الحرب الإعلامية والتعبوية، عارضا سياسته في هذا الشأن خلال خطاب له في المؤتمر الدولي للعمليات النفسية والإعلامية ضد داعش، المنعقد ببغداد بتاريخ 10 أغسطس، متجاوزا الحقيقة الأساسية وهي أن الحرب ضد داعش عالمية، والحرب الإعلامية جزء منها وتقودها الولايات المتحدة الأميركية، والعراق وسوريا البلدان المهمان فيها نظرا إلى احتلال داعش لأجزاء كبيرة من أراضيهما.
الحرب الإعلامية بين العالم والقاعدة، ثم بعدها داعش، لم تبدأ عند احتلال الأخير للأراضي العراقية والسورية، وإنما قبلها بسنوات، ذلك أن هذا النوع من الحروب لا يبتدئ بالعساكر، وإنما في النفوس والعقول ووسط مجتمعات كبيرة خصوصا تلك التي تواجه الاضطهاد والعنف والتنكيل، وخطر التنظيمات المتطرفة والإرهابية لا حدود جغرافية له.
ومن الطريف أن يتهم المرشح الجمهوري الأميركي دونالد ترامب، باراك أوباما ومرشحة حزبه هيلاري كلينتون، بأنهما وراء تأسيس داعش في العراق والشام، وهذه المنظمة لديها مرجعية فكرية وسياسية واحدة، وتدير معاركها بجميع وسائل الإرهاب والفتك والدمار، وتستخدم أدوات الترهيب والتخويف لتحقيق أهدافها.
كما يمتلك داعش قدرات هائلة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الأداة الإعلامية الأهم في التأثير على الشباب العربي والعالمي اليوم، وحرب داعش الإلكترونية تتم بأساليب الاحتيال والابتعاد عن عيون الرقباء. ولا ندري إن كان العبادي، رئيس وزراء العراق، يعلم وهو المهندس الذي كان وزيرا للاتصالات في العراق عام 2004، بأن الأرقام العالمية تظهر بأن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم اليوم أكثر من 3 مليارات نسمة، منهم أكثر من 120 مليون مستخدم عربي.
|
تنظيم داعش يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه وتجنيد مقاتلين جدد، ولعل المئات قد خرجوا من بلدان كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا إلى سوريا بسبب تلك الوسائل الإرهابية. ويحاول داعش إظهار نفسه بأنه قوي وشرس، قادر على الإيذاء والانتقام من أعدائه وتسهيل عمليات التجنيد للشباب العربي المحبط، خصوصا في العراق وسوريا.
فماذا قدم رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة من خطط وبرامج في مجال الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للتغلب أو مواجهة داعش في ميدان الحرب الإلكترونية؟ وهل استطاعت حكومته ومؤسساته تعبئة الشباب العراقي كله في هذا الميدان، أسوة ببلدان العالم التي تحسست هذا الخطر ووضعت البرامج الحديثة لمكافحته.
توصلت بلدان أوروبا وأميركا إلى أن وسائل التصدي لداعش ليست عبر الصاروخ والدبابة على أهميتهما في الميادين التي يحتلها، لكن الحروب الإلكترونية والإعلامية والنفسية هي الوسائل الأقوى لدحر هذا التنظيم، يضاف إلى ذلك أن المجتمعات الأوروبية متماسكة ولا توجد فوارق وصراعات طائفية عند شعوبها مثلما يحصل في العراق.
لقد نشطت هذه الدول في مراكز انتشار داعش بالمنطقة العربية لوضع السبل الكفيلة لمطاردته والتغلب عليه إعلاميا؛ ففي بريطانيا صدرت “استراتيجية مكافحة التطرف” ومنها العمل عبر وسائط الإنترنت: فيسبوك ويوتيوب وتويتر وغيرها، والبدء بمعركة قوية لإسقاط الإرهابيين وفي مقدمتهم داعش من مخيلة الشباب المسلم في بريطانيا، وكذلك فعلت البعض من الدول العربية الخليجية.
لقد فشلت حكومة العبادي في إدارة الحرب الإعلامية والتعبوية، لأسباب واقعية كثيرة ترتبط بسلطة الحكم وأحزابه، والغموض الفكري المتعدد في النظرة إلى الإرهاب والتطرف، وكذلك بتخلف الوسائل الإعلامية المستخدمة وأساليبها وتوجهاتها، ومن بين هذه الأسباب:
أولا – عدم وجود مرجعية واحدة في العراق تحارب داعش وتضع الاستراتيجيات العسكرية والتعبوية والإعلامية لها، بل هناك تعدد في مصادر المرجعيات السياسية والعسكرية، سواء في إصدار بيانات المعارك أو الواقع الميداني، حيث يتحول المحافظ الجالس في بغداد إلى ناطق عسكري لمعارك الفلوجة أو أطراف الموصل.
ثانيا – ما هي الأسس التي يستند العبادي إليها في حربه الإعلامية؟ هناك أكثر من خمسين فضائية تلفزيونية رئيسية في بغداد، إضافة إلى المئات من الإذاعات، ولكل حزب حاكم من “الشيعة” فضائية أو اثنتان، لو تم فحص برامج هذه القنوات سنعجز عن تبين الاستراتيجية الإعلامية لعزل فكر داعش والتطرف عن حواضنه المفترضة أو المتحققة، فهل التغلب على داعش يقتضي، مثلما هو حاصل، عدم التمييز بين الحاضنة العربية والسنية في المحافظات الست وبين داعش؟
ثالثا – هناك فارق كبير بين من يريد الانتصار في الحرب الإلكترونية ضد داعش، قابعا داخل حزب أيديولوجيته تقوم على الصراع الطائفي، ويصور في أدبياته بأن داعش “أمة” وليست مجموعة متطرفة معزولة، وهو مقيّد أيضا بأحكام وتوجهات عمائم سوداء وبيضاء، وبين من يديرها في مجال فسيح من المساواة والعدالة وحقوق الإنسان.
الانتصار على داعش في العراق إعلاميا يتم حين تُزال جميع التحفظات والشكوك، ويعاد الاعتبار إلى أهل العرب السنة، ويتحول الخطاب الإعلامي التعبوي إلى خطاب وطني وليس طائفيا، وهذا للأسف لن يتحقق في ظل النظام السياسي القائم.
د. ماجد السامرائي
نقلا عن العرب