ارتفع سعر النفط، خلال الأسبوعين الماضيين، من أقل من 45 دولاراً للبرميل الى نحو 51 دولاراً. ثم عادت الأسعار تتأرجح مرة أخرى في نطاق سعري بحدود 48-50 دولاراً للبرميل. ويحاول النفط أن يستقر على عتبة 50 دولاراً وأعلى، وهو سعر يترك أثراً إيجابياً لدى المضاربين، إضافة الى كونه مؤشراً للشركات المنتجة للنفوط غير التقليدية (النفط الصخري الأميركي، والرمل القاري الكندي ونفوط البحار العميقة جداً) الى أن الأسعار تجاوزت مرحلة الخطر، ومن الممكن الاستثمار في تطوير حقول النفوط الثقيلة من دون أخطار كثيرة. لكن العامل الأساس الضاغط على الأسواق خلال هذه المرحلة مستمر، وهو حجم المخزون النفطي التجاري العالمي، وكم تزيد شركات النفط على هذا المخزون يومياً. أما الطلب على النفط، فهو عامل مستقر خلال هذه الفترة. وفي ضوء هذه المعطيات، تشير العوامل المتوافرة الى مسيرة الأسعار التصحيحية نحو مستويات أعلى، لكن مع تعرجات وتذبذبات.
لملذا الافتراض أن الأسعار في مسيرة تصحيحية نحو الارتفاع؟ يكمن السبب الرئيس في انخفاض كمية الإمدادات التي تضيفها الشركات الى المخزون النفطي التجاري العالمي، الذي بلغ ذروته أخيراً (نحو 3 بلايين برميل)، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. ومعروف أن ما دام هذا المخزون مرتفعاً، سيستمر الضغط على الأسعار. ويكمن التحدي في إضافة الشركات نحو 380 ألف برميل يومياً للمخزون، وهي أقل من الزيادة التي كانت حاصلة خلال النصف الأول من السنة، ومقدارها 480 ألف برميل يومياً. وهذه الكميات، بدورها، أقل كثيراً مما كان يتم تخزينه خلال العامين الماضيين (أكثر من مليون برميل يومياً) حيث كانت زيادة الإنتاج المرتفعة. وبسبب هذا الانخفاض المستمر في الإضافة الى المخزون، يتوقع أن ترتفع الأسعار تدريجاً وببطء الى أن يبدأ السحب من المخزون. وهنا تشير التوقعات الى أن السحب ممكن مع النصف الثاني من العام المقبل.
ويمكن أن نشهد ارتفاعاً متذبذباً للأسعار خلال فترة الزيادات. لكن تصحيح الأسعار الحقيقي سيبدأ مع بدء سحب الشركات من المخزون. عندئذ ستتغير العوامل الأساسية في الأسواق.
يعود السبب الرئيس في ارتفاع المخزون الى الإنتاج العالي والسريع للنفط الصخري الأميركي. وتدل التجارب الأخيرة على أن صناعة النفط الصخري تتفاعل بسرعة مع تطورات الأسواق والأسعار. فقد ازداد الإنتاج بسرعة غير متوقعة مع أسعار 100 دولار فما فوق للبرميل. وبالفعل ارتفع إنتاج النفط الصخري الأميركي الى نحو 4.9 مليون برميل يومياً، أو نحو 50 في المئة من مجمل الإنتاج النفطي الأميركي. إلا أن توافر هذا النفط في السوق الأميركية، أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم، وكون النفط الصخري من النوع الخفيف، يعطيان هذا النفط دوراً أكبر من حجمه في الأسواق العالمية. وتشير المعلومات الى أن كلفة إنتاج النفوط غير التقليدية تستطيع أن تستعيد عافيتها إذا استقر السعر على معدل 55 دولاراً للبرميل وما فوق، وأن يزداد إنتاج هذه النفوط في حال تراوح الأسعار فوق هذا المعدل. والعكس صحيح طبعاً كما حصل مع تدهور الأسعار خلال العامين الماضيين، حيث خفضت الشركات الأميركية معدلات الإنتاج مع تقليص نفقاتها واستثماراتها لتحد من خسائرها.
ماذا عن دور الطلب على النفط، الجزء الآخر لمعادلة العرض والطلب؟
تطرق كبير الاقتصاديين في شركة «بريتش بتروليوم» (بي بي) سبينسر ديل إلى دور الطلب في مرحلة تدهور الأسعار، وقارنها بمرحلة الانهيار السعري في منتصف الثمانينات في مقابلة مع دورية «أوبك بولتان»، فقال» لم تنخفض الأسعار عام 2014 لأن الطلب على النفط كان ضعيفاً. فقد كان معدل الطلب عند مستواه ذاته على المدى الطويل. وانخفض السعر في 2014 لأن الإمدادات كانت عالية جداً، أكثر من المعتاد. وهذه الحالة تشبه الى حد كبير، سبب انخفاض الأسعار عند منتصف الثمانينات عند بدء الإنتاج من بحر الشمال وألاسكا.» وأضاف ديل: «حاولت أوبك في مرحلة انخفاض الأسعار عام 1986، أن تحارب انخفاض الأسعار في بادئ الأمر، لكنها ارتأت بعد فترة من محاولتها، أنه من الأفضل لها المحافظة على حصتها في الأسواق، وانتظار أن تستوعب الأخيرة الفائض النفطي وتمتصه. وهذا ما تفعله المنظمة خلال المرحلة الحالية».
ما هو إمكان انهيار الأسعار، وهل هناك إمكان لتكرار الانهيار السعري الذي حدث في نهاية عام 2015 وأوائل 2016؟ تجيب النشرة المتخصصة لمصرف «ستاندرد تشارترد» بالآتي: « نعتقد أن انهيار الأسعار غير متوقع. فقد تغير الكثير في ميزان العرض والطلب خلال السنة الماضية. لقد فاقت الإمدادات الطلب بنحو 1.8 مليون برميل يومياً خلال آب (أغسطس) 2015. واستمرت زيادة الإمدادات على الطلب في كل من تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 وكانون الثاني (يناير) 2016. وتقديراتنا تشير الى العكس خلال الفترة التي تلت ذلك وفي المستقبل القريب، أي الى أن الطلب فاق العرض بنحو 300 ألف برميل يومياً، كما نتوقع أن يستمر الطلب أكثر من العرض خلال الشهور الستة المقبلة».