الرباط – يثير الحديث عن ارتباط محتمل بين جماعة العدل والإحسان المغربية بجماعة “خدمة” التركية، الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية بالمغرب. ويأتي هذا النقاش في ظلّ حرب بلا هوادة تقودها السلطات التركية ضد أنصار فتح الله غولن داخل تركيا وخارجها منذ اتهامه بقيادة المحاولة الانقلابية في يوليو 2016.
واستجابت السلطات المغربية لدعوات الرئيس التركي لعدد من بلدان العالم بإغلاق بالمؤسسات التي تتبع غولن ومعظمها تنشط في ميدان التعليم.
وقررت وزارة الداخلية المغربية، في 5 يناير الماضي، إغلاق جميع المؤسسات التعليمية التابعة لجماعة فتح الله غولن، مبينةً أن عملية الإغلاق ستتم “خلال أجل أقصاه شهر واحد” من يوم صدور القرار.
وذكر البيان أنه “إثر التحريات التي قامت بها الجهات المختصة بشأن المؤسسات التعليمية التابعة للمجموعة، تبين أنها تجعل من الحقل التعليمي والتربوي مجالا خصبا للترويج لأيديولوجية الجماعة ومؤسسها، ونشر نمط من الأفكار يتنافى مع مقومات المنظومة التربوية والدينية المغربية”.
وأضافت الداخلية أن “قرار الإغلاق جاء بعد تسجيل عدم استجابة مسؤولي المدارس المذكورة، لتنبيهات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، بصفتها قطاعًا وصيًا على المجال التعليمي، من أجل تصحيح الانتهاكات المسجلة، والتلاؤم مع المقتضيات القانونية والمناهج التعليمية المعمول بها”.
من جانبها، أكدت وزارة التربية، أنها ستعمل على إعادة توزيع التلاميذ على مؤسسات تعليمية أخرى يتابعون دراستهم فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار “مصلحة التلاميذ وأولياء أمورهم”.
وانطلقت مدارس “محمد الفاتح” في المغرب منذ 1993 بمدينة طنجة، قبل أن تتوسع في المدن المغربية الأخرى، ليصبح لها 8 فروع، في مدن الدار البيضاء وطنجة وفاس وتطوان والجديدة.
ويرى مراقبون أن تحرك الداخلية المغربية يأتي بناء على معلومات ومعطيات تؤكد محاولة جماعة غولن التغلغل في النسيج الثقافي والتربوي للمملكة تمهيدا لنشر مبادئ من الممكن أن تؤثر على خصوصية الدولة في المجال الديني والسياسي، وذلك باستدراج جماعات تشتغل في نفس المجال كالعدل والإحسان.
ورغم أن جماعة العدل والإحسان المحظورة بالمغرب تنفي أيّ علاقة تربطها بجماعة “خدمة” المحظورة في تركيا، فإن مراقبين يرون أن عددا من السمات المشتركة تربط بين الجماعتين المغربية والتركية ، وهو ما ينفيه محمد حمداوي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ومسؤول مكتب علاقاتها الخارجية، قائلا “إن ما أثارته بعض وسائل الإعلام المغربية عن علاقة جماعة العدل والإحسان بمدارس محمد الفاتح لصاحبها فتح الله غولن خبر باطل وعار من كل صحة”.
رغم أن جماعة العدل والإحسان المغربية تنفي وجود أي علاقة تربطها بـ”خدمة” المصنفة إرهابيا في تركيا، فإن مراقبين يرون أن عددا من السمات المشتركة تربط بين الجماعتين
ومن استراتجيات جماعة “خدمة” محاولة التغلغل في مؤسسات الدولة والترقي في المناصب المهمة، وهذا ما تخشاه السلطات المغربية التي تتحرى ألا يكون لجماعة العدل والإحسان أيّ امتداد داخل المؤسسات الحساسة كالجيش والأمن رغم أن المنتمين للجماعة يتواجدون بقوة في قطاع التعليم.
