هدى النعيمي
بعد قيام الثورة في إيران عام 1979 اتجهت طهران لمد نفوذها في الخليج العربي، عن طريق ما سُمي بمحاولات “تصدير الثورة”، التي اسهمت إلى حد كبير في تحفيز عوامل عدم الاستقرار في بعض البلاد ذات الأغلبية السكانية الشيعية كما في البحرين، الأمر الذي ساهم في ترسيخ المخاوف الخليجية، التي زادها إعلان الخميني أن الإسلام لا يتفق مع النظام الملكي.
ومن بين التهديدات الايرانية لدول الخليج العربي، قدرة طهران على النفاذ إلى داخل مجتمعات هذه الدول وتقويض استقرارها، والعمل على استبدال نظمها وتعيين اخرى جديدة حليفة لها، ووصولاً لهذا الهدف تتنوع الاساليب وتتعدد المقاربات؛ منها أعمال التجسس، وتجنيد العملاء، وكذلك العمل إنشاء نواة لتنظيمات مسلحة، وتدريب من تجندهم في معسكرات “حزب اللة” اللبناني، او من قبل الحرس الثوري الايراني، واستخدام الادوات الاعلامية والثقافية.
وبحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، اضحى لـ “حزب الله” عدة فروع نشطة تعمل في مختلف دول الخليج العربي، ووفقاً لـ”وكالة المخابرات المركزية”، فان هذه الفروع تستلهم أفكارها من عناصر في الحكومة الايرانية، وتحصل منها على دعمها وتخضع لتوجيهاتها.
ولاشك فان طهران تريد تحويل الخصومات السياسية الى معسكرات وخنادق، تستند فيه على صراع الهويات والطوائف، ولهذا يعمد النظام الإيراني إلى إذكاء الحس الطائفي في المنطقة، وبناء التحالفات على هذا الأساس، وعدم التواني عن استغلال الجماعات المتشددة السنية ومنها تنظيم القاعدة، من خلال دعمها في الخفاء، ودفعها اتجاه معارضة النظم القائمة في مجتمعاتها، عبر عمليات ارهابية، ثم شيطنتها والدعوة الى استئصالها.
وجهة نظر ايرانية ..الخليج العربي جاذباً للتدخلات
تعد منطقة الخليج العربي منصة استراتيجية مهمةلإيران،عملياً، وتضم كلاً من دول مجلس التعاون الخليجي الستة (البحرين والكويت والإمارات وعمان وقطر والسعودية) بالإضافة إلى إيران والعراق. ولعل التطورات السياسية التي عرفتها هذه المنطقة، بدءاً من الثورة الإيرانية عام 1979، مروراً بالحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثماني سنوات، إلى غزو الكويت عام 1990، ووصولاً إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كل هذه الأحداث الهامة زادت من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، وأوجدت المبررات لتوصيف المنطقة “بالمشتعلة” وانتقال تنافس الدول الكبرى من استثمار النفط واكتشافه إلى التفكير في كيفية تأمين مصادره وتدفقه إلى الأسواق العالمية. إذا أضفنا إلى ما تقدم من اضطرابات ما يعانيه العراق من أزمات وعدم استقرار سياسي داخلي، والجدل الدائر حول البرنامج النووي الإيراني واحتمالات المواجهة المتصاعدة، وانضمامه إلى ما يسمى بقوس الأزمات العالمي من أفغانستان إلى العراق ولبنان وفلسطين.
كما تبرز الاحتياطات النفطية في منطقة الخليج العربي لتؤهلها مركزا مهما لتلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط، ولاسيما احتياجات الدول الآسيوية. إذ تضم منطقة الخليج العربي ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم، و يُنتج أكثر من ربع إجمالي الإنتاج العالمي من النفط ويخزّن ثلث إجمالي الاستهلاك العالمي تقريباً. وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد من 84 مليون برميل يومياً في عام 2005 إلى 116 مليون برميل يومياً في عام 2030، وستبلغ حصة الخليج العربي من إنتاج النفط ما يزيد على 33 ٪ من إجمالي الاستهلاك العالمي بحلول عام 2020. ولا يمكن بحال التغاضي في هذا السياق عن أهمية (الغاز) في الوقت الراهن، مما يعزز من هيمنة الخليج العربي على أسواق الطاقة، فكل من إيران وقطر تملكان اثنين من أكبر ثلاثة احتياطيات للغاز.
