برلين – مثّل افتتاح مسجد للإسلام الليبرالي في العاصمة الألمانية فرصة للنقاش بشأن اندماج المسلمين في الغرب ومدى تفاعلهم مع قيمه. لكن هذا النقاش فتح الأعين بصفة أدق على تحكم دول وجماعات خارجية في المساجد المنتشرة في ألمانيا، وصناعة إسلام يعبّر عن رؤية مموّليه مثل تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، ولا يستجيب لحاجة الجالية المسلمة.
وطالبت سيريان أتيس ذات الأصول التركية الكردية والناشطة في مجال حقوق المرأة ومؤسسة أول مسجد لجميع المذاهب في برلين، الجمعة، بضرورة الحدّ من تأثير تركيا على المساجد الألمانية حتى يحظى الإسلام الليبرالي بالدعم في ألمانيا. وقالت إنه “يأتي من تركيا معظم تمويل المساجد في ألمانيا، إنهم يدفعون الأموال لتدمير قيمنا”.
واعتبر متابعون للجدل القائم حاليا بين تركيا وألمانيا أن الخلاف السياسي بين البلدين سيساعد في إخراج الكثير من الحقائق التي كان المسؤولون الألمان يتحاشون إثارتها حول التغلغل التركي بين الجالية من أصول تركية في البلاد.
وأشار المتابعون إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حوّل بعض المساجد المموّلة تركيّا إلى واجهة سياسية خلال حملته للحصول على دعم شعبي للاستفتاء حول الدستور، وذكروا بأن الشرطة الألمانية سبق أن داهمت منازل لأئمة أتراك يشتبه بقيامهم بالتجسس لصالح الحكومة التركية.
وينتمي الأئمة إلى “ديتيب”، وهي منظمة تدير شؤون حوالي 900 مسجد أو جماعة دينية في ألمانيا، وترتبط بشكل وثيق برئاسة الشؤون الدينية التركية “ديانت”، وهي منظمة تحوم شكوك حول تحويلها هذه المساجد والجمعيات إلى منبر سياسي لأردوغان.
ويصل عدد أفراد الجالية التركية في ألمانيا إلى ثلاثة ملايين. وتدير التعليم الإسلامي في البلاد جماعات إسلامية تسيطر السلطات الألمانية عليها بشكل محدود أو بدون سيطرة، ومعظم الأئمة هم رجال دين أتراك ترسلهم أنقرة إلى ألمانيا.
وتتّهم جهات إسلامية في ألمانيا تركيا باستغلال الحرية التي يتيحها التعاطي الرسمي مع أنشطة الجمعيات والمساجد لضخ الكثير من الأموال والسيطرة على المساجد واستقطاب الأئمة والشخصيات المؤثرة في العمل الإسلامي بألمانيا لكسب نفوذ واسع بين الجالية، وينطبق الأمر نفسه على فروع جماعة الإخوان المسلمين التي تخترق بشكل واسع صفوف الجاليات العربية.
الأئمة ينتمون إلى (ديتيب)، وهي منظمة تدير شؤون حوالي 900 مسجد أو جماعة دينية في ألمانيا، وترتبط بشكل وثيق برئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانت)، وهي منظمة تحوم شكوك حول تحويلها هذه المساجد والجمعيات إلى منبر سياسي لأردوغان
وقال خبراء في التيارات الإسلامية المتشددة إن الجدل الذي يحيط ببناء “المسجد الليبرالي” يكشف حاجة الجالية المسلمة إلى فضاءات نقاش وتثقيف تستطيع من خلالها التصالح مع ثقافة الغرب خاصة الأجيال الجديدة من أبناء الجالية.
وأشار الخبراء إلى أنه وبقطع النظر عمّا يُوجّه للقائمين على مسجد ابن رشد -جوتة من نقد، إلا أنه أماط اللثام عن سيطرة الجمعيات المرتبطة بالخارج على المساجد والمراكز الإسلامية، ليس في ألمانيا وحدها بل في أغلب الدول الأوروبية التي تسامحت طويلا مع تلك الجمعيات لتكتشف في الأخير أنها الحضن الذي تربّى فيه التشدد وكبر ليصبح غولا يصعب ترويضه.
وافتتحت أتيس مسجد ابن رشد-جوته في برلين، والذي جاء على شكل مسجد اندماجي شامل للجميع. ويُرحِّب المسجد بجميع المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم وتوجُّهاتهم الجنسية.
ويقع في شارع تسوّق مزدحم في حي موابيت للمهاجرين الذي يعج بالمطاعم الهندية والفيتنامية والمقاهي الشرق أوسطية. وهو مفتوح أمام مذاهب السنة والشيعة والصوفية وغيرها من المذاهب الإسلامية، ولا يسمح بدخول المنقبات المسجد.
ويستطيع الرجال والنساء في هذا المسجد أن يصلوا سويا، بمن فيهم غير المحجبات، لكنه ممنوع على المنقبات، حيث ترى أتيس أن النقاب رمز سياسي، لا ديني. ويمكن لامرأة أن تؤم المصلين في هذا المسجد.
ويقول المبادرون إلى تأسيس المسجد إنهم يسعون “للترويج لإسلام معتدل ومحاربة التشدد والعنف”.
ومن المقرر أن تنشر أتيس كتابها بعنوان “سلام، امرأة إمام. كيف أسست مسجدا ليبراليا في برلين”، والذي تتحدث فيه عن دوافعها لتأسيس المسجد. وهي تعمل منذ سنوات كمحامية وناشطة من أجل مكافحة العنف المنزلي وجرائم “القتل بدافع الشرف” والزواج القسري التي تنتشر بصفة أوضح بين الجالية من أصول تركية.
وسيجد العاملون في هذا المسجد، وأيّ مساجد شبيهة يتوقّع أن تنتشر في بعض الدول الأوروبية، صعوبة في إيجاد أئمة متدربين على الانفتاح.
وقال لودوفيتش محمد زاهد، وهو مؤسس لأول مسجد لجميع المذاهب في فرنسا متحدثا في برلين إلى جانب أتيس “نحتاج إلى تدريب أئمتنا”، مضيفا “لسوء الحظ ليست هناك إرادة سياسية للتأكد من أن الأئمة تعلموا في أوروبا”.
العرب اللندنية