عززت التعيينات التي أعلنها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في إدارته المنتظرة، التوقعات بتبنيه موقفاً متشدداً من إيران، كان أعرب عنه خلال الحملة الانتخابية، خصوصاً حين وعد لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية «ايباك» في آذار (مارس) الماضي، بجعل «تفكيك» الاتفاق النووي مع طهران «الأولوية الأولى» لرئاسته.
تاريخ مرشح ترامب لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية «سي اي ايه» مايك بومبيو حافل بما يدعم هذه التوقعات. فهو كان أحد أبرز معارضي الاتفاق النووي داخل مجلس النواب الذي ترأس فيه لجنة الاستخبارات، وهو قدم مشاريع قوانين عدة لتشديد العقوبات على إيران قبل الاتفاق وبعده. كما أنه عبر قبل ساعات من إعلان اختياره للمنصب أول من أمس عن تطلعه إلى «التراجع عن الاتفاق الكارثي مع أكبر راعٍ للإرهاب في العالم».
الأمر نفسه ينسحب على مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي الجنرال المتقاعد مايكل فلين الذي عارض الاتفاق النووي بشدة، وأفرد القسم الأكبر من شهادة له أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس النواب الأميركي العام الماضي، لمهاجمة إيران التي اعتبرها «خطراً واضحاً على المنطقة والعالم». ودعا إلى تغيير نظامها ودعم «تشكيل جيش عربي على غرار حلف شمال الأطلسي» لمواجهتها.
وإذا صحت التكهنات التي تسوقها وسائل الإعلام الأميركية بأن وزير الخارجية الجديد المتوقع إعلان اسمه خلال أيام سيكون إما عمدة نيويورك السابق رودي جولياني أو السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، فسيصبح المثلث المعني بالتعامل مع إيران في الإدارة الجديدة على الموجة نفسها من التشدد في مواجهتها، خصوصاً أن جولياني وبولتون عارضا الاتفاق النووي.
لكن هذا الزخم الذي اكتسبته معارضة الاتفاق النووي في الإدارة الجديدة لن يفضي بالضرورة إلى إلغائه، إذ كان لافتاً تنازل بعض أبرز معارضي الاتفاق الجمهوريين عن هذا الهدف قبل أيام واقتراحهم الإبقاء على الاتفاق مع التشدد في تطبيقه، كما دعا رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر الذي كان أحد الأسماء المطروحة لتولي وزارة الخارجية في إدارة ترامب. وهو اعتبر أن أميركا «فقدت نفوذها» حين أفرجت لإيران عن بلايين الدولارات بعد الاتفاق، ما يعني أن إلغاء الاتفاق «في مصلحة طهران».
غير أن الانعطافة اللافتة في ما يخص الاتفاق جاءت من إسرائيل التي كرر ترامب وبومبيو وفلين مراراً أن أمنها أحد أهم دوافع موقفهم الرافض له. فوفق ما نقلته وكالة «بلومبرغ» عن مسؤولين إسرائيليين، يعتزم بنيامين نتانياهو الطلب من ترامب في لقائهما الأول عدم إلغاء الاتفاق، والحزم في المقابل في مواجهة إيران ومحاصرة تمدد نفوذها الإقليمي، عبر التوسع في العقوبات غير المرتبطة بالنشاط النووي.
الدول الخمس الأخرى المنضوية في الاتفاق ليست متحمسة لإلغائه أيضاً. فالأطراف الأوروبية بدأت جني المكاسب الاقتصادية من الاتفاق النووي مع دخولها السوق الإيرانية، لا سيما فرنسا التي أبرمت عقوداً بليونية لتحديث أسطول الطيران الإيراني. وروسيا المنخرطة مع إيران في الحرب السورية لا تريد إضافة عامل توتر آخر إلى العلاقة. ولن ترى الصين مصلحة لها في عرقلة روابطها التجارية المتنامية مع طهران.
وفي ضوء التفاعل بين مواقف الحلفاء الدوليين لأميركا وتراجعات بعض معارضي الاتفاق الجمهوريين من جهة، والقناعات المتشددة لأركان إدارة ترامب من جهة أخرى، ربما تكون المحصلة توازناً جديداً في العلاقات الأميركية – الإيرانية يحمل الكثير من سمات ما قبل عهد باراك أوباما، لكنه قد لا يصل إلى حد إلغاء الاتفاق النووي.
محمد هاني
صحيفة الحياة اللندنية