يعتبر البنك المركزي في اي دولة المؤسسة المسؤولة عن مراقبة وتوجيه النظام المصرفي ، ويهدف بشكل عام إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في الدولة والإسهام في تعزيز النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم وتخفيض البطالة.
في العراق يبدو الامر مختلفا وغامضا تماما، حيث كثير من المواطنين لو تم سؤالهم عن البنك المركزي والية عمله ، سيكون جوابهم بهز الرأس ، وفي ذلك دلالة على عدم فهم ما يحصل داخل اروقة هذه المؤسسة الوطنية الضخمة ، وكأنها اصبحت لغز يحير العراقيين فيما يتعلق بالية عمله وما ينطبق على البنك ينسحب على الاقتصاد العراقي برمته.
مؤخرا تم توجه انتقادات لاذعة للبنك المركزي العراقي وادارته والية عمله ،وما يتعلق بمزاد بيع العملة اليومي والاحتياطي النقدي للبنك وغيره من الامور التي تهم المواطن.
ذكرنا في مقال سابق لنا حجم الفساد والهدر الحاصل في مزاد العملة الذي يقوم به البنك المركزي العراقي ، فقد تجاوز مجموع مبيعات البنك المركزي من العملة في اول شهرين من هذا العام 5 مليارات و821 مليون دولار ، كما كشفت وثيقة صادرة من اللجنة المالية في مجلس النواب، أن مجموع مبيعات البنك المركزي من العملة خلال شهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي قد تجاوزت ايرادات النفط في ذات الفترة .
اما بالنسبة لمبيعات البنك المركزي من العملة الأجنبية لشهر كانون الثاني فقد بلغت 3 مليارات و318 مليون دولار، كما بلغت مبيعات البنك في شهر شباط مليارين و503 مليون دولار.
وهنا نشير الى بيان اللجنة المالية النيابية بان استمرار البنك المركزي ببيع الدولار بكميات اكبر من ايرادات العراق من العملة الاجنبية نتيجة تصدير النفط الخام هي خدمة للفاسدين.
ونشرت تقارير اقتصادية ان البنك المركزي العراقي باع أكثر من 44 مليار دولار في مزاد العملة الأجنبية خلال العام الماضي. وفق عقود وهمية ،وسط تكتم الحكومات السابقة على هذه التجاوزات ،حيث نبه الكثير من الاقتصاديين والبرلمانيين لعمليات النهب المدروسة في البنك لمركزي وهذا التغافل الحكومي لهو مؤشر على أن اطراف وشخصيات سياسية ومتنفذين ضالعين في هذه العمليات، فالمصارف تشكل واجهات للسياسيين والفاسدين .
وتشير تقارير الى ان منذ أنشاء المصرف المركزي مزاداً لبيع الدولار للمصارف وشركات الصيرفة عام 2004 ، بلغت مبيعات المصرف المركزي أكثر من 312 مليار دولار منذ تأسيسه، بقيمة 1180 ديناراً للدولار الواحد، حولت 80% من هذه الأموال إلى خارج العراق بينما 20% دخلت إلى السوق .
لقد جنا العراق من كل عمليات الفساد السابقة ، عجز بنسبة 25 % من الموازنة الكلية”، واقتصاد منهار كليا ، وما يتبعه من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة.
وكان اخرها تخفيض تصنيفه الائتماني إلى “سلبي” من قبل وكالة “فيتش” العالمية .
الحكومة العراقية تحاول ان تخفف من حجم الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، يرافق ذلك تعتيم تام وغموض في سرد الارقام الاقتصادية الحقيقية ،وتعتيم على الية العمل داخل اروقة مؤسساتها ووزاراتها ،ومن بينها البنك المركزي .
تضمن تقرير مؤسسة “ستاندرد اند بورز” للتصنيف الائتماني “ارقاما لديون العراق وصلت الى 30 مليار دولار خلال العام 2015 التي و اضيفت الى القائمة للمرة الاولى” وقد توقعت استمرارها بالارتفاع الى العام الحالي .
وهنا تتحدث الحكومة العراقية بأن المركزي يملك احتياطيات تتعدى الـ 50 مليار دولار ، الرقم يتفق عليه الكثير من المراقبين ، لكن مع استمرار الازمة الاقتصادية التي انهكت الخزينة لماذا لا تتوقع الحكومة بأنها قد تلجأ للسحب من الاحتياطيات في حال الاضطرار لذلك؟.
فإن انعدام وجود الرقابة الصارمة على البنوك افرزت حالة من عدم الشعور بالامان لدى المتعاملين مع البنوك على أموالهم ، الأمر الذي يجعل من الصعب على البنوك بأن تكون حامية لنقود عملائها، وبالتالي ستزيد من حالة عدم الثقة بالاقتصاد العراقي سواء داخليا او خارجيا ، زما ينسحب على ذلك من اثر تبعات اقتصادية.
ارتفاع نسب الفقر في العراق إلى أكثر من 22 في المئة، بحسب الإحصائيات الرسمية، يعني أن هناك ما يعادل 7 إلى 8 ملايين فقير، وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة بعدد السكان العام.
على الرغم من الحديث عن اصلاحات داخل البنك المركزي الا انه لايزال هناك تجاوزات وسرقات ومعاملات مشبوهة ،وهو ما افرز اليوم طبقة من الاثرياء نتيجة هذه السرقات والاحتيال ، فالرقابة الفعالة من شأنها ان توفر على الدولة ملايين الدولارات ،وتخفف من نزيف الاموال التي يعبث بها الفاسدين.
البنك المركزي العراقي حاله مؤسسات الدولة الاخرى التي تشهد حالة من استشراء الفساد وغياب الرقابة قد تكون اهم عوامل فشل وانهيار الاقتصاد ، ومع هذا الواقع المرير تتلاشى آمال المواطن العراقي بأي إصلاح اقتصادي المنشود، وهنا على الحكومة ان تكون اكثر جدية في التعامل مع تساؤلات المواطن العراقي حول الاوضاع التي تمر بها البلاد .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية