بالنسبة للولايات المتحدة، فإن كيفية التعامل مع الأسد من دون ضرب الروس يشكل قضية أساسية -وكذلك حال التعامل مع جيران سورية لتعزيز فضاءات النفوذ.
* * *
بالكاد بعد مرور أسبوع واحد فحسب على التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار في سورية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي كان من المفترض أن تجلب هدوءاً مرحباً به للبلد الذي مزقته الحرب، وأن توفر المساعدات التي تمس إليها حاجة المجتمعات المحاصرة، سرعان ما اصطدمت هذه الصفقة بصعوبات بعد دخولها حيز التنفيذ.
ومع شن الجيش السوري وحلفائه هجوماً برياً معاكساً بدعم من القوة الجوية الروسية ضد مدينة حلب المحاصرة في شمالي سورية، ومع ورود التقارير عن هجوم وشيك ضد قوات قوات الثوار في جنوبي سورية، تبدو فرص إحياء خطة وقف الأعمال العدائية قاتمة للغاية.
ولكن، إذا تم التخلي عن وقف إطلاق النار نهائياً، فما الذي يمكن فعله تالياً لمحاولة وضع حد للصراع الذي دمر الكثير من سورية، وربما قتل ثلث مليون شخص، وتسبب في أكبر أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؟
يقول أندرو تايلور، الخبير في الشأن السوري في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “تحتاج الولايات المتحدة إلى التفكير في قضيتين إذا هي أرادت إدارة الحرب -معاقبة نظام الأسد على انتهاكاته لوقف الأعمال العدائية، بينما لا تقوم بضرب الروس؛ وثانياً، العمل مع البلدان المجاورة لتعزيز فضاءات نفوذها في داخل مناطق فاصلة أو آمنة”.
ومع ذلك، فإن هذا قد ينفع كنصيحة للإدارة التالية، لأن اتفاقية وقف إطلاق النار التي توسط فيها وزير الخارجية جون كيري، ربما تكون آخر محاولة كبيرة لإنهاء القتال تحت إشراف الرئيس أوباما. وإذا انهارت هذه الاتفاقية تماماً، وهو ما يبدو عليه الحال، فمن المشكوك فيه أن يطرح الرئيس أوباما، الذي سعى دائماً إلى تجنب التورط في سورية، مبادرة أخرى في نهاية عهده في الرئاسة، كما يقول محللون. وبغض النظر عمن سيفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فقد يستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن يعير سيد البت الأبيض الجديد/ أو سيدته الانتباه لسورية.
يقول يزيد الصايغ، العضو الرفيع في مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت: “الأمر كله يعود إلى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفعل شيئاً ما أم لا… وأعتقد أن الولايات المتحدة دخلت راهناً كما هو واضح في فترة “غيبوبة” أو سبات مع الانتخابات الرئاسية”. وأضاف: “أي شيء إضافي يستطيع كيري فعله في الساعات أو الأيام المتبقية قبل أن تكون الولايات المتحدة غير قادرة على إيلاء أي انتباه للقضية السورية (بسبب الانتخابات) -على الأقل انتباه يشعر الروس أو نظام الأسد بأنه جدير بأن ُيسمع؟”.
الموعد النهائي
لتحقيق النجاح قصير
وكانت محاولة أخرى لإنعاش وقف إطلاق النار قد فشلت مؤخراً خلال اجتماع في نيويورك للمجموعة الدولية لدعم سورية. وكانت المباحثات التي ضمت أكثر من دزينة من كبار الدبلوماسيين قد انهارت عندما رفض وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، طلباً من كيري بتقديم تعهد بحظر طيران الجيش السوري.
ومن جهته، قال ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة لسورية، في حديث للصحفيين إنه يأمل بأن يتم عقد مباحثات جديدة بين كيري والسيد لافروف قريباص، لكنه أقر بأن الموعد النهائي لتحقيق النجاح قصير.
وقال السيد دي ميستورا : “تعد الساعات القلية -والأيام القريبة التالية في الحد الأقصى- حاسمة لتحقيق النجاح أو الفشل”.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم 12 أيلول (سبتمبر) الماضي، كان هناك القليل من التفاؤل بأن هذا الوقف سيصمد. ودعت الصفقة في جزء منها، إلى أسبوع من الهدوء، والسماح بإيصال المساعدات للمناطق المحاصرة، على أن تتبع ذلك لاحقاً حملة تشنها الولايات المتحدة وروسيا ضد المتشددين المتطرفين في سورية، وتحديداً ضد مجموعتي “داعش” و”جبهة فتح الشام” التابعة للقاعدة، والتي كانت تعرف سابقاً باسم “جبهة النصرة”.
