اعتبر محللون سياسيون أن تفجير مقر مصرف “بنك بلوم”، وسط بيروت، يوم الأحد، لربما يكون أولى حلقات رد الفعل الصادر من “حزب الله”، رداً على العقوبات الدولية بحقه والتي أدت إلى إغلاق حساباته البنكية في لبنان.
ويأتي القطاع المصرفي اللبناني في صلب أزمة متصاعدة، منذ أن أقرت الولايات المتحدة قانوناً يستهدف التضييق على الأصول المالية لحزب الله اللبناني، و”بنك بلوم” هو أحد البنوك التي أغلقت حسابات مصرفية المصرفية لأشخاص يشتبه في صلتهم بالحزب.
وشددت أوساط سياسية في لبنان، عقب التفجير، على أن الحادثة، التي خلت من الضحايا، كانت تحمل رسائل واضحة مفادها أن الحزب الذي يترنح على وقع تجميد أصوله المالية في الداخل والخارج، لن يقف مكتوف الأيدي ويبقى في موقف المتفرج، وهو يخسر مصادر تمويله، وسيلجأ إلى مثل تلك التفجيرات أملاً في إجبار المصارف على تغيير مواقفها تجاه الحزب في الفترة القادمة.
وحملت الساعات القليلة، التي تلت التفجير، إدانات واسعة من مختلف الشرائح السياسية في لبنان، الذي يعاني تدهوراً سياسياً واقتصادياً على مختلف الصعد، ويعاني من الشغور الرئاسي منذ نحو عامين، في وقت تتعمق أزمة البلد بارتباطه بتداعيات الملف السوري المثقل بالأزمات.
إدانات واسعة
وقال وزير المالية اللبناني علي حسن خليل، في تغريدات عبر موقع “تويتر” إن “الانفجار الذي استهدف بنك لبنان والمهجر، يستهدف استقرار كل القطاع المصرفي، وبالتالي استقرار كل لبنان. وهو بالتأكيد مستنكر ومدان”.
من جهته، استنكر رئيس الوزراء الأسبق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري بشدة ما وصفه بـ “التفجير الإرهابي”، وقال إن “معركتنا مع الإرهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة”.
وأضاف الحريري، في تصريحات صحفية، يوم الأحد، أن “كل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين، ولبنان سينتصر في النهاية”، مشدداً على أنه “ليس هناك سوى فريق واحد يعطل الدولة ككل، وهو “حزب الله”، الذي لا يريد رئاسة جمهورية ويضع الكرة في ملعب العماد ميشال عون، فمنذ لحظة اغتيال رفيق الحريري وهذا البلد عرضة للتعطيل”.
وأدان وزير شؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج الانفجار الذي استهدف المركز الرئيسي لبنك لبنان المهجر في فردان، مطالباً الأجهزة الأمنية بكشف الجناة في أسرع وقت، منعاً للمزيد من التوتر على الساحة الداخلية.
ورأى دو فريج أن “هذا الانفجار يستهدف القطاع المصرفي ككل، وهو القطاع الذي مازال يعتمد عليه لبنان، في مواجهة العديد من الأزمات والاستحقاقات المالية الداخلية والخارجية والمساهمة في دعم الاقتصاد اللبناني”، محذراً من أن “المس بهذا القطاع، سيؤدي إلى كوارث تصيب جميع اللبنانيين من دون تفرقة”.
بدوره، أكد وزير التربية والتعليم العالي إلياس بو صعب، بعد تفقده مكان الانفجار، أن “يد الإجرام لا تعرف مذهباً ولا دين ولا مدرسة ولا مستشفى ولا بنك، وتمتد أينما كان “، مضيفاً: “نشد على عزم القوى الأمنية وعلى أيديهم، لا سيما الجيش وقوى الأمن الداخلي وفرع المخابرات والمعلومات، إننا نعول عليكم والشعب اللبناني كله موحد معكم لمحاربة الإرهاب”.
من جانبه، رأى وزير البيئة محمد المشنوق أن رسالة التفجير يمكن فهمها باتجاهات عدة، معقباً بقوله: “لا يكفي الاستنكار والمطلوب موقف موحد لحماية إجراءات مصارفنا والالتزام بقرارات الحكومة لحماية اقتصادنا”.
في الإطار ذاته، أدان رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، عبر “تويتر”، انفجار بيروت، داعياً إلى “اليقظة والتنبه وضبط الانفعالات لأن الوضع دقيق”، على حد قوله، في حين جاء رد رئيس لبنان الأسبق ميشال سليمان، عبر “تويتر” أيضاً بتغريدة قال فيها: “بعيداً من الاستنتاجات، المستهدف الأكيد هو الاقتصاد اللبناني، وعلى الجميع المساهمة في كشف الفاعل لابعاد الشبهات”.
وشدد الوزير السابق فيصل كرامي في تصريح له، على أن “الثابتة الأساسية التي ننطلق منها لمواجهة المرحلة، هي أن ما يتعرض له لبنان مؤخراً لا يخدم سوى إسرائيل”.
وقال: “نضع هذا العمل في سياقه ضمن حملة استهداف لبنان أمنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياحياً”، مطالباً الأجهزة اللبنانية المسؤولة عن أمن البلد، بمواجهة العقل الأمني الخبيث الذي يستهدف بلدنا في هذه الفترة بقوة”.
سجال إلكتروني
يأتي ذلك في وقت اشتعل فيه السجال الإلكتروني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن مناوئون لحزب الله وسماً عبر موقع “تويتر” بعنوان #حزب_الله_يفجر_المصارف ما لبث أن تصدر قائمة الوسوم في لبنان.
واتهم مناهضو “حزب الله” الجماعة الشيعية، المدعومة من إيران، بما اعتبروه “زعزعة استقرار البلاد وتهديد اقتصادها”، فيما دافع الموالون عن الحزب مؤكدين أن انفجار بيروت لم يكن سوى “تمثيلية للتغطية على العقوبات المتوالية على الحزب”.
ورأى ناشطون لبنانيون أن “حزب الله” لجأ إلى “اللعب ببنك الدم بعدما فشل في اللعب ببنك المال”، مشددين على أن “الحزب هدد المصارف ورئيس المصرف المركزي شخصياً ولم يأبه بأحد”، مشددين على أن تفجيرات “حزب الله لن تسبب أضراراً مادية آنية، بل ستضرب هذه الحادثة الاقتصاد اللبناني بعمق”.
العقوبات الدولية
ويهدد القانون الأمريكي – المعروف بقانون “مكافحة تمويل حزب الله دولياً”، والذي صدر في ديسمبر/ كانون الأول – بمعاقبة أي منظمة توفر دعماً مالياً كبيراً لحزب الله.
ويرى البنك أهمية تطبيق القانون الأمريكي لتفادي عزل دولي للقطاع المصرفي اللبناني، فيما انتقد “حزب الله” بشدة البنك المركزي لموافقته على إجراءات اعتبرها حربا ضده.
وأشعل القانون نزاعاً لم يسبق له مثيل بين “حزب الله” والبنك المركزي، الذي يعتبر على نطاق واسع إحدى دعائم الدولة اللبنانية، ومن دونه تصير الدولة ضعيفة ومختلة.