بعد فوز دونالد ترامب، سوف تواجه الولايات المتحدة مجموعة جديدة ومختلفة تماماً من التحديات في علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي على مدى السنوات الأربع المقبلة. ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سوف تأتي إدارة جديدة إلى السلطة في واشنطن في كانون الثاني (يناير) المقبل وهي تواجه “عجز ثقة” في إدارتها للعلاقات مع الشركاء في مجلس التعاون الخليجي. وكان قد تم تفسير التصويت الساحق في الكونغرس لتجاوز فيتو أوباما على مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب في المنطقة، على أنه يعبر عن انخفاض في الدعم الشعبي للعلاقة الأميركية-الخليجية. وبذلك عزز التصويت الشكوك المتنامية في منطقة الخليج في أن الولايات المتحدة ستظل الضامن الموثوق والثابت للأمن والاستقرار الإقليميين، كناتج متوقع لسلسلة من الإجراءات والخيارات السياسية الأميركية، من سورية إلى الربيع العربي إلى اتفاق إيران النووي. ولا يعني هذا القول إن قرارات الإدارة في كل هذه الحالات كانت مَعيبة، لكنها ولدت الكثير من الشكوك لدى شركائنا، كما يكتب جيرالد فايرستاين لمعهد الشرق الأوسط.
• التحديات التي تواجه العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي
كانت النتيجة المباشرة الأقرب لحالة عدم اليقين الإقليمية حول مدى موثوقية الاعتماد على الولايات المتحدة، هي تسريع الاستقلال المتنامي لعملية صناعة القرار في مجلس التعاون الخليجي، واستعداد دول المجلس للقيام بالأمور وحدها حيث تفترق مصالح الولايات المتحدة عن مصالح هذه الدول. وفي الأوقات الأخيرة، قاوم مجلس التعاون الخليجي اتباع قيادة الولايات المتحدة في مبادرات سياسية مهمة، وأصبح أكثر رغبة في “قول لا فقط”. وظهر هذا الاستقلال المتزايد أكثر ما يكون في قضايا متعلقة بإيران، وخاصة قرار السعودية إدامة الحملة العسكرية في اليمن، على الرغم من ضغط الإدارة للقبول بوقف لإطلاق النار هناك، وكذلك رفض مطالب الإدارة بتقوية العلاقات وزيادة الدعم المالي للعراق المنهك.
لكن المبادرات السياسية المستقلة لدول مجلس التعاون الخليجي تتجاوز مسألة المنافسة مع إيران، كما تتضمن أيضاً قرار السعودية ودولة الإمارات تقديم دعم مالي كامل لحكومة السيسي، على الرغم من تفضيل الولايات المتحدة ربط المساعدات الاقتصادية للقاهرة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية هناك. كما تقوم أبو ظبي أيضاً بتقديم الدعم العسكري للجنرال خليفة حفتر في ليبيا، على الرغم من دعم الولايات المتحدة لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، في حين تتجاهل تشجيع الولايات المتحدة على زيادة الدعم للحكومة الجديدة في تونس.
بالإضافة إلى ذلك، سوف يجلب الانخفاض المستمر المتوقع لأسعار النفط مجموعة منفصلة من التحديات للإدارة، وسوف يقوض اعتماد الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على دول مجلس التعاون الخليجي كمصدر موثوق لتمويل الأهداف المشتركة في المنطقة وخارجها.
ليس التغير في ديناميات اقتصادات النفط في هذه المجتعات سلبياً بالكامل. ويستطيع الضغط من أجل تنويع الاقتصادات والبحث على ميزات تنافسية غير معتمِدة على النفط أن يساعد المجتمعات في المنطقة على أن تصبح أكثر شمولية، وأن تشرك سكانها بشكل أكبر في الشؤون الوطنية، وأن تشجع الابتكار والمخاطرة. ومع ذلك، ومع استمرار الكلف المتوقعة لعمليات الإنعاش وإعادة الإعمار في عراق وسورية ويمن ما بعد الصراع في الارتفاع، سوف تجد الولايات المتحدة في دول مجلس التعاون الخليجي شركاء أكثر تردداً إزاء تحمل الالتزامات المالية الهائلة التي سوف تترتب على هذه المشاريع.