وفي هذا السياق يؤكد حمداوي أن “العدل والإحسان جماعة مغربية سلمية مستقلة في عملها وتوجهاتها ومواقفها وقراراتها عن الداخل والخارج”.
ويبدو أن النظام التركي ينظر بعين الريبة أيضا للعدل والإحسان المغربية ويتوجس من تقاربها المحتمل مع “خدمة”، حيث لم تسمح سلطات مطار إسطنبول لعضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان عمر أمكاسو، في 3 فبراير الجاري، من دخول البلاد ، دون أن تقدم أيّ تفسير أو توضيح للمنع بحسب أمكاسو.
ويعد هذا المنع الثاني من نوعه بعد رفض السلطات التركية قبول فتح الله أرسلان الرجل الثاني في الجماعة من دخول أراضيها في يناير 2016.
وفي بيان لمكتب العلاقات الخارجية لجماعة العدل والإحسان قال إن السلطات التركية منعت في يناير 2016، دخول فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة ونائب أمينها العام من دخول أراضيها لـما اعتبره أسبابا غامضة.
ويبدو أن الحكومة التركية تنظر بعين الريبة لأيّ تحرك من طرف أعضاء جماعة العدل والإحسان حتى وإن كان تحت بند تأطير فكري أو خيري، وهذا ما جعل السلطات التركية تمنع ندوة فكرية كانت تنظمها مؤسسة عبدالسلام ياسين. حيث تم إيقاف ندوة فكرية كانت تعقدها مؤسسة عبدالسلام ياسين بمدينة إسطنبول، ساعات بعد انطلاقتها دون أن تذكر أسباب الحظر.
وتأسست مؤسسة عبدالسلام ياسين، في مدينة إسطنبول عام 2014، كمؤسسة علمية عالمية لجمع الدراسات في المنهاج النبوي، وتهدف إلى المساهمة في البحث العلمي، وإنشاء المراكز الثقافية.
ويرجع مراقبون حذر السلطات التركية إلى تقارب فكر الجماعتين وخصوصا في مجال التقية، ولا تخفي جماعة فتح الله غولن هذه الميزة حتى لا يتم اكتشاف أعضائها داخل مؤسسات الدولة التركية تمهيدا للتمكين السياسي.
وحسب خبراء في الاستراتيجيات الأمنية، فإن التوجه العام للسلطات المغربية هو العمل الاستباقي لإغلاق أيّ منفذ قد يصبح منصة مستقلة لجماعة العدل والإحسان لمخاطبة الجالية المسلمة بالخارج واستقطابها.
وتشير تقارير أمنية إلى أن التعاون بين جماعتي “خدمة” التركية والعدل والإحسان المغربية لم يرق إلى درجات متطورة، إلا أن خبراء أمنيين يحذرون من أيّ تقارب ممكن رغم أن الجماعتين مرتبطتان بفكر وتراث منظري ومرشدي الجماعتين غولن وياسين، إلا أن المجالات الاجتماعية والتربوية قد تشكل مدخلا لترابط غير مرغوب محليا ودوليا.
وترفض الجماعة اتهامات تشير إلى تعاون وثيق مع جماعة غولن، حيث يؤكد القيادي في الجماعة محمد حمداوي، أن “ما تم الترويج له هو لتصفية حسابات سياسية مع جماعة العدل والإحسان باعتبارها معارضة وطنية سلمية علنية وواضحة كل الوضوح مطلبها الأساسي في بلدها هو صون هوية بلدها والعدل والحرية والكرامة كما تعيشها الدول الديمقراطية”.
وفي هذا الصدد يقول مراقبون إن رفض الجماعة الاندماج في العملية السياسية وموقفها المتصلّب من النظام المغربي يجعلها محط شبهة إلى أن تثبت العكس وتندمج مع القواعد والمقومات المشكلة للدولة المغربية.
العرب اللندنية