فيما راهن البعض على إمكانية اتخاذ موقف حاسم مما استجره اتفاق أوسلو، وما ترتب عليه من كوارث نتيجة التقيد بالتزاماته واشتراطاته الأحادية التي فُرضت على السلطة الفلسطينية، كان طارئاً ومستعجلاً تحقيق خطوة متقدمة للعودة عن الانقسام، والتأكيد على أن يكون الإطار القيادي كاملاً مكتملاً بحضور قوى الكل الفلسطيني من دون استثناء، والاتفاق على خطة سياسية تحظى بقبول الجميع، ولا تترك بعض الأطراف خارج الإجماع الجبهوي، تتخذ مواقف مغايرة لما اتفقت عليه الأطراف التي حضرت اجتماع المجلس المركزي، ومعروفة الأسباب التي قادت وتقود الوضع الوطني الفلسطيني إلى استمرار حال التفكك والشرذمة، واستجلاب المزيد من الكوارث التي تحيق بالقضية الوطنية، ولن يكون آخرها قرار ترامب حول القدس، وهناك مسائل المفاوضات وما يحيطها من تهديدات وإنذارات وابتزازات تهيئ للصفقة الكبرى.
ولئن لم تأت قرارات المركزي الحالية على مستوى الطموح الشعبي، ولا حتى الفصائلي، فهي لم تتمثل عمق التحدي الذي بادر إليه ترامب بقراره، وما سيفضي إليه من تداعيات، ليست إسرائيل وحدها من تحاول استثماره والاستفادة منه لمصلحتها المباشرة، بل هناك من يحاول ذلك أيضا، لمصلحة إسرائيل كذلك.
وإذ لم يكن سهلا النزول عن السقف العالي الذي ارتأته الخطابات، كما كانت التوقعات، فلم يكن يتوقع كذلك أن تكون القرارات على مستوى التحديات، فلم يستطع اجتماع المركزي أن يوظف المصالحة والوحدة الوطنية لصالح الإجماع الوطني الفلسطيني، كي تحوز القرارات إجماعاً أعلى، ويكون لتنفيذها قدرة مواجهة كل الأطراف المعادية، وبغطاء مفترض من كل الأصدقاء والحلفاء عبر العالم.
في دهاليز المكلمات والشعارات اللفظية، ومسلسل الأوهام والرهانات التي لا تستند إلى واقع الكفاح التحرري للشعب الفلسطيني، بقدر استجاباتها لأمر واقع احتلالي وتهويدي وتواطؤ أنظمة رسمية معها، لا بد من فقدان الاتجاه، وإضاعة الطريق. وهذا هو حال الوضع الوطني الفلسطيني، الذي تصر قيادته الرسمية على عدم البوح، أو التزام جانب الشفافية والصدق في الاعتراف بواقع ما يجري لقضية شعب ووطن لا يمكن استرداده بالرغبات والأماني والرهانات التي لا تستند إلى أي مقوم من مقومات مجابهة التحديات الوطنية، تلك التي تحولت إلى مجرد تحديات شخصية ومصالح خاصة لهذا الفريق القيادي أو ذاك، الأمر الذي كان يستدعي عاجلاً وقبل التئام اجتماعات المجلس المركزي، التئام الإطار القيادي الشامل وصياغة ورقة برنامجية يتفق الكل الفلسطيني على بنودها، وتكون محل إجماع وطني شامل، حتى تكون قرارات المجلس المركزي انعكاساً أميناً لتلك المواقف، وقابلة للتنفيذ كونها تعكس هي الأخرى الوجه المشرق للمشروع الوطني الفلسطيني، لا لمشروع سلطة أوسلو وما جلبته من كوارث، لن يكون إصلاحها أو تخطيها ممكناً بسهولة.
ذلك هو المأزق الفلسطيني اليوم، منذ كارثة أوسلو وتداعياتها، وكما كان من قبل، وما بعد اجتماع المركزي، وما قبل انعقاد المجلس الوطني المقبل وما سينتج منه من قرارات، ستبقي الحال الوطني على ما هي عليه من دون تغيير يذكر، طالما أن العقلية القيادية هي ذاتها، سلطوية وتسلطية بامتياز، مصالحها الشخصية والخاصة هي ما يملي عليها مواقفها، لا المصالح الوطنية العليا التي لم تعد تشتغل في مواجهة تحديات اليوم التهويدية والترامبية ومن لف لفهما.
علة العلل إذن في القرارات التي لا يستطيع الفلسطينيون تنفيذها، تكمن في ضعف المواقف السياسية الفلسطينية، وما زرعته في تربة أوسلو السلطة المتنفذة من أسباب الخلافات والانقسامات المتواصلة، وعدم تفعيل الإطار القيادي الموحد، أو الاتفاق على بنود برنامجية يتوافق الكل الفلسطيني عليها، لتمثل البرنامج الوطني بصيغتيه التكتيكية والاستراتيجية، وتلك هي مضامين المسؤوليات الذاتية، أما تلك الموضوعية فهي تلك التي تتعلق بما يفرضه الاحتلال الاستيطاني ومن ينحاز أو يتواطأ معه من قوى دولية وإقليمية، باتت تفرض هي الأخرى المزيد من التحديات، من قبيل «قرار القدس» الترامبي، و «صفقة القرن» بصيغتها البلفورية ومن يدعمها ويتحمس لها، وهذه وحدها تتطلب قرارات فلسطينية حاسمة وقابلة للتنفيذ، وقرارات عربية وإقليمية ودولية حاسمة هي الأخرى، وقاطعة في مواجهة العبث الترامبي وهذياناته الصفقوية، الخارجة عن إجماع المجتمع الدولي.
ماجد الشيخ
الحياة اللندنية