على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتأثر كثيراً باضطرابات الربيع العربي (ما عدا البحرين)، فإنها تواجه الكثير من الضغوط نفسها القادمة من عدد متزايد من السكان الذين يطالبون بالتغيير، وهو ما حفز الاضطرابات السياسية سابقاً في مصر وتونس وليبيا واليمن. ويمكن أن تقوم معالجة هذه المطالب بشكل استباقي، وخلق أنظمة سياسية واقتصادية أكثر انفتاحاً، بالتخفيف من هذا الضغط، لكن ذلك سيولِّدُ على الأرجح تركيزاً أكثر نظراً إلى الداخل على الاهتمامات المحلية.
إعادة بناء الثقة
في ضوء هذه التحديات أمام العلاقات الأميركية-الخليجية خلال السنوات القليلة المقبلة، من الضروري أن تضع الإدارة الجديدة في واشنطن مسألة استعادة الثقة المتبادلة مع شركائها في دول مجلس التعاون الخليجي بين أعلى أولوياتها في الأشهر الأولى من توليها المنصب. وكانت مبادرة الرئيس أوباما لترتيب اجتماعيّ قمة سنويَّين مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي -واحد في المنطقة وآخر في الولايات المتحدة- قد قوبلت بشكل حسن من قادة دول المجلس ويجب أن تستمر. وسوف يكون من شأن زيارة يقوم بها الرئيس الجديد لمنطقة الخليج، والتي يفضل أن تكون قبل رمضان 2017 (بين أواخر أيار/ مايو وأواخر حزيران/ يونيو)، أن ترسل إشارة إيجابية بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالمنطقة.
لن يكون أي من عناصر السياسة الأميركية أكثر أهمية لدول مجلس التعاون الخليجي من تحديد كيف تنوي الإدارة الجديدة مقاربة مسألة إيران في حقبة ما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة. وبينما يتفق معظم المراقبين تقريباً على أن على الولايات المتحدة “طمأنة” دول الخليج إلى التزامها المستمر بأمنها في وجه التحركات العدوانية الإيرانية، فإن انخفاض مصداقية الضمانات الأميركية في السنوات الأخيرة يعني أن التعهدات الشفوية لن تكون كافية. وبدلاً من ذلك، ينبغي على واشنطن، كخطوة أولى، أن تقوم بتعزيز عملية تشاورية مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي لتطوير العناصر الرئيسية لنهج مشترك تجاه إيران، والذي يفضل أن يكون مصحوباً بتوصيات محددة يلتزم بتنفيذها كلا الجانبين. ويمكن القول إن سياسة تنتج إيراناً منخرطة بشكل بناء أكثر وتكون أكثر اندماجاً مع المجتمع الدولي الأوسع ستكون مفيدة للجميع، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. لكن السياسة اللازمة لتحقيق هذه الغاية لا يمكن أن تنجح إذا نُظر إليها في دول المنطقة على أنها تأتي على حسابها، أو كلعبة محصلتها صفر، وحيث سيعني نجاح السياسة فقدانها أمنها.
تشكل الحرب الأهلية في اليمن نقطة ساخنة للمواجهة السعودية-الإيرانية اليوم، والتي تجتذب الدعم العسكري من السعودية وحلفائها للحكومة الشرعية، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، بينما تستدعي الدعم العسكري الإيراني أيضاً بالنيابة عن الثوار الحوثيين وحلفائهم. وقد أصبحت السياسة الأميركية ذات المسارين، القائمة على الدعم الهادئ للتحالف الذي تقوده السعودية في الوقت نفسه الذي تدعم فيه جهد الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للصراع، أصبحت هذه السياسة تحت ضغط متواصل بينما يتواصل الصراع، وترتفع الخسائر في صفوف المدنيين، ومع ابتلاء الحملة العسكرية السعودية بالفشل المأساوي وانعدام الكفاءة. وعلى الرغم من هذه الضغوط، فإن حساسية المخاوف الأمنية المشروعة للسعودية هي أمر أساسي. ويجب على الولايات المتحدة أن تعترف بأن وجود موطئ قدم إيراني في جنوب شبه الجزيرة العربية على حدود السعودية هو “خط أحمر” لا يمكن توقع أن يقبل به السعوديون. وليس احترام المصالح السعودية، في حين يتم تأكيد دعم جهود الأمم المتحدة لحل الحرب الأهلية، أمرين متعارضين. وفي الحقيقة، ربما يسهم موقف أميركي محدد بوضوح وداعم للسعوديين في خلق مواقف أكثر واقعية من جهة الأطراف المعنية على مائدة المفاوضات، ويعزز موقف المبعوث الخاص للأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
عملت التأخيرات المفرطة في اتخاذ الإدارة الأميركية للقرارات الخاصة بالمبيعات المقترحة للمعدات العسكرية إلى المنطقة أيضاً على تعزيز الشكوك حول التزامات الولايات المتحدة بأمن المنطقة. وعلى الإدارة الجديدة أن تتخذ خطوات لإعادة الاتساق والشفافية إلى التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ومبيعات الأسلحة. وتحتاج الولايات المتحدة إلى الموافقة على كل طلب لشراء معدات عسكرية متقدمة يقدمه الشركاء في مجلس التعاون الخليجي. لكن مجموعات العمل الأمنية التي تأسست في اجتماعات القمة تستطيع أن تعمل كإطار لوضع معايير وأولويات هذه المبيعات. ويجب اتخاذ القرارات في الوقت المناسب وإبلاغها للحكومات والكونغرس.
