اياد العناز
وقعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اتفاقاً مشتركًا مع إيران في التاسع من أيلول 2025 بعد وساطة مصرية قام بها وزير الخارجية المصري ( بدر عبد العاطي) استمرت عدة اسابيع، تمخض عنها التوقيع المباشر في القاهرة على استئناف فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية مهامها الميدانية على الأراضي الإيرانية بزيارة المواقع والمنشأت النووية والأماكن ذات النشاطات النووية، بحضور وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ورئيس الوكالة ( رافائيل غروسي) الذي وصف الاتفاق بأنه ( خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح).
الاتفاق يؤكد طبيعة البراغماتية الإيرانية التي ترى أن وصولها إلى أهدافها وغاياتها برفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة، إنما يتأتى من استجابتها للشروط والمبادرات الدولية، ومنها ما أعلنته دول الترويكا الأوروبية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بضرورة عودة إيران بالسماح للوكالة الدولية بممارسة أعمالها ودخول المواقع النووية ونصب كاميرات المراقبة والإجابة عن أي تساؤلات يخص عمل المفتشين والبحث عن كميات اليورانيوم المخصب المتعلق بكمية اليورانيوم البالغة (400،11) كغم والتي وحسب ما تعلنه السلطات الإيرانية أنه تم فقدها بسبب الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية التي طالت منشأت ( فوردو ونطنز وأصفهان) في الثالث والعشرين من حزيران 2025، وإيران بتوقيعها على بنود الاتفاق الأخير في العاصمة المصرية ( القاهرة) تعيد التزامها بضرورة تقديم جميع التسهيلات التي تمكن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من القيام بدورهم، وأن تبتعد عن جميع الإجراءات التي سبق وان أعلنت عنها بالموافقة على ما أقره مجلس الشورى الإيراني ووافق عليه مجلس صيانة الدستور بمنع رئيس الوكالة الدولية وجميع العاملين فيها من دخول الأراضي الإيرانية واعتبارهم جواسيس لجهات دولية، واتخاذ الإجراءات القضائية بالقبض على ( روفائيل غروسي) لاتهامه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتقديم المساعدة لهم في ضرب المواقع والمنشأت النووية الإيرانية.
وسبق الاتفاق الأخير ان قدمت الوكالة الدولية تقريرها الفصلي في آيار 2025 الذي لخص النشاط الإيراني النووي بالقول ( أن إيران الدولة الوحيدة غير النووية في العالم التي تنتج وتخزن يورانيوم مخصب بنسبة 60٪) واعتبرته الوكالة أنه أمرًا يثير القلق البالغ، وكان لرئيس الوكالة موقفًا واضحاً من النشاطات النووية الإيرانية بإعلانه الدائم بأن البرنامج النووي الإيراني له أبعاد عسكرية والغاية منه إنتاج أسلحة نووية، الأمر الذي أدى إلى عدم تعاون إيران مع مفتشي الوكالة والامتناع عن تزويدهم بكامل التفاصيل المتعلقة بأنشطتها النووية، ووصل الحال إلى مواجهات واسعة بينهما بشأن النوايا الحقيقة والأهداف والغايات الإيرانية من وراء الاستمرار بعملية توسيع عمليات التخصيب والنشاط النووي.
وتدخلت منظمة الأمم المتحدة واعربت حينها عن مخاوفها من الأبعاد الحقيقية للممارسات الإيرانية وطالبت باستئناف عمليات التفتيش وسط مخاوف من أن كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب وحسب رأي المفتشين العلمي والتقني أنها تكفي لإنتاج عدد من الرؤوس النووية.
وفي آخر مقال نشره وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في صحيفة الغارديان البريطانية في السادس من أيلول 2025 أن ( بلاده لا تزال منفتحة على الدبلوماسية ومستعدة للتوصل إلى اتفاق واقعي ودائم يقوم على رقابة صارمة وقيود على التخصيب مقابل رفع العقوبات)، وهذا الموقف الإيراني يلقى الدعم من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي كونه يوصل إلى هدف أكبر تسعى القيادة الإيرانية إليه ويعتبر من أولويات استراتيجيتها السياسية والأمنية بالحفاظ على بقاء نظامها السياسي واستمرار مشروعها الإقليمي وتأثيرها في أي تطورات سياسية ومتغيرات قادمة في الشرق الاوسط.
