خامنئي بين القلق المجتمعي والاستعداد العسكري

خامنئي بين القلق المجتمعي والاستعداد العسكري

اياد العناز 

اجتماع المرشد الأعلى علي خامنئي مع حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في السادس من آيلول 2025، جاء بعديد من التوجيهات والتعليمات الخاصة بالشؤون الداخلية والخارجية وطبيعة الواجبات المناطة بالوزارات والمؤسسات التنفيذية والحكومية، وكان أهم ما تحدث به الجانب الاقتصادي والاجتماعي والذي وجه به قائلًا (نوصي بتوفير المواد الأساسية وتخزينها، لوجود مخاطر محتملة لا يمكن التنبؤ بها، وهناك إمكانات مهمة لتحقيق الإجماع بفضل الانسجام بين مختلف المؤسسات).
تأتي تصريحات المرشد الأعلى في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية الدولية والإقليمية، وسط توترات ونزاعات لمواجهة قادمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مع خلاف شديد في العلاقة مع دول الترويكا الأوربية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بعد عدة اجتماعات لم يتم التوصل فيها إلى اتفاق واضح وحاسم بشأن قبول إيران بالعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات مع الإدارة الأميركية والتعاون المباشر والحثيث مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاستجابة لكل الأسئلة المتعلقة بالانشطة النووية الإيرانية والوصول إلى مكان اختفاء ما وزنه (400،11) كغم من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪، بعد الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية (نطنز وفوردو وأصفهان) في الثالث والعشرين من حزيران 2025، مع قيام دول الترويكا الأوروبية برفع تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي التوصية بإعادة العقوبات الاقتصادية على إيران لعدم التزامها بتعهداتها الواردة في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت عليها مجموعة (5+1)في تموز 2015.
ان القيادة الإيرانية تدرك حقيقة الأوضاع الميدانية وما يحيطها من مخاطر أمنية وعسكرية وإمكانية توجيه ضربة خاطفة غير مسبوقة تجاه عمقها الداخلي واستهداف منشأتها النووية مواقعها العسكرية وأجهزة الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي وقواعدها العسكرية والجوية، في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية وانحدار مستوى العلاقة السياسية الثنائية مع الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية فشل المحادثات الأخيرة والتهديد بتفعيل ( آلية الزناد) في حال عدم التوصل لاتفاق مع إيران خلال ثلاثون يومًا، واضطرابات في الأوضاع الداخلية بانتشار ظاهرة البطالة والتضخم المالي والفساد الإداري والسياسي وانخفاض العملة المحلية أمام العملات الأجنبية مع سوء الأحوال المعيشية وانقطاع الكهرباء وازمة المياة الخانقة التي يعيشها أبناء الشعوب الإيرانية.
يحاول المرشد علي خامنئي إيصال حقيقة الأوضاع المأساوية وما ستؤول إليه الأحداث المحيطة بإيران وطبيعة المتغيرات السياسية والمؤشرات الميدانية عن اقتراب مواجهة عسكرية إقليمية إسرائيلية وبموافقة أمريكية لاستهداف إيران، وهناك ما يشير إلى تحركات لوجستية للقوات الأمريكية تضمنت عمليات نقل قاذفات ثقيلة ومنظومات (ثاد) للدفاع الجوي إلى إسرائيل مع صواريخ اعتراضية ورادارات وطواقم تشغيل أمريكية وعبور ثلاث طائرات نقل عسكرية أمريكية من طراز (C-17) في طريقها للدخول إلى إسرائيل، مما يؤكد حقيقة التعزيز العسكري والاستعداد لتحضيرات لمواجهات قادمة في المنطقة.
القيادة الإيرانية بدأت تقرأ جيدًا صورة الواقع المأساوي وهشاشة الوضع المعيشي الذي يعيشه المجتمع الإيراني وأمكانية تعرضه إلى أزمات اجتماعية تزيد من معاناته واحتمال العودة للتظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي سبق وان انطلقت في أيلول 2023 بعد حادث مقتل الشابة الكردية ( مهسا اميني).
وهناك الجانب التعبوي المتمثل بالتحركات العسكرية وتوسيع نطاق استهداف طرق الإمداد البحري في الخليج العربي وفرض الحصار الاقتصادي على جميع الجبهات وتطويق إيران من جميع الجهات لزيادة الضغط الاقتصادي والعسكري عليها.
تحتاج جميع هذه الإجراءات والتحركات موقفًا سياسيًا داخليًا يتمثل بالتوجه لتكثيف التعبئة الشعبية واعداد الخطط الكفيلة بإعادة رسم العلاقة مع النظام وشعبه، وهو ما رأه المرشد الأعلى علي خامنئي من أولويات تحقيق الهدف الأساسي في أي مواجهة عسكرية قادمة، فإيران لم تعد كما كانت سابقاً وليس لديها إمكانية ميدانية في تحقيق مناورة سياسية كما كانت تفعل في السنوات الماضية مع الدول الأوروبية وحتى الإدارة الأميركية أو في استعداداتها وتصريحاتها بشأن العلاقة مع إسرائيل، ما تحتاجه الان هي إعادة علاقتها مع مواطنيها وتحويلها الى مرتكز أساسي فعال يوصل إلى جبهة داخلية متماسكة عبر إصلاحات حقيقية وانذار بالمخاطر القادمة وهو ما يستلزم تعبئة شعبية شاملة وإجراءات اقتصادية واجتماعية تعين على مواجهة التحديات المقبلة ومنها ما يتعلق بخزن المواد الغذائية وتوفير الحاجيات الأساسية والاستعداد لأي حالات مماثلة وتدعيم أواصر التماسك المجتمعي الذي ترى فيه القيادة الإيرانية شرعيتها السياسية في البقاء والاستمرار في منظومة الحكم القائمة، وهو ما أشار إليه المرشد الأعلى بالقول ( أن المخاطر المحتملة لا يمكن التنبؤ بها)، وهو ما يسترعي اتخاذ قرارات حاسمة وإجراءات سريعة لحماية المجتمع في ظل الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بإيران.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة