بسم الله الرحمن الرحيم
“يلدريم” في بغداد امر ايجابي، لحلول عراقية واقليمية
كثرة زيارة كبار مسؤولي الدول لبغداد امر ايجابي من وجوه عدة. فهو يشير لاهمية العراق اقليمياً ودوليا. ويعطي الاطمئنان ان للعراق –رغم ظروفه الصعبة- زخم كبير بذاته، لتاريخه وموقعه وثرواته وتعددياته وتوازناته الاقليمية، مما يخدم العراق ان احسن استثماره، وسيرتد عليه، ان سار بالضد منه.
شدد البيان الختامي للزيارة التوصل الى اتفاق حول نية انسحاب القوات التركية من “بعشيقة”، والتعاون في محاربة الارهاب، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، ومنع استخدام اراضي اي من البلدين للاعتداء على البلد الاخر، وتفاهم حول مياه الرافدين والنفط، وهذه امور ستساعد البلدين، خصوصاً وان تركيا هي الاولى بصادراتها للعراق، بقيمة (١٠) مليار دولار (٢٠١٥).
زيارة رئيس الوزراء التركي نقلة ايجابية نوعية جديدة في تطورات المواقف التركية من “داعش” و”النصرة”.. باعتبار ان محاربتهما هي المهمة الاولى التي تتراجع امامها المهام الاخرى. فتراجع الخلاف مع روسيا وايران، وتغيرت السياسة من تصادم وتراشق الى تعاون باتجاهات عدة، ومنها الملف السوري، الذي فتح مسارات اكثر ايجابية وتفاؤلاً داخلياً واقليمياً ودولياً، رغم التعقيدات السابقة والصعوبات المتبقية. فقد تعطلت اجتماعات جنيف بين اطراف النظام والمعارضة، ولم تنجح المحاولات السابقة –رغم كثرتها- لفتح نافذة ولو صغيرة لمسارات السلام، وكسر نسبة ولو ضئيلة لديناميكيات الحرب.. مما يبين انه لاحلال السلام لا تكفي مصافحة الايدي والمجاملات السياسية، بل لابد من حسم الامر على الارض، واتخاذ موقف سياسي وميداني لا لبس فيه يميز بين محاربة العدو الاول وهو قوى الارهاب، ولا يخلط بينه عسكرياً وسياسياً وبين حل الخلافات بين القوى المعادية للارهاب سواء اكانت في المعارضة او النظام. وبدون هذا الحسم سيدفع الجميع داخل سوريا وخارجها الثمن، ومهما كان الموقع الذي هو فيه، او الموقف الذي يتبناه.
حسناً فعلت الحكومة العراقية، وخصوصاً السيد رئيس الوزراء ووزير الخارجية وكثير من القوى، في معالجة قضية معسكر “بعشيقة”، وتنبهت لمخاطر التصعيد. فتبنت سياسة تشدد على سيادة العراق واهمية عدم تواجد اية قوات خارجية دون موافقة الحكومة، واللجوء للقنوات الدبلوماسية والجامعة العربية والامم المتحدة لتسوية المشكلة. فالزيارة تبشر بنجاح السياسات الدؤوبة الصبورة التي لا تنساق وراء انفعالات اللحظة، وهو امر يجب ان يمارس بمسؤولية مع دول الخليج. وهذا مهم لحل الملف اليمني والبحريني والسوري واللبناني وغيرها، ولتحسين الاجواء الاقليمية، خصوصاً في المساعدة على احداث تقارب سعودي/ايراني لتغيير كامل مناخات المنطقة. والانتقال من مسارات التخاصم والحرب وصرف الاموال والجهود في غير وجهتها، الى مسارات السلام والتعاون الاقتصادي والثقافي والشعبي بما يساعد على نهضة وتقدم الجميع، ومواجهة التحديات العالمية التي جعلت من المنطقة مصنعاً رهيباً لانتاج الارهاب والحروب والدمار والصراعات والهجرات والتدخلات الاجنبية.
قلنا في البداية ان العراق يمتلك زخماً كبيراً، إن احسن استثماره. فتحسن العلاقات الاقليمية مع تركيا ودول الخليج، واستثمار علاقاته الجيدة مع ايران وبقية الدول العربية، لن يساهم في تحسن الاوضاع الاقليمية فقط، بل هو جزء رئيس من المعادلة الداخلية العراقية. بدونها لن يشهد العراق سلماً او حسماً في معركته ضد الارهاب.. كما لن يشهد العراق تحسناً اقتصادياً وخدمياً. فبدون ادراك العرب والكرد والفرس والترك لاهمية المحورين الايراني والتركي، ولاهمية حسن العلاقات بالدول العربية، فاننا سنجدد معارك قديمة، او نخترع معارك جديدة لن يستفيد منها سوى الاجنبي. فالمنطقة التي بقيت في مقدمة مناطق العالم منذ فجر الحضارات، ولم تتراجع سوى في القرون الاخيرة، تمتلك مقومات استعادة دورها التاريخي.. والعراق الذي كان يعتبر قلب العالم لقرون طويلة، يمتلك مقومات استعادة مكانته. ويخطىء من يعتقد ان العراق يمكنه ان يتقدم ان لم يجد امتداداته وفضاءاته الاقليمية. فتجزأة المنطقة ستعني بالضرورة تجزأة وضعف العراق.. ووحدة المنطقة ستعني بالضرورة وحدة وقوة العراق. وعيب علينا جميعاً ان نرى الصين وهي تفتح خط سكة حديد تربطها بلندن، بينما لا نجد نحن طريقاً سوى تقطيع اوصالنا وتبادل الصواريخ وتوتر العلاقات واغلاق الحدود والمصالح بوجه بعضنا البعض.
عادل عبد المهدي