اياد العناز
حضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى اجتماعات منظمة الأمم المتحدة سيكون عامل رئيسي يحاول فيه إجراء بعض اللقاءات مع دول الترويكا الأوربية ( المانيا وفرنسا وبريطانيا) وإمكانية العمل على إيجاد حلول سياسية حول تأجيل العمل بآلية ضغط الزناد وتأجيل إقرار العقوبات الاقتصادية وتجديدها على إيران، بعد القرار الذي اتخذته هذه الدول بعدم التزام طهران بالبنود الواردة في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة الموقعة في 15 تموز 2015.
تحاول القيادة الإيرانية تعزيز الفعل الدبلوماسي والحوار السياسي عبر الجهود الميدانية التي أشار إليها امين عام مجلس الأمن القومي الإيراني ( علي لاريجاني) بابقاء طريق التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية مفتوح، وهو ما يعني أن إيران على استعداد لمناقشة الشروط التي أكد عليها مبعوث الرئيس الأميركي ( ستيف ويتكوف) بتخلي طهران عن إيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم والتخلي عن جميع الأنشطة النووية بكل مستوياتها والانتقال إلى مرحلة متقدمة في العمل على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية وفتح أبواب الاستثمار المالي الأمريكي على الأراضي الإيرانية، ومناقشة إمكانية الاعتراف الأمريكي بحق إيران في التخصيب وفق نسب معينة يتفق عليها الطرفان لاستخدامات علمية تقنية وصحية وان تكون تحت الرقابة والمتابعة الدورية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أن القيادة الإيرانية تدرك حقيقة الأوضاع المحيطة بها وتعلم جيدًا أن عليها أن تتعامل بحكمة ورؤية هادئة مع جميع المتغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وأن تسارع إلى قبول المبادرات الأمريكية والأوروبية والتعامل معها بما يضمن لها رفع العقوبات الاقتصادية، وأن تنظر بشكل جدي إلى تطور العلاقة مع دول الترويكا التي لا زالت ملتزمة بثوابتها في أبعاد إيران عن أي نشاط نووي يؤدي إلى زيادة نسب تخصيب اليورانيوم والاتجاه نحو امتلاك القنبلة النووية، وهو ما بدأت بعض الأوساط السياسية الإيرانية تدرك هذه الحقيقية وتتعامل معها بجدية وتعتبرها مخرجًا ووسيلة لحماية النظام السياسي الإيراني وإبعاد عن أي ضربات عسكرية محتملة والتوجه نحو القبول بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ والعودة إلى التخصيب بنسبة 3.67٪ وتعليق جميع الأنشطة النووية، مقابل رفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة وإعادتها لسوق الطاقة العالمية والحفاظ على حصتها في تصديرها لكميات من النفط والغاز وإعادة التوازن المالي لها لحل جميع ازماتها الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني وتثبيت حقها على التخصيب في أراضيها.
وجاء تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أعلن عنه في الثاني من آيلول 2025 عن أن مخزون إيران من اليورانيوم في حزيران زاد بنحو 627 كغم منذ آخر تقرير، وأن إيران سرعت إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، وأشار التقرير إلى عدم تعاون إيران مع مفتشي الوكالة بعد الهجوم الإسرائيلي الذي حدث في الثالث عشر من حزيران 2025، وأن الوكالة تشعر بقلق كبير من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ والذي يجب التعامل معه بدقة وحذر.
اعتبرت دول الترويكا الأوروبية التقرير بمثابة دليل واضح على عدم استجابة القيادة الإيرانية لمتطلبات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكد ما ذهبت إليه في منع مفتشيها من دخول الأراضي الإيرانية واعتبرتهم جواسيس لجهات دولية، بل ذهب البعض من المسؤولين الإيرانيين إلى إلقاء القبض على رئيس الوكالة ( رافائيل غروسي) وتحميله مسؤولية الاعتداء على المنشآت النووية الإيرانية التي تم استهدافها من قبل الطائرات الأمريكية والإسرائيلية،كما اتخذ البرلمان الإيراني قرارًا وافق عليه مجلس صيانة الدستور باعتماد آلية ميدانية يشرف عليها مجلس الأمن القومي الإيراني في حالة عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لممارسة اعمالهم على الأراضي الإيرانية.
مهما حاولت إيران التقليل من أهمية الإجراءات الأوربية والنظر إليها على أنها امتداد لعقوبات سابقة، إلا أنها تتعامل برؤية سياسية وحذر شديد من أي تطور في مواقف حلفائها وشركائها الدوليين ( الصين وروسيا) وكيفية تعاطيها مع مسألة العقوبات حال فرضها مرة أخرى، الصين كانت أولى الدول التي اوقفت استثماراتها الاقتصادية على الأراضي الإيرانية وغادرتها بعد العقوبات الأميركية عام 2018، كما أن روسيا سارعت بزيادة إنتاجها من النفط والغاز لسد النقص في سوق الطاقة الذي حصل بسبب منع إيران من بيع نفطها وتصدير غازها الطبيعي لتكون موسكو بديلًا لها في الأسواق الهندية والصينية.
ورغم هذه المخاوف والمواقف الدولية والإقليمية، فإن مجلس الشورى الإيراني لا يزال يتعامل مع الحالة ضمن إطار الإجراءات الشعبوية وإظهار القوة والتعنت في قبول المبادرات والمقترحات الأوربية والآراء والبيانات الأمريكية، في المضي بإصدار القرارات والقوانين الجاهزة بقطع العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واتهامها بالتواطؤ والتحيز بعد الضربات الجوية الأمريكية الإسرائيلية على منشأت ( فوردو ونطنز وأصفهان) واغتيال العلماء العاملين في المجال النووي الإيراني، وبلغ بهم الحد إلى مطالبة القيادة الإيرانية بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وهو ما يعني وضع إيران خارج الشرعية الدولية وإبعاد البرنامج النووي الإيراني عن وجهته السلمية مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أكثر تحركًا للقيام بعمليات عسكرية مباغته أو هجمات عسكرية محتملة.
أن إسرائيل تتابع بدقة أي تطور ميداني في العمق الإيراني وتحاول المضي في سياستها لتغيير النظام وعدم القناعة بإمكانية تغيير السلوك الإيراني، وهو ما نبه إليه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في رده على معارضي التفاوض مع الإدارة الأميركية ( ألا تريدون التفاوض؟ حسناً، ماذا تريدون؟ هل تريدون أن تخوضوا حربًا؟ حسناً، إذا جاء العدو وضرب منشآتنا ونحن الآن بصدد تصليحها، فإنه سيأتي ويضرب ثانية، الحوار أو التحدث لا يعني الهزيمة أو الاستسلام)، وقيام البرلمان الإيراني بابعاد وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي في 25 آذار 2025 الذي شخص الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الإيراني وتوصيف الحالة بالقول أنه ( خلال الأعوام السبعة الماضية زاد عدد الفقراء في إيران 10 ملايين) مع زيادة نسبة التضخم المالي وصعوبة السيطرة عليه بانخفاض العملة الورقية المحلية واتساع ظاهرة الفساد وانتشار البطالة في صفوف الشباب، كلها عوامل تهدد الأمن الداخلي وتصيب النظام في عموده السياسي وتهدد بقائه.
الصراع السياسي بين التيارات القريبة من دائرة المرشد الأعلى علي خامنئي وبقية القيادات الميدانية ومنها العسكرية والتي تتضامن مع الرؤية التي يتحدث بها الرئيس الإيراني، مؤكدة حالة الخطورة الكبيرة التي تمثل صراعًا ونزاعًا داخليًا تزداد خطورته بالزام البرلمان الإيراني حكومة مسعود بزشكيان بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل على العكس من تعليق التعاون معها، وهو ما جعل المعنيين بالتفاوض بخصوص الملف النووي الإيراني إلى توجيه عدة رسائل تبين استعداد إيران لتقديم تنازلات واعتماد اسلوب الحوار خيارًا لحل جميع مشكلاتها مع الوكالة الدولية للطاقة ودول الترويكا الأوربية والابتعاد عن دائرة الاستهداف العسكري والاقتصادي.
سعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى تنفيذ ما هددت به من تفعيل (آلية الزناد) في مجلس الأمن الدولي استنادًا إلى القرار 2231 الذي كان اساس الاتفاق النووي بين إيران ودول ( 5+1) في تموز 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب في آيار 2018.
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام سياسة الضغط القصوى تجاه إيران، وابرمت خلال الزيارة الثانية لوزير الدفاع الباكستاني عاصم منير لواشنطن اتفاقاً مشتركًا بقيام شركات أمريكية باستثمارات في مجال التنقيب عن النفط واستخراجه في ولاية بلوشستان الباكستانية، وهو إجراء يتمثل في أحكام الحلقات الاقتصادية التي تحاصر إيران وتعطل الحلم الإيراني في استكمال خطوط نقل الغاز الذي يمر عبر الأراضي الباكستانية باتجاه الهند وإمكانية تفرعه باتجاه الصين.
أصبحت إيران مابين المطرقة والسندانة، فهي لا تستطيع الاستمرار في ابداء مخالفتها والابتعاد عن التزاماتها تجاه القرار 2231 عبر تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ بدلًا من 3،67٪ والعمل على توسيع إنتاجها من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة بعد تعهدها بعدم القيام بأي نشاطات تتعلق بالصواريخ المصممة لتكون قادرة على إيصال أسلحة نووية،
ويبقى السؤال الأهم الذي تبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والوكالة الدولية للطاقة الذرية أين هي كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ والتي تبلغ 441 كغم والتي من الممكن تحويلها إلى نسبة 90٪ تكفى لصناعة (22) قنبلة نووية خلال خمسة أشهر؟
لا زالت إيران متمسكة بسياسية الغموض النووي وحريصة عليها وترى أنها ورقتها الرابحة في أي مفاوضات قادمة للمناورة فيها مع دول الترويكا وواشنطن، ولكنها سوف لا تتمكن من الاستمرار فيها لأنها ستؤدي بها لأن تكون أكثر عزلة سياسية دولية إقليمية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