أن القرار الإيراني بعودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمهامها يضفي أفقًا سياسيًا ودورًا قادمًا لطبيعة حوارها وعلاقتها مع دول ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) ومحاولة جادة منها لابعاد أي تطور لاحق باعتماد تحديد العقوبات الاقتصادية عليها من قبل مجلس الأمن الدولي لعدم التزامها بما أقره الاتفاق الذي وقعته مجموعة (5+1) في تموز 2015 الخاص بوضع آليات وضوابط لكيفية التعامل البرنامج النووي الإيراني وفق اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، والخشية من اتخاذ قرار من قبل المنظومة الأمنية بعدم اعتماد قرار مجلس الأمن 2231 الصادر في 20 تموز 2015 والذي ينص على إلغاء العقوبات المفروضة على إيران خلال السنوات السابقة والتي كانت تتصل بشكل رئيسي بالملف النووي الإيراني وذلك في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة والتي تتعلق بالفترة مابين عامي (200-2015).
تحاول إيران استثمار الفرصة الذهبية التي قدمتها لها وزارة الخارجية المصرية عبر وساطتها في توقيع الاتفاق الجديد والتفاهم المشترك مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تتزامن مع الاعلان عن تفعيل ( آلية الزناد) وفشل إيران في التوصل مع دول الترويكا الأوربية لحل متفق عليه ويرضي جميع الأطراف بخصوص ملفها النووي وإظهار التعنت والممانعة في استئناف جولات الحوار والمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية لإنجاز اتفاق نووي دائم.
وأن قبول الوكالة الدولية الاتفاق مع إيران إنما يأتي وفق السياسة التي يتبعها رئيس الوكالة ( رافائيل غروسي) الذي يدعو دائمًا بافساح المجال للعمل الدبلوماسي والحوار السياسي وإعادة عملية التفتيش لمسارها الصحيح، وأن القيادة الإيرانية بدأت ترى ضرورة التعامل بشكل واقعي مع جميع الأصوات الداخلية الإيرانية التي تدعو لعودة الحوار مع الإدارة الأميركية ضمانة لرفع العقوبات ومنع أي هجمة عسكرية محتملة قادمة، وهو الرأي الذي صرحت به ( جبهة الإصلاحات) الإيرانية ذات الرؤية المعتدلة والتي تحظى بتأييد من التيارات السياسية الإصلاحية، باصدارها بيانًا سياسيًا في 17 آب 2025 دعت فيه القيادة الإيرانية لتجنب تفعيل الدول الأوربية لآلية الزناد بقولها ( أن ذلك ممكن عن طريق الانخراط في مفاوضات نووية مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاعلان عن الاستعداد للتعليق التطوعي لتخصيب اليورانيوم وقبول اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل رفع العقوبات بشكل كامل)، وهو الرأي الذي اعتمده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقاله بجريدة الغارديان البريطانية.
وجاء الاتفاق المشترك بما طالب به غروسي في أخر مقابلة له بمقر الوكالة الدولية في العاصمة النمساوية ( فيينا) في الثالث من آيلول 2025 بعدم تمكن الوكالة ( من الاستمرار لأشهر طويلة) وعليهم إنجاز مهمة التفتيش للمنشأت النووية في غضون أيام قادمة.
تبقى الرؤية السياسية لدى القيادة الإيرانية قائمة على محددات رئيسية بجعل الهدف الأسمى والغاية الأكبر هي تمكنها من حماية وجودها وبقاء نظامها السياسي واستمرار مشروعها الأمني الإقليمي واعتماد أي أساليب وأدوات وتوصلها لأهدافها وسلوك أي مسارات براغماتية لتحقيق رؤيتها وغاياتها وريم ملامح وجودها المستقبلي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية
