جاء اختيار “بن علي يلد ريم”، لزعامة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، ليحمل العديد من الدلالات السياسية، حول توجهات الحزب المستقبلية وتماسكه، بعد إعلان زعيمه السابق أحمد داوود أوغل استقالته، وعدم ترشحه مرة أخرى، وما تبع ذلك من جدال عن خلافات عميقة داخل الحزب، كما حمل الاختيار بصمة شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقوة سيطرته على كوادر وقيادات الحزب، فـ”يلد ريم”، يعد أبرز المقربين إلى أردوغان، بل ويوصف بأنه “اليد اليمنى” للرئيس.
تجاوز الانقسام
حزب “العدالة والتنمية”، الذي تجاوز بهدوء، اختيار زعيمه الجديد، أرسل رسالة قوية إلى أحزاب المعارضة الأخرى التي تحدثت خلال الفترة الماضية عن انقسامات داخل الحزب الحاكم، وحالة “غضب” من الرئيس أردوغان، وتعاطف مع الزعيم السابق للحزب ورئيس الوزراء “أحمد داوود أوغل”، في ظل خلافات تشهدها أحزاب المعارضة حول قياداتها، وعلى رأسها “الحركة القومية”، و”حزب الشعوب الديمقراطية” الكردي.
اليد اليمنى
“بن علي يلد ريم”، جاء من داخل القصر الجمهوري، حيث كان يعمل مستشارا خاصا للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وكان صديقا قديما للرئيس، وتعود علاقتهما إلى عام 1994 عندما كان “أردوغان” يترأس بلدية إسطنبول الكبرى، و”يلد ريم” كان يُدير شؤون المواصلات البحرية داخل إسطنبول، في ذلك الوقت، وعندما قرر “أردوغان” ورفاقه تأسيس حزب “العدالة والتنمية” عام 2001 كان اسم “يلد ريم” من ابرز أسماء المؤسسين، وهو شخصية تكنوقراط، له خبرة طويلة في دولاب العمل الحكومي، واستطاع خلال 11 عاما تحقيق العديد من المشاريع الناجحة التي ظهرت في الحملات الانتخابية وفي التجمعات الشعبية، للحزب الحاكم.
عائلة “كردية”
الزعيم الجديد للحزب الحاكم التركي، ينتمي لعائلة “كردية” أصولها من “أگري”، هو من مواليد 20 ديسمبر 1955، هو سياسي تركي، وشغل منصب وزير النقل، البحرية، والاتصالات التركي وعضو برلمان عن ازمير من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وسيصبح “يلد ريم”، رئيس الوزراء يعد الـ “31” في تاريخ تركيا منذ عام 1920 حتى الآن، وهو رئيس الوزراء رقم (4) لحزب “العدالة والتنمية، فقد سبقه في المنصب أول رئيس للوزراء عن الحزب “عبد الله جول”، الذي تولى بعد ذلك رئاسة الجمهورية، ثم “رجب طيب أردوغان” لفترتين، وصار رئيسا للجمهورية “أول رئيس تركي منتخب من الشعب مباشرة”، ثم “أحمد داوود أوغل”، الذي قاد “العدالة والتنمية” في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحقق أعلى نسبة يحصل عليها الحزب منذ تأسيسه.
تحديات كبيرة
المرشح لزعامة حزب العدالة والتنمية التركي “بن علي يلد ريم”، أكد في أول تصريحات له بعد إعلان الحزب رسميا اختياره رئيسا، على “تماسك” الحزب، و”الديمقراطية” في الاختيار”، “عظم المسؤولية”، في ظل تواجه تركيا تحديات كبيرة، سياسية واقتصادية، والحرب على الإرهاب، والمشكلات مع الاتحاد الأوروبي حول الدخول منطقة “شنغن”، وقال في كلمة له، عقب الإعلان عن ترشيحه لرئاسة الحزب “إنها مسؤولية كبيرة وفخر عظيم أن أُعتبرَ جديرا بالترشح لرئاسة حزب العدالة والتنمية الذي أحظى بشرف كوني أحد مؤسسيه”، وأضاف “يلد ريم” قائلا، “ينبغي على الجميع أن يعلم أن العدالة والتنمية هو حزب ذو قضية، وحزب بناء مستقبل الأمة، وهو سيسير نحو المستقبل مع المحافظة على ماضيه”.
“تركيا الكبرى”
واستطرد “يلد ريم” قائلًا: “سنبذل ما بوسعنا وسنعمل في انسجام تام مع مؤسس حزبنا ورئيس جمهوريتنا، وكل رفاقنا داخل حزبنا، من أجل الوصول إلى أهداف تركيا الكبرى”، وأضاف “إن مؤتمرات الأحزاب تعد بمثابة أعياد ديمقراطية، غير أن ميزة مؤتمرات العدالة والتنمية عن غيرها من الأحزاب، هي كونها وسيلة لتعزيز روابط الأخوة والوحدة، بدلا من الانقسام”، وشدد يلد ريم على قضية محاربة الإرهاب، والقضاء عليه، قائلا “اطمأن الشعب التركي أننا سنزيل آفة الإرهاب من أجندة بلدنا”.
المؤتمر الاستثنائي.. الأحد
رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغل، في اتصال هاتفي هنأ وزير المواصلات والملاحة البحرية والاتصالات، “بن علي يلد ريم”، على ترشيحه لرئاسة الحزب، في المؤتمر الاستثنائي الذي سيعقد الأحد المقبل، وكان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، “عمر جليك”، أعلن اختيار وزير المواصلات والاتصالات والنقل البحري، بن علي يلد ريم، مرشحا لرئاسة الحزب، خلفا لأحمد داوود أوغل، وجاء إعلان “جليك” في أعقاب اجتماع لجنة الإدارة المركزية للحزب، في المقر الرئيسي للحزب بأنقرة، تم فيه اختيار يلد ريم مرشحا لرئاسة الحزب.
أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية
“جليك”، قال إن اختيار “يلد ريم” جاء بعد استشارات موسعة داخل الحزب، مشيرا إلى أن “يلد ريم” عُرف بنجاحاته، وبقربه من الشعب، لافتا لكونه أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، وأكد أنه لا توجد أي مسافة، بين الرئيس التركي، الرئيس المؤسس للحزب، رجب طيب أردوغان، وبين كوادر الحزب.
قرار داوود أوغلو
داوود أوغلو، كان حدّد في تصريح صحفي مطلع الشهر الحالي، عقب اجتماعه بلجنة الإدارة المركزية للحزب، الثاني والعشرين من أيار/ مايو الجاري، موعداً لعقد مؤتمر عام استثنائي لحزب العدالة والتنمية، يتم فيه اختيار رئيس جديد للحزب، معلنا أنه لا ينوي الترشح لرئاسة الحزب في المؤتمر المقرر.
العمارة البحرية وهندسة المحيطات
“بن علي يلدرم”، المولود في “رفاهية”، محافظة إرزنجان، درس العمارة البحرية وهندسة المحيطات، في كلية البحرية، جامعة إسطنبول للتكنولوجيا، وتخرج عام 1991 بالجامعة البحرية العالمية، وحصل على ماجستير العلوم في السلامة البحرية والحماية البئية، وعمل مدير عام لشركة إسطنبول للعبارات السريعة من 1994 حتى 2000 عندما كان رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب إردوغان عمدة إسطنبول، وتولى إدارة شؤون المواصلات البحرية داخل إسطنبول، ويصنف بأنه شخصية تكنوقراط، وهو الأكثر خبرة في العمل الحكومي، واستطاع خلال 11 عاماً تحقيق العديد من المشاريع الناجحة التي تغنى بها أردوغان خلال الحملات الانتخابية وفي التجمعات الشعبية.
السكك الحديدية عالية السرعة
وأثناء توليه وزارة النقل، أدخلت تركيا السكك الحديدية عالية السرعة. تحت قيادته أنشئت تركيا سكك حديدية عالية السرعة بين أنقرة-إسكيشهر وأنقرة-قونية. أيضاً هناك خط تحت الإنشاء، إسكيشهر-إسطنبول، يصل بين إسطنبول وأنقرة. أنهار المشروع بعد خروج قطار عن مساره في پاموكوڤا، محافظة ساكاريا في 22 يوليو 2004 في إحدى رحلاته المبكرة بين إسطنبول وإسكيشهر. في أعقاب الحادث طُولب “يلد ريم” بالاستقالة، وأُعيد تعيينه في نفس الوزارة في 6 يوليو 2011 ووزراء آخرين في الوزارة الجديدة، وخرج من منصبه في 25 ديسمبر 2013 في تغيير وزاري.
زوجته المحجبة.. ورفض الاختلاط
أثار “يلد ريم” جدلا واسعا، عندما ظهرت صورة فيها زوجته المحجبة منفصلة عنه أثناء غداء عمل ، مما أثارت ضجة في تركيا في 2005، ووُجهت إليه الكثير من تهم التمييز الجنسي. وفي مناسبة أخرى على عدم التحاقه بجامعة بوغازيچي في شبابه لأنه “رأى الفتيان والفتيات يجلسون ويتحدثون معاً في ساحة الجامعة”، وقال انه وجد أن الاختلاط بين الجنسين غير مقبول، وعندما كان وزيرا للاتصالات، كان “يلد ريم” مصدراً لخلافات عديدة، ومنها ما جاء في معرض رده على الانتقادات حول الرقابة الحكومية على خطوط الهاتف، حيث قال: “إذا كنت لا تفعل أي شيء غير قانوني، فلا تقلق من التصنت”.
مشروع العصر “ميترو مرمراي”
الإنجاز الأكبر لـ”يلد ريم” هو المخاطرة، ودخوله تحدٍّ في استكمال مشروع العصر “ميترو مرمراي”، الذي يصل القارتين الآسيوية والأوروبية تحت الماء، وهي تلك المشروعات التي مكنت وثبتت لمسات حزب “العدالة والتنمية” في الجانب الخدماتي، تضعه في مكانة الجندي المجهول، ولكن تلقى “يلد ريم” ضربة قوية عندما فشل في الفوز بمنصب عمدة ازمير عن حزب “العدالة والتنمية” أمام العمدة الشاغر عزيز كوكاو أوغل في الانتخابات المحلية التركية 2014، ومعروف أن بلدية إزمير الكبرى معروفة بولائها الدائم لحزب الشعب الجمهوري المعارض، وخرج “يلد ريم” من الحكومة عام 2013 متوجهاً للانتخابات البلدية التي خسرها كما هو متوقع، إلا أن الرئيس التركي من لحظة وصوله للقصر الجمهوري في 2014 أعلن تعيين “بن علي يلد ريم” مستشاراً خاصاً، وتواترت أخبار أنه ليس فقط مستشاراً خاصاً لأردوغان، بل كان رئيساً لحكومة الظل، كما أطلقت عليها الصحافة التركية، فهو العقلية التي تدير 13 مستشاراً يحكمون سياسة تركيا الداخلية والخارجية.
أقوى 4 شخصيات في القصر
“يلد ريم” يعد واحدا من أقوى أربع شخصيات في قصر “رئاسة الجمهورية”، فدائما يجلس الى الجهة اليمنى من الطاولة في الاجتماعات التي يترأسها “أردوغان” ، إضافة الى “أيدن أونال”، الذي يوصف ب” قلم أردوغان المجهول”، في صناعة التأثير على الرأي العام التركي في عديد القضايا، وانتقاء المصطلحات وضخها في وسائل الإعلام التركي، وتحوّلها إلى مانشيتات عريضة ترسم الخطوط الرئيسية لسياسة الحزب الحاكم، أما الشخصية الثالثة فهو “إيفكان ألاء” يد أردوغان الأمنية الضاربة، الذي قاد حملة منظمة للقضاء على نفوذ جماعة “فتح الله غولان” أو ما يسمى بـ”التنظيم الموازي”، أما الشخصية الرابعة فهو “يغيت بولط” ورقة أردوغان الاقتصادية الخاسرة، والذي تسبب في الأزمة الحكومية التي عصفت بالعدالة والتنمية قبيل الانتخابات الماضية، عندما تداولت وسائل الإعلام خبر نية نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية “علي باباجان” الاستقالة من الحكومة، فمستشار أردوغان الاقتصادي أسرف في تدخلاته الاقتصادية لحد أغضب مهندس اقتصاد تركيا الجديدة “باباجان”.
عبداللطيف التركي
التقرير