وتراهن صناديق التحوط على تمديد “أوبك” والمنتجين المستقلين لاتفاقية خفض الإنتاج في اجتماعهم يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وهو اتفاق قائم على توافق بين كبار منتجي النفط في دول الخليج وروسيا، التي باتت أكبر منتج للنفط في العالم.
وكانت منظمة” أوبك” ومنتجون خارجها قد اتفقوا على خفض الإنتاج بمعدل 1.8 مليون برميل يوميا منذ بداية العام الجاري، وحتى نهاية مارس/آذار المقبل.
وترغب أوبك في تقليص مستوى مخزونات النفط في الاقتصادات المتقدمة إلى متوسط خمس سنوات. وتظهر أحدث البيانات التي أعلنت عنها المنظمة في فيينا أن تقدماً حدث في هذا الصدد لكنه لم يكتمل بعد.
وأعلنت أوبك في أغسطس/آب، أن تلك المخزونات تبلغ 2.996 مليار برميل بزيادة 171 مليون برميل فوق متوسط خمس سنوات.
ويتفاءل محللو النفط في مؤسسة “غلوبال إنفسترز جيفريز” بمصرف رويال بانك أوف كندا، بارتفاع الأسعار، حيث إن السوق تتجه للتوازن، وربما سيشهد السوق نقصاً في المعروض خلال العام المقبل.
في هذا الصدد يقول خبير الطاقة بمؤسسة آليانز، نيل دون، في مذكرة على موقع المؤسسة “السوق سيعود للاتزان قريباً وستتحول مخاوف المتعاملين من التخمة إلى النقص في المعروض وسيتفاعل ذلك في رفع الأسعار”.
يذكر أن الطلب العالمي على النفط حافظ على مستوى 97 مليون برميل يومياً خلال العام الجاري، لكن أرقام النمو الاقتصادي العالمي المرتفعة التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي الأخيرة ستعني أن الطلب سيرتفع خلال العام المقبل.
ويرى نيل دون، أن المنتجين يحتاجون إلى ضخ كميات إضافية تراوح بين 7 إلى 8 ملايين برميل يومياً لتلبية الزيادة في الطلب. ولكنه يشير إلى أن النقص في الاستثمارات النفطية قلل من الكشوفات الجديدة لتعويض النضوب في بعض الحقول التي كانت منتجة.
ويذكر أن سنوات تدهور أسعار النفط المتواصلة منذ عام 2015 ساهمت في خفض الاستثمار في الكشوفات والتنقيب. وهذا العامل من المتوقع أن يسرع من عجلة خفض التخمة النفطية في الاقتصادات الصناعية.
ولكن رغم هذه التوقعات المتفائلة، فإن محللي النفط في مؤسسة جيفريز لا يتوقعون تحسناً كبيراً في الأسعار، حيث تتراوح توقعاتهم بين 55 دولاراً لبرميل غرب تكساس و58 دولاراً لبرميل النفط من نوعية برنت، في المتوسط خلال العام المقبل. وكذلك الحال بالنسبة للعدد من المصارف الاستثمارية وشركات الوساطة العالمية في الطاقة.
وبنيت توقعات جيفريز لتحسن الأسعار، على أساس أن شركات النفط الصخري الأميركي قد تواجه بعض المصاعب خلال العام المقبل.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها لمنظور الطاقة على المدى القصير، الصادر أخيراً، أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي من 9.2 ملايين برميل في المتوسط هذا العام إلى 9.9 ملايين برميل يومياً في العام المقبل 2018.
من جانبه رفع مصرف “بنك أوف أميركا ـ ميريل لينش” الأميركي، توقعاته لأسعار النفط في المتوسط من 50 إلى 54 دولاراً لخام برنت خلال الربع الأخير الجاري ومن 49.5 إلى و52.50 دولارا في النصف الأول من عام 2018. كما رفع سعر خام غرب تكساس من 47 دولاراً للبرميل إلى 49 دولاراً.
وتعود هذه المراجعة التي أجرتها الشركات والمصارف لأسعار النفط إلى المتغيرات الجديدة في السوق، خاصة التحسن الملحوظ في معدل النمو الاقتصادي للدول المستهلكة الكبرى للطاقة.
حيث أعلن صندوق النقد الدولي في اجتماعه السنوي الذي عقد منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مراجعة توقعاته السابقة للنمو الاقتصادي في كل من أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، كما أعلنت الصين عن معدل نمو فوق 6.7%.
