تونس – سرعت الحكومة التونسية من وتيرة تنفيذ إجراءاتها الحمائية لكبح انفلات الواردات، بعد أن قررت حظر استيراد مجموعة واسعة من السلع غير اللازمة والتي يقول الخبراء إنها استنزفت احتياطيات البلاد من العملة الصعبة.
وأظهرت وثيقة رسمية حديثة أن البنك المركزي التونسي طلب من البنوك المحلية وقف إقراض التجار لتمويل واردات العشرات من السلع الاستهلاكية، وفق وكالة رويترز.
وأشارت الوثيقة إلى نحو 220 منتجا تعتبرها وزارة التجارة والمركزي غير ضرورية من بينها مواد غذائية مثل أنواع من الأسماك والأجبان والفواكه فضلا عن العطور والخمور وبعض الأجهزة الكهربائية مثل آلات التكييف.
ويعد القرار أحدث خطوة لتشديد القيود على واردات الاستهلاك سعيا لخفض العجز التجاري القياسي بعد قرار سابق برفع الرسوم الجمركية على عدة مواد استهلاكية.
ورغم أن الإجراء جاء متأخرا لتقليص الفجوة بين الصادرات والواردات التي استنزفت الاحتياطيات النقدية للبلاد، فإن الخبراء يرون أن مجرد إحداث تغيير في سياسة التبادل التجاري ستكون له انعكاسات إيجابية مستقبلا رغم أن العملية ستكون بطيئة.
وتفاقم العجز التجاري في الأشهر التسعة الأولى من العام ليصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ 11.46 مليار دينار (4.58 مليار دولار).
وتأمل الحكومة من خلال القرار الجديد في حماية احتياطي العملة الأجنبية الذي تراجع بشكل حاد بسبب الهبوط الكبير للعملة المحلية مقارنة باليورو والدولار. وجرى أمس الاثنين تداول اليورو عند 2.92 دينار والدولار عند 2.49 دينار.
ووفق بيانات البنك المركزي، فإن احتياطي البلاد من العملة الأجنبية لم يتجاوز حاجز الخمسة مليارات دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، في حين كان في عام 2010 بحدود 13.5 مليار دولار.
ويأتي هذا القرار بعد أيام من إعلان الحكومة نيتها رفع الرسوم الجمركية على بعض المواد الاستهلاكية.
سمير بالطيب: لقد تقرر رسميا منع استيراد بعض السلع من تركيا وخاصة الزراعية منها
ويشكو المواطنون من ارتفاع أسعار السلع التي بلغت مستويات غير مسبوقة بسبب تدهور قيمة العملة المحلية التي تأثرت كثيرا بسبب عمليات التوريد الضخمة والتي تسبب في إحداث فجوة كبيرة في الميزان التجاري.
وكان رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة قد قال لرويترز في وقت سابق إن “الحكومة ستفرض رسوما جمركية على عدة مواد تستورد من الخارج من بينها منتجات زراعية وبعض الكماليات وغيرها سعيا لخفض العجز التجاري الذي بلغ مستويات قياسية”.
وانسجاما مع هذه الإجراءات، كشف وزير الفلاحة والموارد المائية سمير بالطيب في تصريح لإذاعة “شمس.أف.أم” الخاصة أمس أنه تقرر رسميا منع استيراد بعض السلع من تركيا وخاصة الزراعية منها.
وقال إن القرار اتخذ بالتنسيق مع الأتراك في إطار الحرص على توازن التبادل التجاري بين البلدين، مشددا على ضرورة تشجيع المزارعين التونسيين الذين تضرروا كثيرا جراء عملية الاستيراد.
ويجمع المحللون على أن نمو الواردات في السنوات الأخيرة كان نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تسويق حصة كبيرة من السلع المهرّبة في السوق المحلية.
وكانت مصادر بوزارة التجارة والصناعة كشفت لـ“العرب” في مايو الماضي، أن الوزارة بدأت في مراجعة الرسوم الجمركية على مجموعة من المواد الاستهلاكية المستوردة من دول وقّعت معها تونس اتفاقيات للتبادل الحر.
وقالت المصادر حينها إن “من بين الإجراءات تقليص الامتيازات الممنوحة لوكلاء توريد السيارات مع إجبـار كافـة المـورّدين على تقديم وثائق وشهادات المنشأ، إضافة إلى تعزيز الرقابة الفنية على السلع الموردة”.
كما شكلت الوزارة لجنة خاصة لمراقبة واردات جميع المؤسسات الحكومية من الوقود والحبوب والزيوت النباتية والسكر والأرز والقهوة باعتبار أن حجم مشترياتها كبير جدا ويؤثر على التوازنات المالية في البلاد.
ويرى خبراء أن تونس تهدف من الإجراءات لزيادة الرسوم الجمركية على واردات السلع الاستهلاكية غير الأساسية التي شهدت زيادة بنحو 11 بالمئة منذ عام 2011، لكن دون تجاوز المعدل المسموح به في إطار الاتفاقيات التي تخضع لمنظمة التجارة العالمية.
وقال خالد بن عبدالله مدير التجارة الخارجية في الوزارة لوكالة الأنباء الرسمية مطلع مايو الماضي إن “وزارة التجارة تدرس إمكانية إقرار إجراءات جمركية جديدة على توريد منتوجات استهلاكية كمالية”.
ورغم نفي المسؤول وجود أي خطة لتطبيق إجراءات حمائية وفقا للبنود التي تتضمنها اتفاقيات التبادل الحر مع الدول المعنية، إلا أن وزير التجارة السابق زياد العذاري أكد وجود نية لتطبيقها مع تركيا على وجه التحديد.
وبرّر بن عبدالله عدم اتخاذ مثل هذا الإجراء حتى الآن بأن رد فعل البلدان التي ترتبط معها تونس باتفاقيات تبادل حر ستكون مشابهة مما قد يضر بالاقتصاد التونسي، لكنه استطرد قائلا “لذا من المفترض أن يكون هذا الحل الملجأ الأخير”.
العرب اللندنية