يخطيء من يعتقد ان غضبة الرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي سببها اسقاطه حل الدولتين، وتعهده قبيل انتهاء حملته الانتخابية بعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتحدثه عن عرب الارض المحتلة عام 1948 بشكل عنصري، فاسرائيل كانت دائما وستظل دولة عنصرية، ونتنياهو لم يكن في اي يوم من الايام مع قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولم يأخذ عملية السلام مع السلطة الفلسطينية بأي جدية، ونجح في نهاية المطاف في اجهاضها.
تجسس المخابرات الاسرائيلية (الموساد) على المفاوضات الامريكية الايرانية حول الملف النووي الايراني الذي كشفت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” اليوم (الثلاثاء) هو الذي اغضب البيت الابيض الامريكي ودفع بدينيس ماكدونو رئيس اركانه الى مطالبة نتنياهو الى “انهاء احتلال مستمر منذ خمسين عاما” للاراضي الفلسطينية المحتلة.
وربما يجادل البعض بالقول انها ليست المرة الاولى التي تتجسس فيها اسرائيل على الولايات المتحدة، فقد فعلها الجاسوس الاسرائيلي الامريكي جوناثان بولارد، وقدم معلومات عسكرية لاسرائيل سرية جدا، فاين المشكلة؟
هذا كلام صحيح، ولكنه لا يعكس الحقيقة كاملة، فان تقوم الولايات المتحدة واسرائيل بالتجسس على بعضها البعض فهذا شيء، ولكن ان تسرق اسرائيل اسرارا امريكية ويقدمها رئيس وزرائها نتنياهو الى اعضاء في الكونغرس من اجل تقويض الدبلوماسية الامريكية (المفاوضات مع ايران) فهذا شيء آخر مختلف تماما.
نتنياهو اخترق كل الخطوط الحمراء، وتصرف بطريقة تنطوي على الكثير من الغرور والعنجهية عندما اعتبر نفسه اهم من الرئيس الامريكي، وتجرأ على مخاطبة الكونغرس من وراء ظهره ودون التشاور معه، وكشف معلومات سرية عن المفاوضات الامريكية الايرانية لنواب وسيناتورات امريكيين بهدف تقويض واجهاض اي اتفاق مع ايران، وتحريض هؤلاء النواب ضد رئيسهم.
من هو نتنياهو هذا حتى يتجرأ على الاقدام على مثل هذا التحدي، وهو الذي يدرك جيدا انه لولا الدعم الامريكي، السياسي والعسكري والمالي، لما استطاعت اسرائيل التي يرأس وزراءها العيش يوما واحدا؟
الرئيس اوباما قال انه سيعيد النظر في سياسة بلاده تجاه عملية السلام، وشكك في جوهر الديمقراطية الاسرائيلية بالنظر الى تصريحات نتنياهو حول خطر الصوت العربي في الانتخابات، واضاف اوباما في حديث مع صحيفة “هافنغتون بوست” الانكليزية انه بعد تعهد نتنياهو بعدم اقامة دولة فلسطينية بدراسة الخيارات “لضمان عدم سقوط المنطقة في الفوضى”.
لا نعرف ما هي المواقف التي سيتبناها الرئيس اوباما بعد مراجعته للموقف الاسرائيلي من عملية السلام وحل الدولتين، لان المطلوب الرد على هذه الصفعة الاخيرة التي وجهها اليه نتنياهو بخطوات عملية تنهي الاحتلال فعليا، وفي اسرع وقت ممكن، فالتهديدات الكلامية لن تعد تجري نفعا، علاوة على كونها لا تقنع احدا.
من الخطأ الاعتقاد بان نتنياهو هو سبب هذا التطاول على الادارة الامريكية والتجسس على امريكا، ومحاولة اجهاض دبلوماسيتها، والتدخل في ادق شؤونها الداخلية، فنتنياهو هو قمة جبل الغرور الاسرائيلي، والاحتقار لكل الدول التي توفر للاسرائيليين ابجديات البقاء والتوسع والاحتلال.
الاسرائيليون الذين اعادوا انتخاب نتنياهو وهم يعرفون سياساته ومواقفه جيدا، مثلما يعرفون احتقاره للرئيس الامريكي وتحديه اكثر من مرة، هم الذين يتحملون مسؤولية الازمة الحالية مع الولايات المتحدة ورئيسها.
عندما تتوقف امريكا عن دورها كعبد لاسرائيل وحامية لعنصريتها وعدوانها واحتلالها، سينتخب الاسرائيليون رئيسا مختلفا للوزراء، وسيحترمون الاسس الاخلاقية للديمقراطية، وسيتخلون عن عنصريتهم وكراهيتهم للآخر، ابناء الارض الحقيقيين.
المشكلة لم تكن في نتنياهو، ولن تكون، وانما في الشعب الاسرائيلي وثقافته العنصرية، واستعلائه على الآخر، حتى لو كان زعيم الدولة الاعظم في العالم.
الابتزاز الذي مارسته اسرائيل للعالم الغربي بأسره تحت عنوان معاداة السامية لكل من ينتقدها يجب ان يتوقف فورا فقد طفح الكيل، كيلنا جميعا، وكيل الرئيس الامريكي الذي ينظر اليه نتنياهو ومؤيدوه نظرة دونية وعنصرية، ينظر اليه كعبد او “العم توم” الذي يجب ان يكون في خدمة المصالح الاسرائيلية حتى لو تعارضت مع مصالح بلاده.
راي اليوم