اياد العناز
يمكن النظر إلى طبيعة التطور الحاصل في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين وإيران، أنها انعكاس واضح لما آلت إليه النتائج الميدانية للمواجهة الإسرائيلية الأمريكية الإيرانية التي ابتدأت في الثالث عشر من حزيران 2025 وأعلن عن وقفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، حيث تباينت المواقف السياسية والآراء الدبلوماسية في كيفية التعامل مع الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية التي طالت الاراضي الإيرانية، بعد أن سارعت القيادة الإيرانية لدراسة واقعية وبنظرة استراتيجية لمديات العلاقات التي تربطها مع أحد أهم شركائها الرئيسين في العالم، فكانت الصين من أولى الدول التي انطلقت طهران في إعادة تموضع علاقتها معها وتثبيت صيغ وأساليب جديدة تعين إيران على معاودة دورها الإقليمي ومحاولة إعادة ترتيب أوضاعها الاقتصادية الداخلية وتوسيع مساحة الاهتمام بتنوع مصادر السلاح وتطوير البنية التحتية لمؤسساتها ومنظومتها العسكرية .
وقرأت القيادة الإيرانية المواقف السياسية الصينية برؤية الشريك الحريص على إبقاء الود القائم في العلاقات الثنائية، ورأت أن امتناع الصين عن الإدانة الواضحة مع بدء الضربات الإسرائيلية باعرابها عن القلق ورفضها لأي انتهاك تتعرض له سيادة وأمن الأراضي الإيرانية، أنه يأتي في سياق حالة التوازن في العلاقات مع إسرائيل والحفاظ على أهدافها ومشاريعها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، ثم كان الموقف المتقدم بعد أيام من المواجهة العسكرية عندما أعلن السفير الصيني في الأمم المتحدة ادانته للهجوم الإسرائيلي، وهو ما يؤكد حقيقة الثوابت الرئيسية في السياسية الصينية التي تتسم بالبراغماتية وعدم التدخل في أي نزاعات وصراعات تشهدها المنطقة والسعي للحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، مع التأكيد على وضوح موقف القيادة الصينية من التصعيد الإسرائيلي والتعامل معه برؤية ميدانية اتسمت ملامحها بالتوازن الدقيق بالدعوة للتهدئة ورفض التدخل العسكري واعتماد الأسلوب الدبلوماسي في رؤيتها للأحداث والحرص على إدامة واستمرار العلاقات الاقتصادية والاستثمارات المالية للصين لدى إسرائيل وإيران.
وكانت الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإيراني ( عزيز نصير زادة) للصين بتاريخ 25 حزيران 2025 لحضور اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي، اعلانًا وتأكيدًا لعمق العلاقات التي تربط الدولتين وحرص إيران على استمرارها والحفاظ على الشراكة الاقتصادية القائمة بينهما، وسعى الوزير الإيراني إلى لقاء نظيره وزير الدفاع الصيني ( جون دونغ) لتعزيز التعاون العسكري مع بلاده ومناقشة الطلب الإيراني بشراء منظمومات دفاعية جديدة وإمكانية تزويد طهران بنظام ( الدفاع الجوي الصيني HQ-16) وهو نظام صاروخي متوسط المدى، تم تطويره في الصين، ويستخدم لاعتراض الأهداف الجوية المختلفة مثل الطائرات والصواريخ ومصمم لحماية المدن، ويتصف بقدرته على اعتراض الأهداف منخفضة التحليق وصغيرة الحجم الاشتباك مع صواريخ الكروز بمدى 3،5-18كم، والمدى القتالي له من 3-42كم، ويتم توجيهه بواسطة الرادار والإضاءة المنقطعة والقصور الذاتي، ويتألف من عربة للقيادة والسيطرة وعربة حاملة للصواريخ تتألف من (6) قاذفات، ويمكن له من اكتشاف وملاحقة الأهداف الجوية بمسافة 140كم وبارتفاع 20كم، وهو الذي يمثل الحاجة العسكرية للدفاعات الإيرانية بعد الضربات الإسرائيلية التي انطلقت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025.
