بغداد – كشفت مصادر سياسية عن عرض عراقي، غير رسمي تدعمه إيران، لروسيا بالتفكير في إيجاد موطئ قدم عسكري لها في العراق.
وقالت المصادر في تصريح لـ”العرب” إن نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي حاول إقناع الروس خلال زيارته إلى موسكو الاثنين الماضي، بأهمية تعزيز نفوذهم في العراق، من خلال الوجود العسكري على أراضيه.
والتزمت الحكومة العراقية الصمت حيال زيارة المالكي إلى روسيا، فيما رفضت وزارة الخارجية التعليق على أسبابها ونتائجها. وسط انشغال الأوساط السياسية والإعلامية في بغداد بمتابعة تطورات الانشقاقات والتصدعات في الأحزاب والكتل السياسية، وانعدام الاهتمام الرسمي بدوافع زيارة المالكي إلى موسكو.
وأكدت المصادر ذاتها أن “المالكي حمل إلى موسكو تصورا سياسيا يتبناه حلفاء إيران في العراق، بضرورة تفكير روسيا في وجودها العسكري على الأراضي العراقية”، لموازنة النفوذ الأميركي، ولضمان العدالة في الدعم الخارجي الذي يحظى به المتنافسون خلال الانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل 2018.
وقالت إن “المالكي نقل إلى الروس أن إيران ستكون سعيدة بأي خطة روسية لنشر قوة عسكرية في العراق”، مقترحا أن يسلك الروس سبيل الأميركيين، من خلال عرض مستشارين عسكريين على الحكومة العراقية، لتدريب قواتها المسلحة.
ويقول مراقبون إن إيران تخشى أن يؤدي الدعم الأميركي الكبير الذي يحظى به رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى التغلب على منافسيه في الانتخابات المقبلة، ما يعزز فرصه في الحصول على ولاية ثانية.
وتحاول إيران الاستعانة بالروس لتحقيق التوازن في العراق من خلال وجود عسكري رسمي، لكنها اختارت أن يأتي توجيه هذا الطلب إلى موسكو من شخصية عراقية تتمتع بنفوذ في بغداد، ليكتسب صفة رسمية.
وبعيد وصول المالكي إلى موسكو، الاثنين الماضي، أوردت وكالة سبوتنك الروسية نقلا عنه “رغبة بلاده برؤية تواجد روسي لديها بثقل عسكري وسياسي”.
وقال المالكي، عقب محادثاته مع رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالينتينا ماتفيينكو، إن من المعروف أن لروسيا “علاقات متينة قديمة بالعراق”، مشيرا إلى “رغبة العراق بأن يكون لروسيا تواجد ذو ثقل سياسي وعسكري فيه”.
وأفاد بأنه “من خلال ذلك يمكن الوصول إلى التوازن الذي سيخدم مصلحة المنطقة وشعوبها ودولها”.
ومع أن نوابا في ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، قالوا إن تصريحاته التي تتعلق برغبة بلاده في تعزيز التعاون في المجال العسكري بين العراق وروسيا، لا تعني طلبا بنشر قوات روسية في العراق، إلا أن المصادر تؤكد أن “المالكي عرض على المسؤولين الروس التفكير جديا في موازنة النفوذ الأميركي في العراق، من خلال الوجود العسكري”.
ولا تستبعد المصادر أن يذهب المالكي، مدعوما من إيران، إلى حد “التعهد للروس بفتح أبواب العراق أمامهم، في حال عاد إلى منصب رئيس الوزراء، ما يطرح فرضية دعم موسكو له في الانتخابات، على غرار ما يشاع بشأن تدخلها لمساعدة دونالد ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض”.
وتقول النائبة عن ائتلاف المالكي، ابتسام الهلالي، إن “زيارة نائب رئيس الجمهورية إلى روسيا ركزت على الجانب الاقتصادي والدعم العسكري في محاربة الإرهاب في العراق”.
وأضافت أن المالكي طلب من روسيا “التنسيق العسكري المشترك والتدخل الفوري في حال تعرض العراق إلى مخاطر دولية”، لكنها قالت إن العراق يرفض وجود أي قوة أجنبية على أراضيه.
وترى أوساط مراقبة أنه في حال ثبت أن المالكي يسعى لدى روسيا لاستدراجها إلى موقع ما في العراق، فإن الأمر ستدرسه موسكو بعناية وقد تستخدمه في إطار صراعها الراهن مع الولايات المتحدة داخل الشرق الأوسط.
لكن هذه الأوساط استبعدت إقدام موسكو على اتخاذ خطوات قد تعتبر استفزازا للنفوذ الأميركي في العراق، لا سيما أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعوّل كثيرا على عودة النفوذ الأميركي في هذا البلد، وتعتبرها جزءا من استراتيجياتها العامة في المنطقة لتقويض النفوذ الإيراني في العراق وسوريا.
وتضيف هذه الأوساط أن موسكو تدرك أن دعوة المالكي تتسق مع تكتيكات إيرانية تريد استخدام روسيا لإضعاف الحضور الأميركي في العراق تماما كما استخدمت الحضور العسكري الروسي للدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. إلا أن القيادة الروسية ستدرس إمكانات أي دور روسي في العراق، وخصوصا أنه لم يكن لموسكو أي دور عسكري أو دبلوماسي في هذا البلد منذ غزو عام 2003، وأنه سيكون صعبا ارتجال حضور روسي يصطدم مع الوجود الأميركي المتجذر عسكريا وسياسيا واقتصاديا في هذا البلد.
ويلاحظ مراقبون روس أن الولايات المتحدة آثرت الهيمنة الكاملة على الحضور الدولي في العراق وقبلت بتعايش بارد مع النفوذ الإيراني والميليشيات العراقية التابعة لطهران لتوحيد الجهود الدولية والإقليمية والعراقية ضد داعش.
وقالوا إن واشنطن التي أخلت الساحة تماما لروسيا في الميدان السوري، عادت في عهد ترامب إلى لعب دور عسكري متقدم، على نحو سحب من روسيا احتكارها لأي تسوية في سوريا.
ويستبعد المراقبون أن تسمح واشنطن لموسكو بالتدخل في الشأن العراقي بما يرجح كفة أي تحالف، ولو كان ظرفيا مؤقتا، بين موسكو وطهران.
وحذرت أوساط عراقية من أن دعوة المالكي للروس بلعب دور نافذ في العراق يتسم بمخاطرة كبرى، ذلك أن إيران وحلفاءها في المنطقة عامة، وفي العراق خاصة، يدركون هلامية التحالف الإيراني الروسي، ويعرفون أن أي توافق أميركي روسي في ملفات المنطقة، كما في ملفات العالم الأخرى، سيأتي حتما على حساب النفوذ الإيراني في المنطقة كما في العراق، ويعتبرون أن التنسيق الأميركي الروسي الجاري حول الشأن السوري والذي أفضى إلى طرد أي تواجد إيراني في جنوب سوريا، خير مثال على ما يمكن أن يمثله أي تفاهم من ضرر على النفوذ الإيراني والذي قد يطيح بطموحات المالكي كما طموحات طهران.
العرب اللندنية