لندن – لم تهدف الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فجر السبت، على مواقع سورية مختلفة إلى إحداث تغيير عسكري أو سياسي في سوريا، وكانت أقرب إلى استعراض بغايات سياسية داخلية وخارجية في الدول التي نفذتها مع بعث رسائل إلى روسيا وإيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويرى محللون سياسيون أن الهجوم الثلاثي استعاد أسلوب عملية “ثعلب الصحراء” ضد العراق في 1998 تحت يافطة مكافحة استخدام الأسلحة الكيمياوية، ولكن في شكل عملية محدودة طالت مواقع عسكرية مهدمة بفعل الحرب، فضلا عن مراكز بحثية وعلمية مهجورة بعد التحذيرات الغربية بالهجوم.
ويعتبر المحللون أن الضربات أخرجت الجميع بمثابة “المنتصر”، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب نفذ تهديداته، ولو بشكل محدود يحفظ ماء الوجه. كما أن الهجوم حرص على مراعاة مصالح روسيا وتجنب استهداف مواقعها، ولم يحرج إيران باستهداف مواقعها ومواقع الميليشيات الحليفة لها في سوريا، وأعطى للأسد الفرصة ليبدو في ثوب من خرج “منتصرا” في المعركة طالما أن نظامه قائم ولم يتضرر، وهو أحد الضوابط التي تمت مراعاتها في الهجوم.
ونشرت الحكومة السورية لقطات فيديو يظهر فيها الأسد لدى وصوله إلى مكتبه، في رسالة على أنه لا يزال قويا ومتحديا.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إنّ الهدف من الضربات العسكرية الغربية “ليس تغيير النظام السوري أو الانخراط في حرب أهلية”. وأضافت ماي في مؤتمر صحافي أنّ الهدف من الضربات “ردع نظام بشار الأسد، وضمان عدم استخدام الأسلحة الكيمياوية في سوريا مستقبلا”.
وفيما اعتبر الرئيس الأميركي أن “المهمة أُنجزت”، وأنه “ما كان من الممكن تحقيق نتيجة أفضل”، أعلنت موسكو أن أنظمة الدفاع الجوي السوري اعترضت العشرات من الصواريخ خلال الهجوم.
وأكد البنتاغون أن العملية “ضربت كل الأهداف بنجاح”، وأنها كانت “دقيقة وشاملة وفعالة” وستعيد برنامج الأسلحة الكيمياوية التابعة للنظام السوري سنوات “إلى الوراء”.
وأشار وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى أن “الأماكن التي استهدفت هدفها على وجه التحديد إضعاف قدرات الجيش السوري على إنتاج أسلحة كيمياوية”. وأضاف “لم تكن هناك محاولة لتوسيع عدد الأهداف”.
وأكد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جو دانفورد “حددنا هذه الأهداف بدقة بغرض التقليل من خطر تورط القوات الروسية” مشيرا إلى عدم تحذير موسكو مسبقا بالأهداف التي تم اختيارها.
وأعلن دانفورد أن لا خطط في الوقت الحالي لشن عملية عسكرية أخرى، مشيرا إلى أن حلفاء الولايات المتحدة حرصوا على عدم استهداف القوات الروسية المنتشرة في سوريا.
وجاءت العملية العسكرية محدودة وحرصت القوى الغربية على عدم المس بالقوات الروسية الموجودة في سوريا إلى جانب قوات النظام.
وقللت المعارضة السورية من أهمية الضربات الغربية، في وقت اعتبرها فصيل جيش الإسلام المعارض الذي كانت مدينة دوما تعدّ معقله الأبرز قرب دمشق، “مهزلة”.
وقال القيادي البارز في جيش الإسلام محمد علوش في تغريدة على موقع تويتر إن “معاقبة أداة الجريمة وبقاء المجرم مهزلة”، في إشارة إلى الأسد الذي اتهمت قواته بتنفيذ هجوم كيمياوي قبل أسبوع في مدينة دوما.
واعتبر رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة نصر الحريري في تغريدة على تويتر “ربما لن يستخدم النظام السلاح الكيمياوي (السارين) مرة أخرى، لكنه لن يتردد في استخدام الأسلحة التي سمح له المجتمع الدولي باستخدامها كالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والصواريخ المجنحة والكلورين بكميات قليلة”.
وأعلن رئيس إدارة العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، سيرجي رودسكوي أن الدول الغربية استخدمت في ضرب سوريا 103 صواريخ كروز بما في ذلك توماهوك، طبقا لما ذكرته وكالة سبوتنيك الروسية.
وقال رودسكوي “وفقا للمعلومات، تم استخدام 103 صواريخ بما في ذلك صواريخ توماهوك، وكذلك قنابل مسيرة من نوع “جي.بي.يو-38، وطائرات من نوع بي1.بي، وأف16، وأف15، وصواريخ جو-أرض، وطائرات تورنادو التابعة لسلاح الجو البريطاني، وثمانية صواريخ سكالب إي.جي”.
واستهدفت الضربات مرفق أبحاث علمية في دمشق، ومرفق تخزين للأسلحة الكيمياوية غرب حمص (وسط)، ومجمعا عسكريا هو عبارة عن قاعدة صواريخ قديمة على بعد 24 كلم غرب حمص أيضا.
وأوضحت وزارة الدفاع البريطانية أن مقاتلاتها “أطلقت صواريخ ستورم شادو” على هذا المجمع الذي “يفترض أن النظام يحتفظ فيه بأسلحة كيمياوية” بناء على “تحليل علمي دقيق جدا”، من أجل تأمين الحدّ الأقصى من تدمير الترسانة الكيمياوية السورية.
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن “مراكز البحوث العلمية” و”القواعد عسكرية ومقرات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في دمشق ومحيطها” التي تم استهدافها في الضربات كانت خالية إلا من بعض عناصر الحراسة، إذ “تم إخلاؤها بالكامل” قبل ثلاثة أيام.
وأكدت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أن “قدرة تطوير وإنتاج الأسلحة الكيمياوية هي التي تضررت”، فيما أكد وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان أن “جزءا كبيرا من الترسانة الكيمياوية” التابعة للنظام السوري “تم تدميره” في الضربات.
العرب