كما ذُكر أعلاه، فإن التقشف في ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي كافة سوف يفرض تخصيصاً حذِراً للموارد، مع إعطاء أولوية لمعالجة المتطلبات المحلية. وقد اتخذت السعودية مسبقاً خطوات لتخفيض الإعانات وللانخراط في تدابير تقشف أخرى، وتحذو الحكومات الأخرى في المنطقة حذوها. وسوف تؤثر هذه الحقبة من التقشف في الإنفاق على المساعدات الخارجية أيضاً. ففي الماضي، كان صناع السياسة الأميركيون عشوائيين في طلباتهم من شركائهم الخليجيين دفع فاتورة مختلف المبادرات، التي تكون في كثير من الأحيان ذات أهمية قليلة -أو بلا أي أهمية- بالنسبة لدول الخليج نفسها. وفي ضوء الظروف المتغيرة في المنطقة، على الإدارة الجديدة ممارسة سيطرة وإشراف أكبر على طلبات التمويل المقدمة لدول مجلس التعاون الخليجي، بحيث تمنح الأولوية للطلبات التي تدعم برامج إعادة الإعمار والتنمية والشؤون الإنسانية في المنطقة.
فرص جديدة
أخيراً، كانت علاقات الولايات المتحدة مع شركائها في المنطقة قد تركزت تقليدياً بشكل عام على قطاعين: الطاقة والأمن. وفي حين أن الشراكة بين الولايات المتحدة ودول الخليج خدمت كلا الطرفين بشكل جيد لسنوات عديدة، أصبح من الواضح الآن أن التغييرات المهمة في هذين القطاعين تصبح عبئاً على العلاقات الأوسع. وعلى الإدارة الجديدة أن تحدد مناطق إضافية للتعاون الممكن، والتي يمكن أن توسع وتعمق العلاقات السياسية والاقتصادية بين واشنطن ودول الخليج، وأن تضع هذه العلاقات الحيوية على أسس أكثر استدامة على المدى الطويل. وسوف يفتح التنويع الاقتصادي في المنطقة فرصاً جديدة لعلاقات مثمرة بين الولايات المتحدة والقطاعات الخاصة في الخليج، وينبغي تشجيع ذلك. ويشكل تغير المناخ مجالاً آخر للتعاون الممكن؛ حيث سيكون للجهود العالمية لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك اتفاق القضاء على المركَّبات الكربونية الناتجة عن أجهزة تكييف الهواء وأجهزة التبريد، تأثير كبير على دول الخليج. ويمكن أن يلعب العلماء والباحثون الأميركيون دوراً رئيسياً في المساعدة على تطوير عمليات جديدة تساعد على التخفيف من التأثير.
كان وجود علاقة قوية بين الولايات المتحدة ودول الخليج دعامة أساسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط ومساهماً رئيسياً في الاستقرار الإقليمي لعقود طويلة. ومع استمرار المنطقة في اختبار الاضطرابات، فإن العلاقات المستمرة بين هؤلاء الشركاء منذ وقت طويل أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. لكن الاختلافات في وجهات النظر وحالات سوء الفهم أسهمت في إضعاف هذه العلاقات في السنوات الأخيرة. وسوف تكون جهودٌ مبكرة وجسورة تبذلها الإدارة الأميركية الجديدة لإعادة العلاقات مع دول الخليج إلى وضعها الصحيح عنصراً حاسماً في تكوين سياسة شرق أوسطية ناجحة.
جيرالد م. فايرستاين
صحيفة الغد