نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن موقف هيلاري كلينتون، التي شغلت منصب وزير الخارجية الأمريكية سنة 2009، في إدارة باراك أوباما، من التدخل الدولي في ليبيا، ذلك أن الجمهوريين يعتبرونها السبب الرئيس في انتشار تنظيم الدولة في الشرق الأوسط.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21“، إن الجمهوريين، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية العامة، يلعبون ورقة الوضع في ليبيا، لمهاجمة خصومهما الأوفر حظا من الديمقراطيين، وهما هيلاري كلينتون وبرني ساندرز.
وذكرت المجلة، في حوارها الذي أجرته مع مساعدي ومستشاري هيلاري كلينتون، أن الوزيرة أعدت خطة دفاع مُحكمة في حملتها الانتخابية، كما صرّح أغلبهم بأن هيلاري كلينتون لا ترى التدخل الأمريكي في ليبيا عملا فاشلا، بل على العكس، ترى فيه مشروعا يحرز تقدما.
فقد قال مستشارو هيلاري بأن الدرس الذي تعلمته من التدخل في ليبيا هو وجوب إيفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها في منطقة الشرق الأوسط، وهي حجة كفيلة بإقناع عامة الشعب، وترى فيها رؤية واضحة لسياسة هيلاري كلينتون الخارجية مستقبلا.
ورأت المجلة أن هيلاري ديان رودهام كلينتون، أثناء حملتها الانتخابية، لم تخجل من الدفاع عن قرارها الداعم للتدخل العسكري في ليبيا، هذا التدخل الذي أطاح بالدكتاتور معمر القذافي، وقالت بصريح العبارة: “أعتقد أن الرئيس باراك أوباما اتخذ القرار الصائب في ذلك الوقت”.
هذا التصريح صدر في المناقشة الديمقراطية الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 في انتخابات الجمعية العامة. ولكن كان هذا قبل مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفن، وقبل أن تغرق البلاد في مستنقع الحرب الأهلية.
وقالت المجلة إن البحث عن موقف هيلاري كلينتون اليوم، بعد مرور سنوات عن مغادرتها وزارة الخارجية، سيحدد سياستها القادمة في الشرق الأوسط إن وصلت للبيت الأبيض.
وقد نقلت المجلة عن أحد مستشاري هيلاري قوله: “سيسعى الجمهوريون لإثبات أن الفوضى الموجودة الآن في ليبيا سببها قرارات وزيرة الخارجية”، مضيفا: “ولكن الوزيرة واثقة من نفسها… وسيرى الشعب بأن قراراتها وقيادتها ساعدت في حمايتنا من سيناريو شبيه بسوريا اليوم”.
وأشارت المجلة إلى التساؤل الذي يطرحه الجزء الأخير من تصريح المستشار، وهو: هل يرى مستشارو كلينتون بأنه كان على أوباما التدخل في سوريا؟ وهو ما لن يجيبوا عنه لعجزهم عن تحديد الفروق بين الحالتين.
كما لاحظت المجلة التضارب في التصريحات بين أوباما وكلينتون بشأن تداعيات التدخل الأمريكي في ليبيا، ليس فقط في تشخيص الأخطاء، ولكن أيضا في رؤاهما حول قدرات أمريكا. فقد ألمح باراك أوباما ثلاث مرات عن أسفه من الوضع السيئ الذي تعيشه ليبيا الآن.
ففي حوار له مع قناة فوكس نيوز الأحد الماضي، قال باراك أوباما إن التدخل في ليبيا “كان الأمر الصواب”، ولكن أسوأ خطأ قام به هو عدم التحضير لما بعد سقوط القذافي، كما قال في حوار له مع مجلة “أتلنتك” “يوجد مجال للنقد” فيما يتعلق بموضوع التدخل الدولي، وقال أيضا “بأن لديه ثقة تامة في قدرة الأوروبيين على إعادة الاستقرار لليبيا”.
كما يرفض العديد من المسؤولون السابقين بوزارة الخارجية التقليل من شأن الدعم الدولي الذي قُدّم لليبيا ما بعد القذافي. وهذا ما أكده جايك سوليفان، نائب رئيس أركان وزارة الخارجية في عهد كلينتون ومستشارها الأول في حملتها الانتخابية الآن، حيث قال إن مجمل الدبلوماسيين شعروا بأن مجمل الأهداف تحققت مباشرة بعد سقوط القذافي.
وأشار مستشارو هيلاري كلينتون إلى أسباب أخرى هامة ساهمت في تأزم الوضع في ليبيا، أبرزها رفض الليبيين لوجود قوات أجنبية على أراضيهم، بالإضافة إلى التداعيات السياسية السلبية لما بعد الهجوم على سفارة الولايات المتحدة في بنغازي.
ونقلت المجلة عن ديريك كوليت، مستشار آخر لدى هيلاري كلينتون، الذي شغل منصب نائب رئيس مركز التخطيط السياسي تحت إشراف كلينتون حتى سنة 2011، قوله: “ما وقع في بنغازي قضى على الأدوات المتواضعة التي تملكها أمريكا في ليبيا”.
كما قال كوليت: “بعد أيلول/ سبتمبر 2012، أصبح من المستحيل المحافظة على التقدم البسيط الذي كنا نحرزه، فالجهود الكبيرة التي بذلناها أصبحت سرابا في لحظات”.
وذكرت المجلة بأن هجوم بنغازي جاء بعد شهرين من الانتخابات البرلمانية وبعد نهاية شهر رمضان، شهر الصوم الذي تستقر فيه الأوضاع في بلدان المسلمين. وكان من المقرر في أيلول/ سبتمبر بداية العمل على صياغة سياسات وإصلاحات جديدة تساعد على تثبيت الحكم. وكان من المفترض أن عمل السفير الأمريكي جون كريستوف ستيفن سيكون في هذا السياق.
ورأت المجلة بأن عدم وجود قوات أمريكية على الأرض لن يجعلها تتخذ قرارات أو توجيهات سياسية تجنب ليبيا المزيد من الفوضى والانهيار، وهذه هي المعضلة التي تدركها هيلاري كلينتون، والتي أعربت عن أسفها لوقوعها.
حيث طالبت باستئناف العمل على الملف الليبي، واعتبار ما حصل في بنغازي شرا لا بد منه، وأنه على الأمريكيين أن يدركوا بأن الأخطار والقتل جزء من تكاليف العمل الدبلوماسي من أجل تعزيز مصالح أمريكا في الخارج.
وفي الختام، تساءلت المجلة عن احتمال مواصلة كلينتون الدفاع عن موقفها من التدخل في ليبيا، إذا ما علمنا بأن التدخل الدولي سيعزز الفوضى وسيقوي شوكة تنظيم الدولة في ليبيا.
كيم غاتيس
فوراين بوليسي
نقلا عن موقع عربي 21