ومن وجهة نظر استراتيجية فان المنطقة تحفل بالكثير من اسباب عدم الاستقرار وعوامل الصراع؛ ومنها اختلال ميزان القوى بين دولها الثمانية، سواء من حيث الحجم الجغرافي، او التوزيع السكاني، وحيازة الثروات النفطية وغير النفطية. وتتضمن المنطقة ثلاث كتل جغرافية، وبشرية، واقتصادية رئيسية، هي: إيران، والعراق، ودول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وعُمان، والبحرين، والكويت، وقطر)، والكتلة الأخيرة يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي تريليون دولار سنويا.
وتتحكم العوامل التاريخية بعلاقة إيران ودول جوارها العربية، والتي من أبرزها الادعاءات الايرانية بتبعية جزر البحرين، واحتلال جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى الاماراتية عام 1971 . كما تعد منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم تعدداَ على المستويات القبلية، والمناطقية، والإثنية، ومن حيث تعدد جنسيات الوافدين بها، وتستأثر المنطقة بنحو 65٪ من إجمالي الاحتياطيات النفطية المؤكدة في العالم، وهو ما يؤهلها لأن تكون محط أطماع القوى الدولية والإقليمية. وتتوزع دول الخليج بين دول نفطية ثرية تتمتع بفائض اقتصادي مع نقص سكاني، تضطر معه لاستضافة العمالة الوافدة، التي فاقت في بعضها عدد المواطنين بكثير، ودول نفطية لديها وفرة سكانية، لكنها بددت جزءا من ثرواتها في المغامرات العسكرية التي تركتها في مواجهة مشكلات اقتصادية حادة، مثل إيران والعراق.
الشرق الأوسط برؤية إيرانية
لقد تبنت إيران ومنذ عام 1979 مبدأ “تصدير الثورة” إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي، والعمل على ادامة التواصل مع الأقليات الشيعية في الخليج والجزيرة عموماً،
ويتجه المسعى الإيراني إلى استعادة المركز الثوري في العالم الإسلامي، واعتماد استراتيجية التقسيم لضمان حقوق الأقليات في الشرق الأوسط؛ لما ستؤمّنه للمجتمعات الشيعية في المنطقة من استقلالية وتأثير، وستكون الخريطة الجديدة بدويلاتها الشيعية في العراق وشرق السعودية، جنوباً الى شمال اليمن، وغرباً باتجاه لبنان، والامتداد شمالاً في أذربيجان وشرقاً باتجاه أفغانستان، رصيداً مضافاً يتعزز بالرادع النووي، الذي سيجعلها بمنأى عن مشروع التفكيك.
ولاشك فان انهيار العراق كقوة إقليمية جعل إيران أكثر اطمئناناً حيال جنبها الغربي، بل ان شكل التحالفات والسياسات تغير بالكامل بعد الانسحاب الامريكي منه، لتكون سياسة البلاد مراعية للمصالح والشواغل الإيرانية القومية والإقليمية. وهو ما أشار إليه فالي نصر، مؤلف كتاب “انبعاث الشيعة” في مقال نشرته صحيفة الحياة في 9/1/2008، بقوله “… أصبح الشرق الأوسط القديم، الذي كانت تعتمد فيه الولايات المتحدة على الأنظمة العربية المعتدلة والصديقة في إدارة النزاعات وممارسة التأثير، منطقة تمسك بمعظم أوراقها القوى غير الصديقة، منطقة تتعرض فيها المصالح الأمريكية لتهديدات متمثلة في شبح اندلاع نزاع صعب”.
ولهذا فالشرق الأوسط الذي سيظهر من بوتقة الحرب في العراق قد لا يكون أكثر ديموقراطية، لكنه بالتأكيد سيكون أكثر تشيعاً. يمكن القول هنا إن صعود الشيعة العراقيين إلى السلطة قد أعاد وأحيا الأمل والعزم لدى الشيعة، بامكانية تولي الحكم في كل أنحاء المنطقة، وهو ما أثار قلق السنّة، لنشهد اليوم حربا طائفية اوقعت في المنطقة دماراً وتقسيماً.
لقد أفلحت السياسة الخارجية الإيرانية في جعل الجوار الإقليمي تحت وطأة ضغوطها السياسية والإعلامية والعسكرية والاستراتيجية، ومن جهة أخرى فإن حالة الإرهاب التي تعيشها المنطقة هي وليدة تدخلات اقليمية تقف على رأسها التدخلات الايرانية والاقليمية الاخرى والدولية، سواء عملياً كما هو حاصل في العراق وسوريا ولبنان، او إثارة الفتن والشحن الطائفي في حال تزايد الضغوط عليها دولياً واقليميا، كما هو حاصل في اليمن والبحرين، اذ تتحرك القوى الموالية لها كلما اضطرت السياسة الايرانية ضعفاً الى تقديم تنازلت، ليصار الى فتح ثغرة اخرى تشغل بها دول المنطقة.
ويمكن الوقوف على مجموعة من المتغيرات التي تدفع إيران إلى الاهتمام بتشكيل بيئة موالية لها في جوارها الاقليمي، من خلال الآتي:
- تعد العلاقات المشدودة والمتوترة بالجانب الأمريكي سبباً في حالة الاستنفار الدائم، وترسيخ عدم الثقة بين الطرفين، يكمل ما تقدم جوار يفرز الأزمات والمشاكل ودول لم تعرف الاستقرار السياسي، من بينها العراق وأفغانستان وأرمينيا وأذربيجان، وأغلبها يرتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- تنظر إيران إلى القدرات التسليحية الإسرائيلية بريبة وخوف، وتعتبرها موجهة أساساً ضدها، في ظل غياب أي احتمال للمواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وأي دولة عربية، وبعبارة أخرى فإن إسرائيل تشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني، مما يدعو إلى التعامل بجدية مع التهديدات الإسرائيلية.
- تسعى إيران إلى إحياء دورها الإقليمي في المنطقة، واستبدال الرؤية الغربية القائلة بعدم قدرة العامل الإقليمي على حل مشكلاته وأزماته دون الاعتماد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على العامل الدولي، وأنه ليس بالإمكان التأثير في معادلة الصراع لأن الأرقام الصعبة بيد القوى الكبرى.
ومن هنا فان المواقف الإيرانية السلبية حيال الأمن والاستقرار في العراق، أثّرت بلا شك في استقرار منطقة الخليج العربي، ثم إلى ما كان في غزة والتحالف مع حماس، اضف الى ذلك فضاء الخليج ومياهه، مرتبطاً به قضية الجزر الإماراتية المحتلة، والموقع الاستراتيجي الذي يتيح لها التحكم بأهم المضايق البحرية وطرق النقل العالمية، وما تردده إيران من تهديدات بإغلاق مضيق هرمز رداً على هجمات أمريكية وإسرائيلية محتملة، كما أن إيران تعول على تأثيراتها في السوق العالمية النفطية، فهي تملك 12% من احتاطي النفطي العالمي المؤكد، مما يجعلها رقماً مهماً في المعادلة النفطية إنتاجا وتسويقاً.
وفي هذا السياق فإن البراعة الإيرانية في إيجاد خلق النزعات الطائفية، إنما تتأجج تلقائياً عند فشل الدولة المركزية، وهي ليست إلا هويات مصطنعة جرى إعدادها لإغراض مصلحيه تتحكم بها أطراف مؤثرة، ليصار إلى مسك الأحداث والتلاعب فيها وتسيير السياسات حسب المصلحة الإيرانية. تؤكده نظرية “ام القرى” التي تحدث عنها د. محمد جواد لاريجاني في كتابه (مقولات في الإستراتيجية الوطنية)، وتفيد بان دول العالم العربي سيكون بمثابة مقاطعات تتبع “الولي الفقيه” في طهران بالسمع والطاعة والانقياد، لأن إيران هي الدولة الوحيدة الجديرة بزعامة العالم الإسلامي؛ كونها تمثل النظام الإسلامي الصحيح، ومكلفة شرعياً “لإنقاذ العالم السني وإخراجه من الظلمات إلى النور”.
وفي إطار ذلك يجب ألا تعترف إيران بالحدود الجغرافية والأيديولوجية؛ لأنها حدود مصطنعة ينبغي ازلتها بالقوة أو دعم العنف داخل الدول العربية؛ وصولاً لبناء الإمبراطورية الشيعية الإيرانية الموعودة لتكون النواه “لدولة المهدي المنتظر، والذي سوف ينقذ العالم”. ومن هنا
تغلغل عمليات التبشير الشيعي في بلدان إسلامية سنية وإثارة الفوضى فيها وما يرافقها من عمليات تمدد وانتشار سياسي وأمني وعسكري واقتصادي، في العالمين العربي والإسلامي، إنما هو انتقال عملي لتطبيق هذه النظرية، والذي لن يتحقق إلا إذا بسطت إيران سيطرتها على دائرة مجالها الحيوي، الذي يشمل -إلى جانب منطقة الخليج- مناطق الشيعة في باكستان وأفغانستان، وفي بلدان آسيا الوسطى وحتى المغرب غربًا، إلى جانب البحر الأحمر والقرن الإفريقي جنوبًا.ِ
السعودية والبحرين ما بين مبدأ تصدير الثورة والغزو الناعم
كما هو معروف يشكل مبدأ “تصدير الثورة”، منطلقاً حركياً واستراتيجياً، يستهدف النظم السياسية في المنطقة، بقصد إثارة الفوضى فيها، من خلال التحريض على التعصب المذهبي والكراهية والفرقة، ونشر ثقافة “ولاية الفقيه” الهادفة إلى إسقاط الأنظمة العربية وإقامة الإمبراطورية الفارسية على أنقاضها. و”إخضاع كل الدول الإسلامية لسلطة “الولي الفقيه” بكل الوسائل الممكنة، حتى وان تطلب الامر اللجوء الى القوة لنشر عقيدتها ومذهبها إلى الخارج، الذي اعتبرته متعطشاً لهذا الثورة، وعليه لا بد من قتال “حكام المسلمين المتكبرين”، الذين يحولون دون وصول هذه الثورة إلى المسلمين المستضعفين من شعوبهم.
وجاءت الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 لتشكل الحلقة الأولى في مسيرة التصدير، الأمر الذي جعل الدول الخليجية تتوجس من المشروع الإيراني، وتلجأ إلى دعم العراق في حربه ضد إيران، ومع انتهاء الحرب ثم وفاة مرشد الثورة الخميني سنة 1989، لجأت إيران إلى “الغزو الناعم” من خلال إنشاء مراكز ثقافية وطبية، وتقديم منح دراسية لطلاب من العالم الإسلامي لدراسة العلوم الدينية والعقيدة الشيعية، وتوزيع الكتب والنشرات التي تدعو إلى المذهب الإمامي، وتحاول تحسين صور إيران، وتنظم معارض للكتاب الإيراني وأسابيع ثقافية إيرانية في الخارج.
وأدى مبدأ “تصدير الثورة” هذا إلى وقوع أعمال عنف داخل الدول الخليجية فى عامي 1981 ـ 1982 واستهداف بعض المستودعات النفطية. وفى كانون الاول/ ديسمبر1983 اجتاحت الكويت موجة مروعة من الانفجارات بواسطة السيارات الملغومة، التى استهدفت مقار السفارات الأمريكية والفرنسية والمطارات ومصافى النفط، وتبين أن المتهمين ينتمى معظمهم إلى حزب الدعوة الإسلامية الموالي لإيران، كما استضافت إيران حركات معارضة سعودية وعراقية وبحرينية، ونظمت مؤتمرات سنوية لهم، وحضت على التظاهر لترويج العداء للملكية كمؤسسة.
وكانت مواسم الحج فرصة تستغلها ايران، لتوجيه ضربات مباشرة للسعودية، حيث اعترف أحمد الخمينى أن الحرس الثورى الإيرانى حاول تهريب بعض المتفجرات إلى داخل الاراضي السعودية في أثناء موسم الحج عام 1986، وفى الوقت ذاته أشير إلى تورط الحرس الثوري الايراني فى حادثة الشغب، التى وقعت فى مكة أثناء موسم الحج لعام 1987، والتي أودت بحياة مايقارب أربعمائة حاج، وأدت فى الوقت ذاته إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران .
وفي سياق غير بعيد فان طهران تعتقد ان تنظيم جند الله السُني، الذي كان يركز نشاطاته في منطقة بلوجستان الإيرانية، والذي قام بمجموعة من العمليات العسكرية ضد قوات الأمن والحرس الإيراني، يلقى دعماً من السعودية، ويبدو أن القراءة الإيرانية كانت تعتبر أن التنظيم لم ينشط بالقوة التي ظهر عليها في الفترة بين 2005-2010 لولا تلقيه مساعدة خارجية.
وتوترت العلاقات بين البلدين على خلقية الإعلان عن محاولة اغتيال السفير السعودي عادل الجبير في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام 2011، وقد أشارت التحقيقات الأمريكية إلى أيدي إيرانية وراء ذلك، ثم ما أكدته وزارة الداخلية السعودية من أن شبكة تجسس تم تفكيكها واعتقال عناصرها تضم 16 سعودياً وإيرانياً ولبنانياً، مرتبطة بشكل “مباشر بأجهزة الاستخبارات الإيرانية”.
وتدور اهداف الإستراتيجية الإيرانية، حول نقل الصراع الى داخل الساحة السعودية من خلال البحرين وتبني معارضتها وفرض الوصاية على شيعة اهل الخليج، وكذلك اثارة القلق الامني للسعودية من خلال دعم المتمردين الحوثيين في اليمن وتقوية شوكتهم وقدراتهم العسكرية، ليفرضوا نظامهم في اليمن الذي لاشك انه سيكون معاديا للسعودية.
ومن خلال البوابة البحرينية يجري ايقاع ضغوط على السعودية، فالاضطرابات التي عادت إلى الظهور في المنامة منذ شهر شباط/ فبراير 2011 ، لا تخلو من اعتبارات طائفية، إذ اتهمت الحكومة البحرينية إيران وحركة “حزب االله” اللبناني بتحريض المعارضة الشيعية. ومن ناحية اخرى فان تحقيق الغايات الايرانية في اثارة القلاقل، غالباً ما يترافق مع الموقف التفاوضي مع مجموعة 5+1، فاللجوء الى الفوضى يراد به تخفيف الضغوط على الايرانيين من خلال عملية تحويل انتباه، يراد بها المشاغلة والتشتيت ريثما تتمكن ايران من تعديل الاوضاع لصالحها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر2013، أدين أكثر من اثني عشر ناشطا في المعارضة البحرينية بالتجسس لصالح إيران، وحكم عليهم بالسجن من 5 إلى 15 سنة لصلاتهم بإيران وتحديدا بـ “القيادة العليا وأعضاء من الحرس الثوري. وقد شكّلت البحرين لجنة دولية مستقلة لتقصي حقائق ما حدث، عُرفت بـ”لجنة بسيوني” نسبة إلى رئيسها محمود شريف بسيوني، والتي أكدت أنه “لا توجد أدلة قاطعة” تثبت أن إيران لعبت دورًا في تأجيج الشارع البحريني، غير أن العاهل البحريني اعتبر أن الممارسات التي تصدر عن الإعلام الإيراني دليل على التدخل السافر التي تقوم به طهران في شؤون البحرين.
وعبّر ملك البحرين عن أسفه العميق للهجمة الإعلامية الشرسة في القنوات الإعلامية الرسمية الإيرانية، التي تحرّض أبناء البحرين على التخريب وارتكاب أعمال العنف؛ مما أسهم في إذكاء نار الطائفية، وقال: “إن ذلك يدل دلالة واضحة على تدخل سافر لا يُحتمل في شؤون البحرين الداخلية، وإن هذا التدخل أدى إلى معاناة كبيرة للشعب والوطن”، موضحًا في هذا الصدد أن “حكومة البحرين ليست في وضع يمكّنها من تقديم أدلة على الصلات بين إيران وأحداث معينة في المملكة هذا العام”.
العراق ..حلقة اسناد لايران
وبقدر تعلق الامر بالبحرين، اتجهت السياسة الخارجية العراقية في مناصرة حكومية، وشعبوية وميليشياوية، إلى دعم المعارضة البحرينية واقلاق دول المنطقة بالتهديد، نتذكر هنا موقف المؤسستين (الحكومة والبرلمان) معبرًا عن انحيازًا طائفيًا وانسجامًا مع السياسة الايرانية وتدخلاتها فى الشأن البحرينى، والذى وصل إلى حد تعليق البرلمان العراقى جلساته لمدة عشرة أيام تضامنًا مع تلك الاحداث، وذلك بعد جلسة خطابات لعدد من أعضائه أعلنت الولاء للشعب البحريني، بل أكثر من ذلك اقتراح بعضهم صرف خمسة مليون دولار لـ “الثوار البحرينيين” على حد وصفهم. فضلاً عن قيام أحزاب الائتلاف الوطني وبعض القوى السياسية بتنظيم تظاهرات طالبت بقطع العلاقات مع بعض الدول الخليجية على خلفية الموقف الخليجى القومى المساند للمملكة فى مواجهة هذه الازمة، والذى وصفه رئيس الوزراء العراقى السابق”نورى المالكى” بأنه “الاحتلال العربي للبحرين”.