وحسب محلليين فإن هذه الأرقام شجعت ارتفاع الطلب على النفط في العالم. وفي المقابل فإن وكالة الطاقة ذكرت في تقريرها الأخير أن الطلب على النفط ربما سيرتفع فوق التوقعات في وقت يتراجع فيه الفائض في السوق.
يضاف إلى ذلك احتمال تمديد اتفاق خفض الإنتاج الجاري إلى ما بعد إبريل/ نيسان المقبل في اجتماع نهاية نوفمبر/ تشرين الجاري في فيينا. وهنالك توقعات بين محللي النفط ، أن منظمة “أوبك” والمنتجين خارجها، سيمددون اتفاق خفض الإنتاج فترة 9 شهور أخرى إلى نهاية العام المقبل 2018.
لكن رغم هذه العوامل المساعدة لتحريك أسعار النفط، فإن هنالك شكوكا حول ما إذا كانت الأسعار ستصمد خلال العام الجاري فوق مستوى 60 دولاراً الذي بلغته يوم الإثنين. كما أنه من غير المعروف كيف ستتصرف شركات النفط الصخري وشركات نفط المياه العميقة مع بلوغ الأسعار مستويات الجدوى الاقتصادية للإنتاج.
ففي أميركا تقدر جدوى إنتاج النفط الصخري في بعض الحقول الغنية مثل منطقة بيرمين في تكساس، بحوالى 40 دولاراً، فيما تراوح في الحقول الأخرى بين 40 و50 دولاراً.
ومن المتوقع أن ترفع شركات النفط الصخري الأميركية من معدل إنتاجها مستفيدة من الطلب القوي على النفط الأميركي “الحلو الخفيف” في المصافي الحديثة بجنوب شرقي آسيا والصين.
كما أن الشركات التي تنقب عن النفط في مناطق المياه العميقة في البرازيل وبعض دول أميركا الجنوبية ربما تجد في ارتفاع الأسعار محفزاً لها لزيادة الإنتاج.
ويلاحظ أن صادرات النفط الصخري، وهو من النوع الخفيف شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الصادرات خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وقارب مليوني برميل يومياً في بعض الأيام.
ومن العوامل الأخرى التي من المتوقع أن تضرب الإنتاج حسب خبراء نفط، احتمال استغلال بعض دول “أوبك” السعر المرتفع في زيادة إنتاجها في وقت تعيش فيه العديد منها ظروفاً اقتصادية ضاغطة. وهنالك دول تهدد “أوبك” بتخليها عن الاتفاق مثل الإكوادور ودول ترفع صادراتها مثل العراق التي أكبر مصدر للنفط للولايات المتحدة وثالث أكبر مصدر للنفط في الصين.
وتستفيد العراق من أنها دولة احتياطات نفطية كبيرة في وقت تنخفض فيها كلفة إنتاج البرميل، وهذان العاملان يجعل من العراق الحصان الأسود في إنتاج النفط خلال السنوات المقبلة. كما يجعل منها دولة جاذبة للشركات الغربية والروسية على السواء. ويذكر أن العراق تمكن أخيرا من القضاء على “داعش” وتحرير الموصل، كما سيطر على آبار النفط في كردستان بعد محاصرة محاولات الاستقلال.
ومن بين المخاطر الأخرى ارتفاع إنتاج النفط في المكسيك في أعقاب تنفيذ إصلاحات في قطاع الطاقة وجعل العقود الأجنبية مع شركات الطاقة الأجنبية أكثر جاذبية.
في هذا الصدد أعلن وزير الطاقة المكسيكي، بيدرو جواكين كولدويل، يوم الاثنين أن بلاده تنتظر استثمارات أجنبية تصل قيمتها إلى 80.3 مليار دولار.
وأوضح الوزير المكسيكي في كلمة أمام لجنة الطاقة التابعة لمجلس النواب في البرلمان، أن بلاده أبرمت في الفترة الماضية 199 عقداً مع 125 شركة، وستوجه نحو 60 مليار دولار من قيمة الاستثمارات للاستكشاف والإنتاج، و12.2 لبناء خطوط أنابيب غاز، و6.6 مليارات للكهرباء النظيفة.
وشرعت المكسيك منذ عام 2013 بتنفيذ إصلاحات في قطاع الطاقة، والتي سمحت للمرة الأولى منذ نحو 80 عاما بدخول استثمارات خاصة إلى هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد. وفي إطار هذه الإصلاحات حصلت شركات النفط الوطنية على الحق في إبرام عقود مع شركات خاصة لجذب الاستثمارات.