كانت خطوة من جانب الولايات المتحدة تنطوي على مخاطر دبلوماسية عالية حين اعترفت من الناحية الفعلية بأن روسيا ليست صاحب حصة رئيسي في سورية فقط، وإنما أيضاً شريك في القتال. وثمة العديد من المحللين الذين شعروا بأن الصفقة تصب في صالح نظام الأسد وروسيا.
كما أنها وضعت عبئاً ضخماً على مجموعات الثوار حتى تقوم بفصل نفسها عن الاقتران بجبهة فتح الشام من أجل تجنب الوقوع فريسة للهجمات الجوية الأميركية-الروسية المشتركة ضد المجموعة المتطرفة. وكانن العديد من فصائل الثوار في سورية، وعلى الرغم من أنها لا تتقاسم الأيديولوجية الإسلامية التي تتبناها “جبهة فتح الشام” قد خاضت المعارك على أساس عقد تحالفات مع المجموعة القوية. ويهدد الانفصال عن “جبهة فتح الشام” وتركها عرضة للضربات الجوية الأميركية الروسية، بإضعاف قوات الثوار المعادية للأسد ككل.
ويقول الصايغ: “أعتقد أن السبب وراء اتخاذ كيري هذه الخطوات المتطرفة يكمن في أنه أراد حشر الروس ونظام الأسد في صفقة رسمية تتجاوز فترة “غيبوبة” الانتخابات الأميركية”.
الديناميات العسكرية
لكن الترتيبات تعثرت منذ البداية. فقد ظلت قوافل المساعدات عالقة عند الحدود مع تركيا. وعندما تمكنت في النهاية من دخول الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في شمالي سورية، تم قصفها من الجو، مما أفضى إلى مقتل 20 مدنياً وتدمير 20 سيارة شحن. وكانت الولايات المتحدة قد وجهت اللوم إلى روسيا عن الهجوم. لكن روسيا نفت تورطها واتهمت الولايات المتحدة بالفشل في إصدار تعليمات للثوار بالتقيد بوقف إطلاق النار وقيامها بقصف موقع عسكري سوري بالقرب من دير الزور في شرقي سورية، والذي أسفر عن مقتل عشرات من الجنود، وهو عمل قالت واشنطن إنه كان “خطأ”.
إذا ضعفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، فسوف يتحدد الصراع في سورية بالديناميات العسكرية. وكان نظام الأسد قد ضاعف جهوده لسحق قوات الثوار في حلب، وشن هجوماً معاكساً رئيسياً على المدينة. ووعد القائد العسكري السوري لمنطقة حلب بأن تكون المدينة “آمنة” من اتفاقيات مصالحة أو “حل عسكري”.
ووفق صفحة التواصل الاجتماعي في “فيسبوك” لفرع حلب من حزب البعث السوري الحاكم، فقد قال العميد زيد صالح إن “قوات (النظام) التي تم نشرها كافية لاستعادة مدينة حلب برمتها”.
بينما هيمنت المعركة من أجل حلب على الصراع مؤخراً، تشير التقارير الأخيرة إلى أن نظام الأسد وشركاءه الإيرانيين ومن حزب الله اللبناني يفكرون في شن هجوم مضاد جديد في مرتفعات الجولان في جنوبي سورية. وكان موقع أخبار إلكتروني إيراني قد ادعى في بداية أيلول (سبتمبر) الماضي أن ثمة مقاتلين من حزب الله منتشرين في منطقة القنيطرة في الجولان الأوسط، تحضيراً لشن هجوم مضاد. ولاحقاً، نشرت وسائط إعلامية مؤيدة للثوار ادعاءات مشابهة.
وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية التي تدعم حزب الله أن الأسد قال لسياسي لبناني كبير إن الجيش السوري سيشن في وقت قريب عملية لإبعاد قوات الثوار من حزام من الأراضي الملاصقة لمناطق في مرتفعات الجولان خاضعة للاحتلال الإسرائيلي. وكان الأسد قد اتهم إسرائيل بدعم مجموعات الثوار المتواجدة في المنطقة.
ونُسب إلى الأسد قوله: “سيقوم الجيش قريباً بعملية عسكرية لإجهاض الجهود الإسرائيلية”.
نيكولاس بلاندفورد
صحيفة الغد