إيران…هدنة سياسية وعودة للمفاوضات

إيران…هدنة سياسية وعودة للمفاوضات

اياد العناز 

بدأت بوادر تحركات سياسية إقليمية ودولية لإيقاف زخم الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية الإيرانية والدعوة لحوار وتفاوض يعيد للجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية موعدها ومكانها في العاصمة العُمانية ( مسقط)، في وقت تشتد فيه الضربات الصاروخية داخل العمق الإسرائيلي مع استهداف مستمر للطائرات المقاتلة والصواريخ الإسرائيلية تجاه الأهداف العسكرية والأمنية والاقتصادية في معظم المدن الإيرانية.
تزامن التحرك الدولي مع حديث وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بقوله ( إن إيران تستطيع العودة إلى طاولة الحوار في أي وقت) وأشار إلى أهمية التفاوض كوسيلة لحل الخلافات، وهو ما يعني تمسك إدارة الرئيس دونالد ترامب بالحل الدبلوماسي والحوار السياسي كمنطلق ميداني يوقف المواجهات العسكرية ويؤدي لاتفاق نووي دائم، رغم وجود القناعة التامة لدى الجانب الإيراني بعدم تكرار اللقاء مع الإدارة الأميركية والذي أفصح عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي بتاريخ الثالث عشر من حزيران 2025 قائلًا ( أن الحوار مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي لطهران لا معنى له بعد أكبر ضربة عسكرية إسرائيلية على الإطلاق ضد إيران) متهمًا واشنطن بتقديم الدعم والمساندة السياسية والعسكرية لبداية الهجوم.
مع اشتداد المواجهة هل من الممكن أن تتأخذ القيادة الإيرانية قرارًا سياسيًا بالعودة للمفاوضات والجلوس للحوار مع واشنطن؟ وهل هناك آفاق وبوادر حقيقية للعودة لطاولة الحوار؟ وهل تمتلك إيران الرؤية الميدانية التي تحافظ بها على بقاء نظامها وإيقاف العمليات العسكرية ضدها؟ بضمانة دولية وإقليمية، هذا ما يحتاج إلى أجوبة واضحة ومواقف دقيقة يمكن خلالها قراءة الأحداث القادمة بدقة.
تمكنت إسرائيل من تحيد فعالية منصات إطلاق الصواريخ البالستية في القواعد المنتشرة في مطارات ( همدان وأصفهان وتبريز وبوشهر) وتعطيل القدرة الإيرانية في تقليل استخدام الطائرات المسيرة والمقاتلة بتدمير منظومات الدفاع الجوي ووسعت من عملية الاغتيال السياسي والعسكري ضمن المؤسسات الإستخبارية التابعة للحرس الثوري لشل حركة القيادة الميدانية فيها، بعد أن تمكنت بعض من الوحدات الأمنية الإيرانية من متابعة حركة ونشاط العناصر المعاونة مع جهاز الموساد الإسرائيلي داخل إيران، وابتعدت القوة الإسرائيلية عن إصابة مصافي النفط والمصانع والمعامل الإنتاجية محطات الكهرباء، ولكنها أكتفت باغتيال القيادات العليا في هيكلية النظام الإيراني والتي لديها علاقة بالبرنامج النووي وممن ساهموا من العلماء بتطوير الجوانب التقنية والعلمية التي اوصلت إيران إلى زيادة في تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة، في حين ساهمت الضربات الإيرانية في إصابات محددة لبعض البنايات في الأحياء الرئيسية بتل أبيب وبعض من القواعد الجوية والمواقع العسكرية في شمال وجنوب إسرائيل.
فهل ستمضي إيران في القبول بوقف الضربات واستئناف المفاوضات بصورة تتسم بالمرونة والحوار المعمق لينتهي الحال إلى اتفاق ضمني يعيد ترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وفق صيغ ومعطيات استراتيجية رئيسية جديدة تتخلى فيها إيران عن مشروعها السياسي الإقليمي مع رفع للعقوبات وحماية ما تبقى لها من إمكانيات تعيد فيها ترتيب اوضاعها الداخلية وصياغة إدارتها والحفاظ على بلادها من التفكك والضياع.
