتحدث به إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويمكن الاتفاق بعدها على موقف مشترك تجاه إيران ووجودها، ومواجهة التخلص من القدرات الإيرانية المتمثلة بطموحاتها النووية وبرنامج صواريخها البالستية وطائراتها المسيرة.
إيران في وضع اقتصادي خانق وعقوبات مستمرة وارتفاع في نسب التضخم المالي وزيادة في نسب البطالة والفقر وانهيار دائم لعملتها المحلية، وهي الأوضاع التي تشكل كاهلًا كبيرًا تعاني منه الشعوب الإيرانية، والقرار بايقاف التعاون مع الوكالة الدولية يشكل عبئًا جديدًا وينبأ باحتمالات لانطلاق التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، والمواجهة الأخيرة مع إسرائيل افرزت العديد من المعايير الداخلية التي مثلت حالة التشتت في القرار السياسي واتساع الاختراقات الأمنية ووطأة الأزمات التي تعصف بالمجتمع الإيراني.
ابتعاد إيران عن التعامل بشفافية وحالة مرنة سياسية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوسيع دائرة الإجراءات الخاصة بعمليات التفتيش وتحقيق الضمانات الدولية، يمنح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الفرصة المميزة للتدخل العسكري والتحقق من الأنشطة النووية ومدى التوسع في عمليات تخصيب اليورانيوم وإعادة فعالية البرنامج النووي الإيراني.
سوف لا تهدأ الأوضاع في العلاقة بين إيران والوكالة الدولية بل تستمر حالات الضغط القصوى لاستئناف التطبيق الكامل لضمان التفتيش الدائم والمستمر لعمل مفتشي الوكالة الدولية على البرامج النووية الإيرانية.
لإيران أن تنظر بجدية وتتذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقتنع بأن العراق لم يكن يمتلك أسلحة الدمار الشامل الا بعد أن تم غزو العراق واحتلاله وبدأ عمليات تفتيش واسعة من قبل مجموعة التحقيق التي ترأسها كبير مفتشي الأسلحة الأميركيين في العراق تشارلز دويلفر وأعلن (أن العراق لم يكن لديه برنامج للأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو النووية) عندما أعلنت الولايات المتحدة الحرب عليه في آذار عام 2003.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة