نظم المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، مائدةً مستديرةً يوم الخميس الموافق (14 يناير 2016) بالتعاون مع معهد غرب آسيا وإفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بهدف دراسة وتحليل فرص تعزيز العلاقات المصرية – الصينية خلال المرحلة القادمة، وكيفية تعامل الصين مع أزمات الشرق الأوسط الراهنة في ضوء علاقاتها مع العديد من دول المنطقة. وقد افتتح اللقاء الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، بحضور كلٍّ من الدكتور يانج جوانج، مدير معهد غرب آسيا وإفريقيا IWAAS، ونخبة من خبراء الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية والمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية.
أشار الدكتور عبد المنعم سعيد في بداية اللقاء إلى أهمية دراسة النموذج الصيني في ضوء التحول الذي شهدته الصين، وما هي العوامل التي ساهمت في حدوثه، وضرورة الاستفادة من الخبرات الصينية. من جانبه أضاف الدكتور يانج جوانج أن تاريخ العلاقات المصرية – الصينية يعود إلى مؤتمر باندونج في عام 1955 الذي بدأ فيه كلا الطرفين مرحلة ثقة متبادلة شكلت ركيزة قوية لعلاقات أخرى في مراحل تالية، حيث أدركت الصين أن مصر قوة رائدة وشريك استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة.
تطورات الوضع السياسي المصري:
تناولت الجلسة الأولى من اللقاء نظرة عامة على الحالة المصرية من خلال التطرق إلى الوضع السياسي المصري والوضع الأمني، وأخيرًا الوضع الاقتصادي. وخلال تلك الجلسة، أكد الأستاذ أبو الفضل الإسناوي، رئيس برنامج الدراسات المصرية بالمركز الإقليمي، أن تشكيل البرلمان الحالي يعطي دلالة بحدوث تغيير حقيقي في الحالة النيابية في مصر، فهناك تغيير على مستوى القوى السياسية المتنافسة. وتحدث عن حالة من التعددية الحزبية، وتغيير في التركيبة الاجتماعية داخل البرلمان، لا سيما في تمثيل السيدات، حيث هناك 87 نائبة في البرلمان الحالي، وبذلك يصبح برلمان 2015 أكثر برلمان في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية من حيث التمثيل النسائي. وفيما يتعلق بتمثيل الأقباط، هناك 36 نائبًا قبطيًّا، وبهذا تصبح نسبة النواب الأقباط في برلمان 2015 هي الأعلى في تاريخ البرلمان. وأضاف أن الحكومة المصرية تتحرك في ثلاثة مسارات تتساوى في أهميتها، فهي تستهدف تحقيق إصلاح اقتصادي، وتطبيق الضرائب التصاعدية، ومكافحة الفساد، وتحدث عن أن هناك اتجاهات نحو تغيير قوانين الاستثمار.
وعن الوضع الأمني الحالي في مصر، أشار الأستاذ أحمد البحيري، القائم بأعمال وحدة دراسات الأمن الإقليمي بالمركز الإقليمي، إلى أهم التحديات الأمنية التي تمثل تهديدًا للأمن القومي المصري، والتي تتلخص في أزمة هوية الدولة المصرية، لا سيما مع تنامي الاتجاهات الإسلامية المختلفة داخل المجتمع المصري وما تحمله من ثقافات وأفكار مختلفة، وحالة الاستقطاب الحاد التي يعيشها المجتمع المصري، إلى جانب صعوبة استعادة السيطرة على سيناء، خاصةً مع تنامي نفوذ تنظيم بيت المقدس، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، وانتشار حالة الدول الهشة في الإقليم، فهناك حالة من الفشل في العديد من الدول المجاورة، والتي تؤثر بدورها على الدولة المصرية، وأخيرًا تدهور العلاقات مع الغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة، مما يتطلب ضرورة إعادة الثقة وبناء جسور التعاون مرة أخرى، إلى جانب عدم وضوح العلاقة مع إسرائيل وغموضها بعد 25 يناير.
وفيما يتعلق بمستقبل التعاون الاقتصادي الثنائي بين مصر والصين، أكد الأستاذ إبراهيم الغيطاني، باحث أول اقتصادي بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، أن هناك آفاقًا واسعة للتعاون بين الطرفين ستشهدها السنوات القادمة بالرغم من أن الحضور الصيني كان بطيئًا خلال العشرين سنة الماضية، لكنه الآن يسير على نحو أفضل وبثبات وبشكل مستديم، لا سيما بعد أن أصبح الإدراك المصري للاستثمار الصيني أمرًا واقعًا في ظل الصعود الصيني. وأضاف أن هناك مجالات كثيرة يطرحها السوق المصري لآفاق التعاون والاستثمار. ومن المتوقع في المستقبل أن يحظى الشريك الصيني بحصة أكبر في الشراكة لا تقل أهمية عن الشريك الأوروبي.
وعلى الجانب الآخر، أكدت شين مو، اقتصادية وخبيرة الطاقة، على فرص التعاون المصري الصيني خاصة في مجال الصناعة من خلال تخلص الصين من الصناعات كثيفة العمالة، ونقلها للجانب المصري، والاستفادة من الخبرات الصينية في هذا المجال. وأضافت أن الصين تتطلع إلى بناء شراكات مع دول منطقة الشرق الأوسط من أجل الحصول على مصادر الطاقة المختلفة.
أزمات منطقة الشرق الأوسط:
تناولت الجلسةُ الثانية من اللقاء نظرة عامة على أهم ملفات منطقة الشرق الأوسط، حيث تحدث الأستاذ محمد عباس ناجي، الخبير المشارك في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، عن أثر التصعيد السعودي – الإيراني على المنطقة. فالدولتان تقفان على طرف المواجهة في العديد من الملفات، وبالتالي فإن أي مبادرات وجهود من شأنها الدفع في اتجاه التسوية لأي من هذه الأزمات ستواجه بالفشل.
وتحدث الأستاذ علي بكر، رئيس برنامج الدراسات الإسلامية بالمركز الإقليمي، عن تداعيات وجود التنظيمات الجهادية في المنطقة، والتنافس الجهادي الذي أصبحت تشهده منطقة شمال وغرب إفريقيا بين تنظيمي القاعدة وداعش، مما أدى إلى انتهاج أعمال إرهابية أشد عنفًا لجذب مزيد من المتعاطفين، واستهداف مصالح الدول التي ترى هذه التنظيمات أنها تُهاجم مناطق نفوذها. وأكد أن مستقبل هذه التنظيمات يتوقف على الأوضاع الإقليمية، وفي حال تسويتها فإنها قد تُهدئ من حدة نشاط هذه التنظيمات.
من جانبه، تطرق الأستاذ حسام إبراهيم، رئيس برنامج الدراسات الدولية بالمركز الإقليمي، إلى رؤية الصين لمنطقة الشرق الأوسط في ضوء الاحتياجات الصينية للبترول، واستراتيجية الولايات المتحدة وإعادة التوازن إزاء المنطقة. وتحدث أيضًا عن رؤية مصر للاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط.
وأخيرًا، ركز الدكتور تانج زيهتشو والدكتور واي لانج على التجربة الصينية في مواجهة الإرهاب، وأن الصين تواجه مخاطر عديدة، ولا بد من صياغة استراتيجية أكثر فعالية للتصدي لمثل هذه التحديات.
وقد خَلُصَ اللقاء، إلى التأكيد على تعدد مجالات وفرص التعاون، وإمكانية تطوير العلاقات المصرية الصينية. فالصين ترى العديد من المزايا في بيئة الاستثمار المصرية، ومنها وفرة العامل البشري المصري، وكثرة الموارد التي تمتلكها مصر. وبالتالي تسعى الحكومة الصينية إلى تطبيق استراتيجية الامتداد خارج الصين، والتي تشمل مصر، وسيتعين على الصين تطوير استراتيجية شاملة من أجل لعب دور فعال في منطقة الشرق الأوسط من خلال التعاون الاقتصادي مع كافة دول المنطقة دون الانحياز لطرف على حساب آخر.