وإسرائيل هل تتمكن من الإستمرار في تحمل اشتداد الضربات عليها واستهدافها والتعامل مع الضغط الذي ستعانيه من الرأي العام عبر الخسائر التي تلحق بحياتهم واقتصادهم وعجزهم عن حالة الاستنزاف التي قد تطول باستمرار المواجهة العسكرية وفشل القبة الحديدية في التصدي لبعض الصواريخ أو عدم تمكن الدفاعات الجوية من ملاحقة الصواريخ الإيرانية التي ترسل بالمئات، مما يؤدي إلى إعادة النظر بقواعد ضبط الاشتباك وفتح قنوات للتهدئة عبر جهات دولية وإقليمية.
أن حالة الردع المتوازي قد لا تتحق ميدانيًا كما تحققت في الضربات التي جرت في نيسان وتشرين الأول 2024، بل أن الواضح أن إيران لا يمكن لها ان تستعيد ضوابط الردع المقابل بشكل يوازي ويتوافق مع ما حققته الضربات الإسرائيلية باستهدافها للقيادات العسكرية والاستخبارية والمواقع النووية داخل العمق الإيراني.
من هنا كان التحرك الدولي الذي تمثل بالاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي امتد لخمسين دقيقة ناقش فيها إمكانية وقف المواجهات العسكرية بين طهران وتل أبيب والعودة للمفاوضات مع الإدارة الأميركية والحوار حول إيجاد نوافذ حقيقة لإنهاء التعامل مع الملف النووي الإيراني، خاصة بعد التصريح الذي ادلى به وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس في الرابع عشر من حزيران 2025بقوله ( إن الشعب الإيراني سيدفع ثمنًا باهظًا اذا استمرت إيران في هجماتها الصاروخية وان العاصمة الإيرانية طهران ستحترق)، ثم ما كان من حديث الرئيس ترامب بضرورة قبول إيران بالموافقة على اتفاق نووي والمجئ إلى طاولة المفاوضات قبل أن ينفذ كل شئ وأن الهجمات الإسرائيلية اللاحقة على البلاد ستكون أكثر وحشية.
وبدأت بوادر وملامح إيرانية أرسلها الرئيس مسعود بزشكيان على أن إيران (لن تتفاوض بشأن الملف النووي إذا استمرت الهجمات الإسرائلية علينا)، وبعد أن تلقى عدة اتصالات رسمية من الرئيس الفرنسي ماكرون الذي دعاه (للعودة السريعة إلى طاولة المفاوضات) واحتواء التصعيد القائم، كما تلقى اتصالًا هاتفيًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والامير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية بخصوص الأحداث القائمة في خطوات مماثلة.
فهل تنجح الاتصالات الدولية والإقليمية في وقف الضربات الإسرائيلية الإيرانية والجنوح للحوار والعودة للمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن تغيرت أولويات الأهداف الإسرائيلية من تفكيك البرنامج النووي إلى استهداف المنشآت النووية وبرنامجي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وتضرر أربعة مباني في مواقع منشأة أصفهان النووي بينها منشأة تحويل اليورانيوم ومصنع صفائح الوقود وما حدث لمنشأتي نطنز وفوردو، إلى دعوة الشعوب الإيرانية لرفض نظامها السياسي ومواجهته.
أن المصالح الدولية والإقليمية لدول العالم تجعلها ساعية لإيقاف المواجهة مع إسرائيل وإيران وفق معطيات خاصة توصل إلى عودة لجلسات الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتفاق على إيجاد خطوات واثقة لاتفاق نووي دائم وفق النتائج التي تحققت في الميدان والتي على إيران أن تدركها وتتعامل معها بصورة واضحة وتقرأ جيدًا المتغيرات القادمة في الشرق الاوسط.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة