يحاول القادة العرب بلورة استراتيجية جديدة خلال انعقاد القمة العربية التاسعة والعشرين في السعودية، لمواجهة أزمات المنطقة، فيما يبدو أنها فرصة أخيرة لإعادة التوازن إلى المنطقة التي تتحلل ببطء، ويفقد العرب أي تأثير لهم فيها.
ودفع ذلك المجتمعين، في مدينة الظهران شرقي السعودية، إلى إرساء ملفين رئيسيين سيشكلان ملامح مبادرة “تعزيز الأمن القومي العربي” التي طرحها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ودعمها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في خطابه.
والملف الأول هو إعادة القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى موقعها كمركز لقضايا المنطقة، وانعكس ذلك في إطلاق العاهل السعودي على القمة اسم “قمة القدس″.
وتعيد هذه التسمية إلى الأذهان تسمية “قمة المسجد الأقصى” التي أُطلقت على قمة انعقدت عام 2000 في القاهرة بالتزامن مع انتفاضة الفلسطينيين الثانية، وتعكس أيضا رغبة في تدارك تراجع الاهتمام بالقضية التاريخية في ظل أزمات تعصف بالعراق وسوريا واليمن وليبيا في مرحلة ما يعرف بـ”الربيع العربي”.
والعامل المشترك في كل هذه الأزمات هو إيران، التي يشكل تقويض نفوذها في المنطقة الملف الرئيسي الثاني، على أجندة القمة، التي تتزامن مع إجراء مناورات “درع الخليج المشترك 1″ على الأراضي السعودية، بمشاركة 24 دولة.
وإقامة القمّة في مدينة تبعد عن إيران 250 كلم فقط، إلى جانب المناورات، رسالة إلى إيران المقبلة على مواجهة واسعة النطاق في المنطقة، من المتوقع أن تبدأ بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر المقبل عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع من قبل الدول الكبرى مع إيران.
وتشكل عقلية الإدارة الأميركية المتشددة إزاء إيران ملامح المواجهة، التي تتزامن مع صعود محور عربي جديد، بقيادة السعودية ومصر والإمارات، يعكف على وضع أسس مشروع عربي بديل لمشروعين تركي وإيراني موازيين في المنطقة.
ويشمل هذا المشروع إعادة التوازن السياسي إلى لبنان، ودفع النفوذ الإيراني في العراق، ومحاولة المشاركة في الحل السياسي للأزمة السورية، ودحض الحوثيين في اليمن، إلى جانب تقويض تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة وداعميها في المنطقة.
وتتطلع الرياض والقاهرة وأبوظبي إلى البدء ببناء نفوذ جديد في بغداد، وحسم الملف اليمني كأولوية.
لكن هذا المحور الثلاثي، تحت قيادة جيل جديد من الحكام يفكر بطريقة مختلفة عن أسلافه، يصطدم بنزعات ترامب، المستعد لتقديم تنازلات بلا حدود لإسرائيل على حساب الفلسطينيين.
ويدرك القادة العرب أن الوقت قد حان لاستعادة مركزية القضية، بعد إعلان ترامب في ديسمبر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. ودفع ذلك محللين إلى الاعتقاد بأن ترامب يسير على النهج التاريخي للقوى الإقليمية التي لطالما وظفت القضية الفلسطينية في كسب تموضع جيواستراتيجي في المنطقة، أو تحقيق مكاسب سياسية في الداخل.
وبعد عقود من تحوّل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى جوهر التنافس بين القوى العربية، أصبح بدوره محركا لصعود وتراجع قوى إقليمية غير عربية، على رأسها إيران وتركيا، اللتان تمكنتا من كسب نفوذ كبير في العالم العربي من خلال خطاب تاجر كثيرا بالقضية الأهم في وجدان العرب.
وجدد الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته الافتتاحية للقمة التاسعة والعشرين التأكيد على “استنكار ورفض” قرار الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها. وقال “نؤكد على أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية”.
كما دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كذلك إلى الوحدة الفلسطينية، قائلا “آن الأوان لرأب الصدع غير المبرر واستعادة وحدة الصف الفلسطيني”.
ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمته إلى أن خطة السلام التي سبق أن طرحها، تستند إلى المبادرة العربية، وتدعو إلى “عقد مؤتمر دولي للسلام العام الجاري، يقرر قبول دولة فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة، وتشكيل آلية دولية متعددة الأطراف، لرعاية مفاوضات جادة تلتزم بقرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترة زمنية محددة، بضمانات تنفيذ أكيدة، وتطبيق المبادرة العربية كما اعتمدت”.
وبذلك يجد العرب أنفسهم في مأزق عدم توفّر خيارات سوى الوقوف في وجه الإدارة الأميركية والدفاع عن حق الفلسطينيين في عودة اللاجئين والاستيطان ومسألة القدس، وفي الوقت نفسه الحاجة إلى الدعم الأميركي والغربي لحصار النفوذ الإيراني.
ويقول محللون إن هذه القمة تسعى إلى تجهيز المنطقة للتغيرات الحادة التي ستشهدها هذا العام، كما تبدو فرصة وحيدة تلوح أمام الدول العربية، خصوصا تجاه إيران.
وتكمن هذه الفرصة في إعادة نظر الغرب لعلاقاته مع إيران، وتبني مقاربة متشددة لحلفائها، خصوصا بعد الضربة العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لنظام الأسد فجر السبت الماضي.
صحيفة العرب اللندنية