كما اعتمد النظام الإيراني على شخصية عراقية دينية في البحرين، وهو حجة الإسلام هادي المدرسي، رئيس “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين”، احد الذين اججوا الاحتجاجات هناك وكان وراء المحاولة الانقلابية الإيرانية عام 1981 ضد القيادة البحرينية، يعاونه محمد تقي المدرسي، الذي كان يقيم في البحرين قبل عودته للعراق بعد عام 2003، في تنسيق العلاقات بين الايرانيين والمعارضين الشيعة، ومنعهم من التفاوض مع التظام، فأسهم في تصعيد التظاهرات وإثارة الصدامات، بقصد تحويل الاضطراب السياسي إلى مواجهة مذهبية، يمكن أن تعيد رسم توازن القوى في دول الخليج لمصلحة طهران.
ومن جهة اخرى فان تضييق الخناق على السعودية، استلزم الاعتماد على حروب بالوكالة فان إذ صار معروفاً أن إيران تدعم “القاعدة” والمتمردين من أتباع الحوثي، في اليمن بهدف السيطرة على المنطقة الممتدة على طول الحدود السعودية، يكمل ما تقدم الخلاف السعودي -الايراني حول طريقة إنهاء الأزمة السورية تحديداً، فبينما تصر السعودية على إنهاء حكم بشار، ترى إيران في بقائه مصلحة استراتيجية، حيث يمثل بالنسبة لها حجر الزاوية في بقاء نفوذها في المنطقة.
كما هددت مليشيات عراقيّة شيعية أطلقت على نفسها اسم ” فيلق جند الله المكين لتحرير نجد والحجاز” في 22/12/2013 السعودية في بيان اكدت فيه انه وبعد التفجيرات التي استهدفت ولليوم الثاني زوار سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي، والسائرين من شمال العراق ومن جنوبه ومن جميع أنحائه زحفا نحو كربلاء المقدسة نوجه هذا البيان وهو خطابا لله فيه رضا وللمجرمين الكافرين سخطا ووبالا”. وتبنت جماعة “جيش المختار” في نوفمبر 2014 إطلاق قذائف هاون سقطت قرب مركز تابع لحرس الحدود السعودي في منطقة حدودية مع العراق. و”جيش المختار” مليشيا جديدة نسبيا، تقول تقارير إنها تحظى بدعم وتمويل من إيران، وكان قائدها واثق البطاط قائد سابق لمليشيا كتائب “حزب الله” في العراق.
واستتباعاً لما تقدم عقد في محافظة كربلاء مؤتمراً في 21/8/2014 برعاية ممثلين عن الاحزاب والكتل الشيعية العراقية، والغاية منه التضامن مع الموقوفيين السعوديين “الشيخ النمر وعلي الاحمد” وحضر كذلك ممثل عن كل من آية الله ناصر مكارم الشيرازي، وعبد الامير قبلان نائب رئيس المجلس الشيعي اللبناني، وبعض الشخصيات المصرية المؤيدة للشيعة مثل صالح المانع ومحمد الجيلاني، والشيخ خالد الملا رئيس مجلس علماء العراق. واتهم المؤتمرون المملكة السعودية بقمع حريات المنطقة الشرقية الشيعية، وما تعانية هذه المنطقة من اهمال وفقر، رغم ما تحويه في باطنها من ثروات نفطية. وفي السياق ذاتهعقد “فيلق جند الله المكين لتحرير نجد والحجاز” التابع “لحزب الله” العراقي اجتماعاً في بغداد لمناقشة استهداف المصالح السعودية في الداخل، وتحريك عدد من المعارضين في الخارج، ووضع خطة لكسب الاتباع والمؤيدين في المنطقة الشرقية.
على ان لقاء نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في جدة في 26/8/2014 لبحث التطورات في الاقليم، وسبل مواجهة التطرف والارهاب، يعد امراً ايجابياً، لكنه لن يمضي إلى انفراجة حقيقية بين زعيمي العالم السني ونظيره الشيعي، وما زال من المبكر القول بامكانية حدوث تحول جوهري في السياسات، وسينعكس ذلك على بنية التحالف الدولي – الإقليمي ومدى فاعليته في القضاء على الإرهاب.