تعتبر إيران العراق ضمن أهدافها الميدانية والاستراتيجية العليا ويشكل لها جبهة متقدمة لتنفيذ مشروعها السياسي الإقليمي، ومواجهة القوات الامريكية المتمركزة في العراق عبر الفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بقيادات الحرس الثوري وفيلق القدس، ضمن الرؤية الأمنية والأهداف الجيوسياسية الايرانية.
تسعى إيران لجعل العراق جزء مهم من معادلة التوازن الاستراتيجي الإيراني في الشرق الاوسط والوطن العربي، وتعويض ما خسرته في الجنوب اللبناني بمقتل القيادات السياسية والأمنية لحزب الله اللبناني ( درة التاج الإيراني) وضياع ( المربع الذهبي) بسقوط نظام الأسد في سوريا، فسعت للعمل على تعزيز تواجدها وتحالفها مع أدواتها ووكلائها بايجاد مسار سياسي وأمني يخدم رؤيتها السياسية في العراق وتوسيع دائرة نفوذها وهيمنتها على جميع الأصعدة، واستخدام العراق ممرًا مهمًا يغذي أهدافها نحو اقطار مجلس التعاون الخليجي العربي والأردن وسوريا وكذلك تركيا، فهي تحاول تطويع المتغيرات السياسية في المنطقة بالشكل الذي يوفر لهافرصة أكبر تحميها من أي تهديدات مستقبلية، وستندفع بشكل واسع للتموضع الأمني والعسكري بما يخدم مصالحها بدعم جهود وحركات حلفائها في السيطرة على الأوضاع الداخلية للمشهد العراقي.
هذه الاستراتيجية الإيرانية ستدفع بالعراق إلى مواجهة مجموعة من التحديات وتزايد العقبات الداخلية وستؤول نتائجها إلى كوارث بشرية واقتصادية، إذا ما بقى الدور الإيراني فاعلًا على الأرض العراقية، وتمكن من السيطرة والعمل ضمن منظور تأمين حماية حلفائه من الفصائل المسلحة التي لا زالت تعمل على تنفيذ توجهات المشروع الإيراني على حساب أمن وسلامة العراق وأبناء شعبه.
القيادة الإيرانية تدرك الأهمية الاستراتيجية الجيوسياسية للعراق خاصة بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية التي أصابتها في 13 حزيران 2025 وتغير المشهد الإقليمي والصراع السياسي في الإقليم وأصبح المجال الجوي الإيراني والعراقي مسرحًا للفعاليات الجوية والعسكرية الإسرائيلية ومرتعًا لإطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة نحو العمق الإيراني.
وأن أي عمليات مستقبلية من قبل الجماعات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني للقواعد والمصالح الأمريكية في العراق سيزيد من حالة التدهور الأمني ومستقبل العراق السياسي، وتسعى إيران لإيجاد عوامل مساعدة تمكنها من مواجهة التحديات التي تستهدف وجودها وسياستها تجاه العراق كونها تمر باصعب المراحل منذ قيام نظامها وتدفع ثمن كبير بسبب استمرارها بتحقيق أهدافها ومواجهة الفعاليات الأمريكية والإسرائيلية التي تعمل على تقليص نفوذها وقوتها الإقليمية وتطويقها اقتصاديًا، ولهذا فإن إيران ستواجه صعوبة بالغة وتدفع اثنان باهظة للتمسك بسياستها الفاعلة تجاه العراق.
أمام هذه التطورات الميدانية والأهداف الإيرانية، فإن من الممكن أن يدخل العراق في مسرح العمليات الحربية والعسكرية القادمة في المنطقة، وإذا ما تمكن من تفادي الضربات الإسرائيلية في المواجهة الإيرانية الأميركية والإسرائيلية الأخيرة، فإنه سيكون في مقدمة الأهداف القادمة بسبب اتساع النفوذ الإيراني عبر هيمنة الفصائل المسلحة واتساع رقعة فعالياتها دون مواجهة حقيقية لتحيد عملها.
تعلم إسرائيل أن العراق لا يمتلك منظمومات دفاعية متطورة والأجواء العراقية مكشوفة أمامها وأي تصعيد في العمل العسكري المباشر سوف لا يكون في صالح ومستقبل العراق وحياة شعبه، كما أن السيطرة الجوية الإسرائيلية ستقيد حركة الفصائل العراقية وتسهل عملية استهداف مواقعها أماكنها ومعسكراتها واغتيال قياداتها، كما حدث أثناء العمليات العسكرية والاستخبارية التي استهدفت قيادات حزب الله اللبناني واغتيال غالبية قياداتها ومنها حسن نصر الله امين عام الحزب.
نتيجة السياسة الإيرانية أصبح العراق ضمن دائرة الخطر مع تنوع الأهداف الإسرائيلية وامتداداتها نحو العمق الإيراني، في ظل وجود الفصائل المسلحة التي تتأخذ من إيران مرجعًا سياسيًا وأمنيًا لها، مما جعله ساحة محتملة لمواجهة عسكرية قادمة مع تزايد التأييد السياسي الذي تعلنه هذه الفصائل تجاه إيران، مع التناغم الذي يبديه العراق في الوقوف لجانب إيران في جميع المحافل الدولية والمنظمات العالمية، مع اتساع عملية التوغل الإيراني داخل المجتمع العراقي و العمل على التأثير على شريحة الشباب وكسبهم للعمل في صفوف الفصائل والمليشيات المسلحة التي توالي إيران وتشكل خطوط دفاعية متقدمة لها داخل الأراضي العراقية.
تتابع الولايات المتحدة الأمريكية بدقة الدور السياسي الإيراني في العراق وترصد جميع العلاقات التي تربطه بالأحزاب والحركات السياسية ودورها في مركز صنع القرار العراقي، وعلاقة قيادات الفصائل المسلحة مع قيادات فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، وترى في الدور الإيراني عملية مركبة تخدم أهداف وغايات المشروع الإيراني في الشرق الأوسط والوطن العربي.
القيادة الإيرانية تبحث لها عن متنفس إقليمي يعيد لها دورها بعد الأحداث الاخيرة في سوريا ولبنان، وترى أن هناك مصلحة إستراتيجية إيرانية لها في تعزيز تواجدها في العراق وحماية لها، وتسعى لربط مستقبل العراق السياسي لبقاء نظامها، فسقوط إيران أو تراجع دورها الإقليمي سيجعل من أدواتها وشركائها في العراق أقل تأثيرًا بل تفقد أهميتها.
تمكن مركز الروابط للبحوث و الدراسات الاستراتيجية من الحصول على معلومات دقيقة من مصادر مهمة عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات سياسية واقتصادية لعدد من الأشخاص والكيانات العراقية التي ترتبط مباشرة بعلاقات سياسية وعسكرية وأمنية بإيران، ومنها مسؤولي الفصائل المسلحة وبعض الأحزاب السياسية، لردعها وقطع علاقتها مع الجهات الأمنية والعسكرية الإيرانية.
أن التحذير الأمريكي سيبدأ عبر عقوبات اقتصادية ثم عمليات عسكرية للمواقع والمكاتب التابعة للفصائل المسلحة واغتيالات سياسية للقيادات الرئيسية، إذا لم تتأخذ مواقف صريحة في علاقتها مع إيران.
أن من الحكمة والتعقل التعامل مع الأهداف الأمريكية، بروح من التماسك المجتمعي وتحقيق الإرادة الوطنية وتعزيز الهوية العراقية والحفاظ على أمن وسلامة العراق وابناء شعبه ومنع أي مواجهات عسكرية قادمة تتأخذ من الأراضي العراقية مسرحًا وميدانًا للقتال وعدم تعريض الدم العراقي للهدر بعد أن نزف كثيراً وفي عقود سابقة، وحماية المصالح العليا للبلاد بعيدًا عن أي غايات وأهداف تخدم جهات إقليمية.
كلما اقترب العراق من بناء علاقات متوازنة وصداقات دائمة دولية وإقليمية، كلما تمكن من حماية أمنه وسلامة أراضيه وتعزيز مكانته ودوره الريادي واتساع رقعة أهدافه في التنمية الاجتماعية والتطور الاقتصادي والبناء الإنساني وتحقيق التوازن بين المصالح الإستراتيجية والالتزام بالاستقرار واحترام السيادة الوطنية.
أن الولايات المتحدة لديها أهدافها ومصالحها الدولية وتسعى لاستخدام جميع أدواتها ومساراتها لتحقيق غاياتها وتحقيق هيمنتها وسطوتها ومواجهة أي محاولات إقليمية ودولية للوقوف أمامها باظهار قدرتها وقوتها الميدانية واعتماد الموارد الاقتصادية ومتابع الطاقة أساس مهم في تحقيق استراتيجيتها في الشرق الأوسط، وأنها تعمل بشكل حثيث ومستمر على أن يكون القرن الحادي والعشرين بملامح وهيمنة أمريكية بوجود حلفاء واصدقاء لها في ( بريطانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا واليابان).
أن بلدان العالم المتحضرة والساعية لحماية أراضيها وشعوبها عليها أن تعمل جاهدة للحفاظ على استقلالها ومواردها وثرواتها والسعي لتوسيع مدارات مصالحها ومنافعها دون الخوض في مواجهات ومعارك جانبية لا تخدم إلا قوى بلدان إقليمية لها مشاريعها السياسية وأهدافها المعلنة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية
