أنقرة – حذر خبراء ومحللون سياسيون من أن الاحتفاء التركي بقرب توقيع صفقة شراء صواريخ “إس-400″ الروسية يتجاوز الاحتكاكات التقليدية بسبب النقد الأوروبي لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مجال حقوق الإنسان إلى ما هو أبعد وأنه صار يمس قضايا استراتيجية وأمنية غير مسبوقة وخصوصا موضوع العلاقة بالناتو.
وأشار هؤلاء الخبراء والمحللون إلى أن أردوغان، الذي يحلم باستعادة زمن الامبراطورية العثمانية، يستثمر البرود مع ألمانيا بالدرجة الأولى لكسر العلاقة التاريخية بين تركيا والغرب، وأن الاتجاه إلى روسيا لشراء صواريخ متطورة هو تعبير عن الرغبة في فك الارتباط بشكل كامل والبحث عن ملاذ يسمح بإنجاح خيار القطيعة مع الانتماء الأوروبي لتركيا.
ويستثمر أردوغان غضب الأتراك على أوروبا التي ماطلتهم كثيرا في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي فيما حصلت دول حديثة الاستقلال والتكوين على العضوية بسرعة ليبدو الاتحاد وكأنه “ناد مسيحي” مغلق على حد وصف الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان.
وبنى الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه مجدهما على مفهوم صراع الهوية بين الأتراك والأوروبيين. وركب أردوغان على موجة التدين المحلي وعلاقته المثيرة للجدل مع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة لإظهار نفسه خصما ثقافيا لأوروبا، وتبرير رغبته في استعادة زمن الامبراطورية العثمانية ولعب دور السلطان الملهم والقائد.
واعتبر المحللون أن أردوغان يستمر بتوظيف عدائه الثقافي للغرب لتبرير الدكتاتورية التي يمارسها على خصومه، وأصبح الأمر أكثر وضوحا منذ محاولة فاشلة للانقلاب عليه في يوليو الماضي، في وقت لا يستبعد البعض أنها مسرحية متقنة من الاستخبارات الموالية، وطالت منافسا يوظف بدوره لعبة الهوية، أي جماعة الداعية عبدالله غولن.
ويلفت هؤلاء إلى أن خطاب الكراهية الذي يحمله الرئيس التركي ضد أوروبا تجلى بأكثر وضوح في تصريحاته ضد دول أوروبية كانت رفضت قيام وزرائه بحملة انتخابية على أراضيها في أبريل الماضي ما قبل التصويت على الدستور الذي يجيز تجميع كل الصلاحيات بيده.
لا تسمح شخصية أردوغان المتقلبة بتوقع لاستراتيجيته المستقبلية
ويعتقد على نطاق واسع أن الاتجاه التركي نحو روسيا في عقد صفقة الصواريخ وفي مهادنتها بشكل شبه كامل في سوريا، هو ردة فعل غاضبة على انحياز أوروبا، لكنه ليس خيارا باتا بل قد يكون النظر إلى روسيا والشرق عموما خطوة اضطرارية للإيهام بوجود بدائل لدى الرئيس التركي.
ويقول خبراء عسكريون إن صفقة الصواريخ تثير الشكوك بشكل قوي حول الجهة المستهدفة منها، متسائلين هل من الممكن أن تحمي تركيا أجواءها بصورايخ قادرة على تدمير الطائرات والصواريخ المجنحة على مسافة أربعمئة كيلومتر، واعتراض الصواريخ البالستية التي تصل سرعتها إلى 4800 متر في الثانية، وعلى ارتفاع ثلاثين كيلومترا.
وأضافوا أن عقد هذه الصفقة في ذروة الخلاف التركي الأوروبي والتركي الأميركي في الملف الكردي يطرح تساؤلات حول نوايا أنقرة واستراتيجيتها.
ولا تسمح شخصية الرئيس التركي المزاجية والمتقلبة بتوقع علمي لاستراتيجيته المستقبلية.
واللافت أن علاقته بروسيا من الممكن أن تنقلب إلى الأسوأ في أي لحظة. فخلال عام 2016، وحين كانت العلاقة مع موسكو في تحسن بطيء بدأ يحتوي مخلفات إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، وبدأت أنقرة باسترضاء موسكو والسير وراء خططها في الملف السوري، ظهر أردوغان ليعلن دعمه لإقامة مناطق آمنة في سوريا، وهي الفكرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا يزال في أيامه الأولى بالبيت الأبيض.
ووجه هذا الانقلاب الكامل في الموقف رسالة جدية إلى روسيا بأن الرئيس التركي لا يمكن أن يكون حليفا حتى ولو قدم تنازلات مؤلمة في سوريا، وأن رسالة اعتذاره الشهيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تعدو أن تكون مناورة لاجتياز الأزمة الخطيرة وقرار موسكو بفرض مقاطعة شاملة على المنتجات التركية.
وفشل الرهان التركي على الشرق كبديل للعناد الأوروبي في العلاقة بدا أكثر وضوحا في العلاقة بمنطقة الخليج التي كان الأتراك يسابقون الزمن لتكون متنفسا لاقتصادهم.
وأظهر أردوغان أنه يخطط لتوظيف التوتر الخليجي مع إيران للحصول على مزايا من السعودية دون موقف واضح من طهران.
وزادت مواقفه في الأزمة القطرية الأخيرة من تباعد المسافات بينه وبين دول الخليج المؤثرة، فضلا عن مصر، ما يجعل رهانه على دور عربي بديل لإسناد تركيا واقتصادها في حال قررت القطيعة مع أوروبا، أمرا مستبعدا.
ولا يخفي الأميركيون قلقهم من صفقة الصواريخ الروسية لأنقرة، خاصة أنه سبق لهم أن عارضوا شراء أنقرة صواريخ إس-300 الصينية، ما يطرح تساؤلا حول سر تمسك تركيا العضو في الناتو بالبحث عن تأمين أمنها القومي بأسلحة متطورة من خارج الناتو.
وعبر رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد عن قلق واشنطن من شراء تركيا منظومة “إس-400″ للدفاع الجوي من روسيا.
وحث المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس على ضرورة الحصول على تفسيرات من أنقرة بشأن الصفقة. وقال إن “تركيا حليفنا ضمن حلف الناتو، ومن الأسس المبدئية في علاقاتنا مع جميع الحلفاء أننا نسعى إلى أن تتلاءم أسلحتنا مع بعضها”.
العرب اللندنية