الجزائر – أكدت تصريحات وزير الشؤون الدينية الجزائري محمد عيسى حول الجدل المثار بشأن مضمون اللقاءات التي جمعت وزير الثقافة والتوجيه الإسلامي الإيراني رضا أمير موسوي، توظيف طهران لانفتاحها الإقليمي لصالح تأجيج حرب أيديولوجية، تتخذ من الحرب على الإرهاب منصة لتوسيع نفوذها وتصدير مشروعها الفكري.
ونفى وزير الشؤون الدينية أن تكون اللقاءات التي جمعت وزير الثقافة والتوجيه الإسلامي مع مسؤولين كبار في الحكومة الجزائرية قد تناولت ما اصطلح على تسميته بالجبهة المشتركة لمحاربة الإرهاب بين بلاده وإيران.
كما نفى وجود مهمة أوكلت لرجال الدين والدعاة في البلدين من أجل التشاور وبحث تجسيد المشروع.
وكانت وسائل إعلام إيرانية قد تحدثت في أعقاب زيارة قام بها موسوي إلى الجزائر الأسبوع الماضي عن تكلل الزيارة باتفاق يستهدف إطلاق جبهة لمحاربة الإرهاب، وأن البلدين مستعدان لمباشرة تجسيد المشروع انطلاقا من تبادل زيارات وفود علماء الدين لتقريب الأفكار.
وقالت إن الطرفين اتفقا على زيارة قريبة لوفد من هيئة المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري إلى طهران تضم شخصيات دينية ودعاة وأئمة، بقيادة رئيس الهيئة بوعبدالله غلام الله، وإن الوفدين اتفقا مبدئيا على إطلاق جبهة لمحاربة الإرهاب والفكر الديني المتشدد.
وألمحت تحليلات الإعلام الإيراني إلى أن موجة الإرهاب التي تضرب المنطقة والعالم عموما تنطلق من خصوم سياسيين لطهران في المنطقة، وأعطت الانطباع للرأي العام المحلي بأن الجزائر تبادل إيران الطرح، في إشارة إلى استعداء محيطها العربي في منطقة الخليج العربي.
وقال وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى “للجزائر هويتها ومرجعيتها الدينية والفكرية، ولا يمكن تجاوز الفوارق المذهبية بين البلدين، ولها رصيدها ورؤيتها إلى محاربة الإرهاب بما يتوافق وينسجم مع هويتها وتاريخها ومرجعيتها”.
وأضاف “للبلدين أواصر صداقة وتعاون في مجالات مختلفة، والجزائر تتمسك باحترام هوية وأفكار الآخرين، ولها مقاربتها في ميدان الحرب على الإرهاب والتطرف الديني القائمة على احترام هويات ومعتقدات الآخرين دون الوقوع في الغلو أو توظيف الفوارق الدينية كوقود للصراعات والحروب لحسابات جيواستراتيجية”.
وكانت الجزائر قد سارعت عبر دبلوماسيتها إلى نفي ما راج في الإعلام الإيراني حول اتفاق البلدين على إطلاق جبهة مشتركة لمحاربة الإرهاب والتطرف، ووصفته بـ“القراءات والاستنتاجات العارية عن الصحة، لأن ما تطمح إليه هو أداء إيران لدور إيجابي في منطقة الخليج”. وصرح الناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية عبدالعزيز بن علي شريف بأن “ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الإيرانية حول مضمون اللقاء الذي حظي به مؤخرا وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني رضا أمير صالحي من طرف رئيس الوزراء عبدالمالك سلال يدخل في سياق قراءات واستنتاجات لا تعكس شكل ومضمون اللقاء”.
ويثير التقارب الجزائري الإيراني جدلا، فبغض النظر عن موقفي البلدين المتقاربين مما يعرف بمحور الممانعة على الصعيد السياسي، إلا أن أوساطا دينية حذرت من مغبة توظيف التقارب في أجندة أيديولوجية قياسا بحرص طهران على استغلال نفوذها في تصدير مذهبها العقائدي.
وتنامت التحذيرات مع الاتفاق الثقافي والفني الذي أبرم مؤخرا بين وزارة الثقافة ومؤسسة “فارابي” للسينما الإيرانية، حيث شدد منتقدون على مخاطر التعاون في مجال الإنتاج الفني والسينمائي، بالنظر إلى ما للقطاع من قوة ناعمة في توسيع رقعة الأفكار والأيديولوجيات العقائدية.
وتحدث موسوي على هامش لقاءاته مع مسؤولين جزائريين عن “آفاق واسعة للتعاون الثقافي والفني بين البلدين تشمل إطلاق مدارس ومراكز ثقافية واتفاقيات تعاون في مجالات الإنتاج الفني والسينمائي، وتوظيف التراث والموروث المشترك بين الشعبين”.
ونفى الوزير الجزائري في تصريحه وجود “نية لهيئة المجلس الإسلامي الأعلى بوصفه هيئة مستقلة، ولا لرئيسه بوعلام الله غلام الله، في الانخراط في لعبة لاستيراد أي مرجعية دينية سواء من إيران أو من غيرها، لأن المرجعية الوطنية راسخة لدى الرموز والشخصيات الوطنية”.
وذهب في دفاعه عن مرجعية بلاده الدينية إلى الإقرار بقبول رموز من تيار الإخوان على غرار مؤسسة حركة مجتمع السلم التـي قادها الراحل محفوظ نحناح “كجزء من الهوية المحلية ما دامت تلتزم بموروثها وانتمائها الوطني وعدم الارتباط بجهات خارجية”.
وجاءت التصريحات كرد مبطن على انتقادات الداعية السلفي وسيم يوسف لتيار الإخوان أثناء زيارته للجزائر بدعوة من جهات محسوبة على السلطة.
وقال عيسى على صحفته الرسمية بشبكة فيسبوك إن “المرجعية المعتدلة الوسطية التي ورثناها عن أسلافنا العلماء لا نرتضي عنها بديلا، ولن نستبدلها بأي مرجعية شرقية كانت أو غربية، صادرة من الخليج العربي أو من بلاد فارس”.
وأضاف “الأمم التي زحفت إليها مرجعيات غريبة عن تاريخها، دخيلة على ثقافتها هي أمم بدت بين أبنائها العداوة والبغضاء فلم يبق لأعدائها سوى هدم أسوارها وهتك أعراضها وسلب أموالها ومصادرة سيادتها وتشريد أبنائها وإذلال أعزتها”.
العرب اللندنية