منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، يعمل حلفاء واشنطن في المنطقة ليل نهار للضغط على صناع القرار الأميركيين من أجل عدم إنهاء استراتيجية مواجهة النفوذ الإيراني من قبل أن تبدأ، عبر هذه الخطوة التي من المتوقع أيضا أن تمنح المزيد من النفوذ المجاني لروسيا في المنطقة.
وعلى رأس هؤلاء السعودية، التي يقول مراقبون إنها باتت تعمل مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية بشكل مباشر، منذ أن أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز اتصالا هاتفيا مع ترامب، حذره فيه من تبعات الانسحاب المحتمل.
وبعد اجتماع لمجلس الأمن القومي الأميركي، الأربعاء، أرجأ ترامب الحديث عن سحب القوات الأميركية من سوريا، لكنه قال بعد ذلك إن مهمتها ستنتهي هناك “في غضون ستة أشهر من الآن”.
وتثير الخطوة التي أقدم عليها ترامب، في وقت مثير للاستغراب، غضب المؤسسات النافذة في واشنطن، والتي توصف بالدولة العميقة، وتسعى للاحتفاظ بالقرار الأول في السياسات الاستراتيجية التي تخص أمن الولايات المتحدة ومصالحها وحلفاءها.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس″ عن مسؤولين أميركيين، أن اجتماع ترامب ومستشاريه انتهى دون تحديد جدول زمني للبدء في سحب القوات من سوريا.
وأشارت الوكالة إلى أن ترامب لم يجد من يدعم قراره بخصوص سحب القوات الأميركية من سوريا، موضحة أن قادة البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية “يخشون من فراغ السلطة في سوريا في حال تم التسرع في سحب الجنود الأميركيين”.
ويقول محللون في واشنطن إن خطوة كهذه من شأنها أن “تحول الحرب في سوريا من شكل النزاع بين أطراف متصارعة، إلى أزمة وقت يفصل النظام السوري وروسيا وإيران عن إعلان الانتصار التام”.
وسيؤدي هذا إلى دفن مسار الحل النهائي، القائم على بيان جنيف والقرار الأممي 2254، الذي كان يمثل ذات يوم موطئ القدم السياسي الوحيد للغرب في المعادلة السورية. لكن تبعاته الجيواستراتيجية لن يكون بمقدور المنطقة تحملها.
ويعني إنهاء وجود القوات الأميركية في الشمال السوري خصوصا وضع ضغط هائل على القوات الأميركية في العراق، التي يعول عليها كثيرا في أن تكون خط الدفاع الأول، إذا ما قررت الولايات المتحدة الدخول في مواجهة حقيقية مع إيران. كما سيؤدي أيضا إلى تراجع المكاسب العسكرية الأميركية ضد تنظيم داعش، وترك أكراد سوريا فريسة سهلة للإيرانيين وقوات الرئيس بشار الأسد.
لكن الثمن الأكبر يكمن في تحقيق حلم إيران بتعزيز تواجدها طويل الأمد على الأراضي السورية. وقال دبلوماسيون غربيون “سلوك ترامب قد يؤدي إلى تسليم سوريا كرهينة لإيران لعقود قادمة”.
وإذا ما تحقق ذلك، فسيكون ترامب قد سار على خطى سلفه الرئيس باراك أوباما، نحو نفس النتيجة، لكن بسياسات مختلفة.
وأضفى أوباما شرعية دولية على التحركات الإيرانية عبر توقيع الاتفاق النووي مع طهران عام 2015. وأدى ذلك إلى إخراج إيران من عزلة، لطالما عانت من تبعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وبسحب القوات الأميركية من سوريا، فسيكمل ترامب، دون أن يدري، ما بدأه أوباما عبر إفساح المجال أمام إيران لتحويل خططها إلى واقع.
كما سيؤدي إلى خلط أوراق مايك بومبيو، وزير الخارجية الجديد الذي ينتظر تصديق الكونغرس على تعيينه، وجون بولتون مستشار الأمن القومي، الذي سيتولى مهامه بشكل رسمي خلال أيام.
وقال مسؤول أميركي سابق “ترامب يريد أن يظهر للصقور في إدارته أنه الشرطي هنا، وليس أي أحد آخر”.
وأضاف “صمت موسكو حيال ضجيج ترامب بخصوص القوات في سوريا يعكس عدم اقتناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكبير بأن ذلك من الممكن أن يحصل هكذا ببساطة”.
وشكك الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال قمة أنقرة التي عقدت، الأربعاء، وجمعته بنظيريه الروسي والتركي، في انسحاب الولايات المتحدة من سوريا.
وقال المسؤول الأميركي السابق “خصوم واشنطن لا يصدقون أن التفاحة من الممكن أن تقع في حجورهم دون أن يبذلوا أي مجهود. أعتقد أن ترامب بهذا القرار يعمل لصالح روسيا وإيران أكثر من مهمته التي من المفترض أنها حماية مصالح الولايات المتحدة”.
العرب اللندنية