وتسعى القيادة العسكرية الإيرانية للحصول على طائرات مقاتلة متطورة من الصين وفي مقدمتها مقاتلة ( C10-j) متعددة المهام، وهي محاولة إيرانية جادة لتنويع مصادر أسلحتها ومعداتها الدفاعية والقتالية بعد القصور الذي ابدته القيادة الروسية في تلبية الطلبات العسكرية الإيرانية وضعف منظومة الدفاع الروسية (أس-300) التي حاولت رئاسة الأركان الإيرانية استبدالها بمنظومة الدفاع (أس 400) التي تعتبر أكثر أهمية حضورًا في الميدان مع تزويدها بمحطات رادار متقدمة للكشف عن الطائرات الشبحية ودعم قواتها البحرية بزوارق وغواصات هجومية مزودة بصواريخ دقيقة،
ولكن التوجه الإيراني من الممكن أن يشهد عقبات في تلبية طلباته من الصين بسبب العلاقة العسكرية التي سبق وأن تعثرت عام 2015 بعدم موافقة الصين على تزويد طهران بطائرات مقاتلة ورفض مبدأ المقايضة بالنفط والغاز الإيراني بتسديد اثمانها وإصرارها بكين على الدفع الفوري بالعملة الصعبة، مع ملاحظة أن الصين لا زالت ملتزمة بالقيود الأممية المفروضة على تصدير السلاح لإيران.
ولكن إيران تنظر إلى تطور الأحداث السياسية والوقائع الميدانية وطبيعة العلاقات الاقتصادية الصينية الإيرانية، وأن أكثر من 90٪ من صادرات النفط الإيراني تذهب للصين وبأسعار تفضيلية رغم العقوبات الأميركية والتعاون القائم بين البلدين في دعم مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإيران تشكل عقدة وصل رئيسية في خطوط النقل والطاقة التي تربط شرق أسيا بغربها عبر الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني ومشاريع البنية التحتية العابرة للقارات.
عملت إيران على تعزيز العلاقة والتعاون العسكري مع الصين بعد حالة التوتر التي اصابت العلاقة مع الشريك الروسي وانشغال موسكو وتحولها للاهتمام بحربها مع أوكرانيا ومن ثم سقوط نظام الأسد الحليف المشترك لهما، أدى إلى تراجع في التزامات روسيا العسكرية تجاه إيران، مع خيبة الأمل التي أصابت القيادة الإيرانية من الموقف الروسي وفشله بتقديم أي دعم عسكري وجوي أثناء المواجهة مع إسرائيل، ورأت طهران أن موسكو ليس الحليف والشريك الرئيسي الذي من الممكن الاعتماد عليه،كما أن دعوة الرئيس فلاديمير بوتين بضرورة تصفير اليورانيوم الإيراني المخصب شكل صدمة كبيرة للقيادة الإيرانية.
تنظر الصين للطلبات الإيرانية بشئ من الحذر وتتعامل معها بدقة ووضوح وتدرك جيدًا أن الملف الإيراني حساس وحيوي والمجازفة فيه تعني مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وأن أي تعاون عسكري لتزويد إيران بالمعدات الثقيلة وأنظمة الدفاع الجوي وتقديم تكنلوجية مزدوجة في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، يعني مواجهة حتمية مع الإدارة الأميركية ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن للصين أن تغامر في إعطاء سلاح جوي دفاعي متطور لإيران لأنها تعلم مديات الارباك الأمريكي الإسرائيلي الذي من الممكن حدوثه ميدانيًا وتأثيره على العلاقات بين جميع الأطراف ،كما أن بكين تنظر بعين فاحصة لنتائج التعاون مع طهران وانعكاساته وتأثيراته على العلاقة المشتركة مع الحليف السياسي والاقتصادي الروسي والتباين في تعزيز العلاقة مع طهران التي ستنظر إليها موسكو أنها توسيع للدور الصيني في الإقليم على حساب المنافع والمكاسب الروسية، وهناك الموقف العربي الخليجي الذي تحرص الصين على عدم تأثره بأي تحول وتطور في العلاقات مع إيران والحفاظ على علاقات متوازنة وعدم التضحية بأي إنجازات سياسية واقتصادية صينية في العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي العربي.
وتبقى المصالح الصينية التي تسعى إليها في استثمار الفرص السياسية ودعم وجودها في منطقة مهمة تعنى المصالح الدولية والإقليمية وأهمية تأثيرها في أي متغيرات قادمة في الشرق الأوسط، وترى أن هناك فرصة حقيقية لاختبار مدى فعالية أسلحتها في الميدان الإيراني كما حدث في المواجهة الباكستانية الهندية التي امتدت ايام ، وتوسيع النفوذ الصيني في منطقة غرب آسيا والحصول على استثمارات طويلة في مجال الطاقة بأسعار تفضيلية واستخدام التعاون الإيراني كورقة ضاغطة واسلوب سياسي في صراعها ووجودها الجيوسياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
