لم يستغرق الأمروقتا طويلا قبل أن يؤثر انهيار محادثات وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وروسيا على الوضع على الأرض في سورية. ففي وقت مبكر من يوم الجمعة قبل الماضي، نفذت دمشق قصفاً كثيفاً للأحياء التي يسيطر عليها الثوار في شرق حلب، في محاولة لاستعادة السيطرة على المدينة المقسمة.
لكن فشل الغرب في إسكات بنادق الأسد يمكن أن يكون له تأثير أكثر سوءاً أيضاً مع مرور الوقت: اندماج الجماعات الثورية الرئيسية في حلب مع جبهة فتح الشام، الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي كانت تعرف سابقاً باسم جبهة النصرة.
في حديث لمجلة “فورين بوليسي”، قالت بسمة قضماني، العضو البارز في لجنة المفاوضات العليا للمعارضة السورية: “إننا نرى كل شيء يجري القيام به لإجبار جميع المجموعات على التجمع في داخل حلب اليوم. هذا الاتجاه قاتل للجميع”.
على مدى أسابيع طويلة، قاومت جماعات الثوار الرئيسية جهود الاندماج مع جبهة فتح الشام، خشية أن يجعلها ذلك عرضة للضربات الجوية الأميركية. ويوم 9 أيلول (سبتمبر)، توسطت الولايات المتحدة وروسيا في التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي وعد بوقف هجمات قنابل البراميل التي يشنها نظام الأسد، وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق المحاصرة التي يسيطر عليها الثوار -طالما ظل الثوار منفصلين عن الاسلاميين المتشددين.
لكن موسكو وواشنطن فشلتا ليلة الخميس التي سبقت القصف في إيجاد وسيلة لإحياء وقف إطلاق النار الذي لم يدم طويلاً، من خلال ما وصفه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بأنه “اجتماع طويل، ومؤلم وصعب، ومخيب للآمال”.
وقد انعقد اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية، والذي يضم كلاً من الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران وعدداً من الدول الأخرى، على هامش مؤتمر الجمعية العامة السنوي للأمم المتحدة. وفي منتصف الاجتماع، أعلنت الحكومة السورية بداية عملية عسكرية جديدة في شرق حلب، لتقوض بذلك أي احتمال لإحياء اتفاق وقف إطلاق النار.
ووصف مسؤول أميركي بارز الاجتماع في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين بأنه “مليء بالخلافات”، وقال أن الأمر سيتطلب اتخاذ “خطوات استثنائية من قبل الروس والنظام” لاستعادة وقف إطلاق النار.
وقال المسؤول: “الكرة في ملعب الروس إلى حد كبير ليعودوا لنا ببعض الأفكار الجدية”. وأضاف “وسوف يكون ذلك أعلى وأبعد من نوع الأشياء التي كانت روسيا مستعدة للموافقة عليها في الماضي فيما يتعلق بالأنشطة الجوية فوق أجزاء كبيرة من سورية”.
وكان كيري قد غادر الاجتماع بإحباط واضح، وقال أنه سيجتمع مرة أخرى مع لافروف يوم الجمعة التالي، لكنه أعرب عن قلقه إزاء التقارير الواردة عن الهجوم الجديد لنظام الأسد. وقال كيري: “إنني لست أقل عزماً اليوم مما كنت بالأمس، لكنني أكثر إحباطاً”.
الآن، بعد أن مات وقف إطلاق النار رسمياً، وبينما يشن نظام الأسد هجوماً جديداً في حلب، يقول الخبراء في الشأن السوري أن ثوار التيار السائد قد يجدون أنفسهم مجبرين على توثيق العلاقات العسكرية مع الإسلاميين المتحالفين مع تنظيم القاعدة، بهدف نيل فرصة أفضل ضد جيش بشار الأسد.
يقول أندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “كانت الجزرة الوحيدة هي المساعدات، والوصول الذي يفترض أن يكون كيري قد أمنه من موسكو. لكن هذا لم يحدث”.
وقال محلل آخر أن من غير المرجح أن تنفصل قوات المعارضة عن العناصر المتطرفة إذا كانت واشنطن لا تستطيع أن تدفع روسيا إلى كبح جماح الأسد.
وقال نيكولاس هيراس، الخبير في الشؤون السورية في مركز الأمن الأميركي الجديد: “من وجهة نظر المعارضة المسلحة، فإن عملية وقف الأعمال العدائية لا يمكن أن تتم من دون تحقيق حماية للمدنيين أولاً”. وأضاف: “إن جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة لن تبدأ ببساطة بتقليص نفوذ الجماعات المتطرفة التي لها علاقات بتنظيم القاعدة، مثل جبهة فتح الشام وأحرار الشام، في داخل حركة التمرد من دون مشاهدة عمل أميركي أكثر قوة”.
وقالت قضماني، التي سعت مجموعتها طويلا إلى تمييز أعضاء التيار الرئيسي للمعارضة عن الإسلاميين، أن غياب إحراز التقدم الدبلوماسي يجعل من الصعب على الذراع السياسي للمعارضة السورية الحفاظ على المصداقية مع السوريين على الأرض.
وأضافت قضماني: “نحن هنا باسم المعارضة المعتدلة. وإذا لم تقدم هذه المعارضة أي شيء للشعب والجماعات المعتدلة على الأرض، فأين هي البدائل؟ وما هي؟”
قد يعني أي تقارب آخر بين الثوار والمتشددين الاسلاميين خلق المتاعب أمام الجهود المبذولة لاحياء اتفاق وقف إطلاق النار، فضلاً عن الجهود الأميركية الأخرى لتسليح قوات المعارضة السورية من أجل هزيمة “داعش”. كما أنه سيدعم شكوى موسكو القائمة منذ فترة طويلة من أن واشنطن وحلفاءها السنة فشلوا في فصل الأعضاء الشرعيين للمعارضة السورية عن الجماعات الإسلامية المتطرفة.
في مقابلة أجرتها معه وكالة “أسوشيتد برس”، قال الأسد أن الحرب السورية المستمرة لأكثر من خمس سنوات ونصف الآن “سوف تستمر” طالما ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها يدعمون المسلحين الذين وصفهم بـ”الإرهابيين” في سورية. وأضاف الرجل القوي المتحدي أنه يعطي القليل من المصداقية لما يقوله المسؤولون الأميركيون. وقال: “المسؤولون الأميركيون -إنهم يقولون شيئاً في الصباح ويفعلون العكس في المساء”. وأضاف: “لا يمكنك أن تثق بكلمتهم، حتى أكون صريحاً. نحن لا نستمع إلى أقوالهم، ونحن لا نهتم بها، ونحن لا نصدقها”.