بدأ العد التنازلى للمواجهة الواسعة بين إيران وإسرائيل، والتى انطلقت أولى شراراتها فى العاشر من فبراير الماضى عندما أسقطت إسرائيل طائرة إيرانية مسيرة، قالت إسرائيل إنها كانت تحمل متفجرات، وتنوى ضرب مواقع إسرائيلية، بينما قالت إيران إن الطائرة كانت فى مهمة استطلاعية لمواقع الجماعات المسلحة فوق القنيطرة السورية، لكن الشرارة الأخطر كان الهجوم الجوى الإسرائيلى على قاعدة «تى فور» شرق سوريا فى التاسع من أبريل الماضي، والتى سقط فيها سبعة من مقاتلى الحرس الثورى الإيراني، وتوعدت طهران بالرد على الهجوم الإسرائيلى الأول من نوعه على القوات الإيرانية فى سوريا، لكن لماذا تأخر الرد الإيراني؟ تعتقد إيران أن إسرائيل تريد تحديد موعد المواجهة وفق ما يناسبها، لكن طهران لديها الكثير لتنجزه قبل أن تدخل فى مواجهة لم تكتمل تجهيزاتها، خاصة أنها تنتظر القرار الأمريكى المتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي، وحتى لا تعطى غطاء للقرار الأمريكي، وتؤكد أن الولايات المتحدة هى التى مزقت الاتفاق الدولى الذى أبرمته طهران مع الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا، وهو ما يعطى طهران الحق فى الرد بالخروج من الاتفاق، والعودة إلى تخصيب اليورانيوم، كما تنتظر طهران الانتهاء من القضاء على الجماعات المسلحة فى جنوب دمشق، حتى لا تكون شوكة فى خاصرة العاصمة السورية عند اندلاع أى مواجهة، وقد أوشكت المرحلة الأولى منها على الانتهاء، ويتبقى عدد من المواقع المحدودة فى ريف درعا ووادى اليرموك والقنيطرة، بالإضافة إلى استكمال إنشاء عدد من مصانع ومواقع إطلاق صواريخ أرض أرض ونشر صواريخ الدفاع الجوى الإيرانية الصنع بافار 373 فى عدد المواقع شرق ووسط سوريا، وصواريخ أرض بحر على الشاطئ السوري، إلى جانب انتهاء الانتخابات العراقية فى 12 مايو، والتى من المتوقع أن تعزز الروابط الإيرانية العراقية، وقبلها تجرى اليوم الانتخابات اللبنانية، والضرورية لتثبيت مكانة حزب الله فى لبنان.
الجهود الروسية لنزع فتيل المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب باءت بالفشل مرارا، فلا إسرائيل رضيت حتى الآن بوقف دعمها للجماعات المسلحة فى القنيطرة وريف درعا، ولا سوريا وإيران تقبلان باستمرار حالة وقف التصعيد، وإبقاء تلك المناطق تحت سيطرة الجماعات المسلحة، لكن الأزمة الأكبر تكمن فى الحدود السورية العراقية، والتى ترى إسرائيل أن بقاءها مفتوحة، يسمح لإيران بالتمدد البرى إلى سوريا ولبنان، وقد فشلت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة فى إغلاق الحدود والتقدم إلى البوكمال، كما فشلت عدة محاولات انطلقت من قرب الحدود الأردنية نحو شرق البادية السورية لإغلاق الحدود، بينما تعززت قوات الجيش السورى وحلفائه، مدعومة بقوات الحشد الشعبى فى الجانب العراقي، وأصبح إغلاق الحدود السورية العراقية أمرا بالغ الصعوبة من الناحية العسكرية.
أما كلمة السر فى المواجهة الأوسع بين إسرائيل وإيران فهو سقوط الاتفاق النووي، والذى يتيح للولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، لكنه يحمل فى الوقت نفسه مخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي، خاصة بعد أن ترفض إيران استمرار مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمواقع تخصيب اليورانيوم، وأن تعيد إنتاج اليورانيوم المخصب بتقنيات أكثر تقدما وبوتيرة أسرع، ولهذا لن يكون الوقت فى مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، وسيصبح توجيه ضربة عسكرية إلى طهران أكثر إلحاحا من أى وقت مضي، وهنا تكمن المجازفة الكبري، فأى ضربة لن تكون مؤثرة إلا إذا كانت واسعة ومكثفة وتشمل جميع مواقع الصواريخ البالستية الإيرانية، إلى جانب مواقع تخصيب اليورانيوم، وهى مهمة صعبة للغاية، لوجود تلك المواقع فى مناطق محمية بالجبال، وسيكون الرد الإيرانى قويا، وقد لا يكتفى بتكثيف إطلاق الصواريخ على العمق الإسرائيلي، وإنما للقواعد الأمريكية فى منطقة الخليج، والقوات الأمريكية فى شرق الفرات وجنوب سوريا، وهو ما يعنى أن تتحول المواجهة المحدودة إلى حرب واسعة، لا يمكن التنبؤ بحجم الدمار الذى ستخلفه.
إن كبح مثل هذه الحرب المدمرة يحتاج إلى معجزة سياسية، توقف أولا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أو على الأقل تجمده لتفتح باب التفاوض، وهو ما تسعى إليه كل من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وأن تقبل إسرائيل بأن تدخل القوات السورية إلى المواقع التى يسيطر عليها المسلحون فى درعا والقنيطرة، مقابل أن تبتعد القوات الإيرانية عن تلك المناطق، وهو ما يمكن أن ينطبق على المنطقة الواقعة شرق الفرات، والتى توجد فيها 6 قواعد أمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية، فى إطار حل سياسي، يقضى بإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف دولي، وبدون هذه الحزمة من التسويات لن يكون بالإمكان وقف الصدام المدمر، أو على الأقل تأجيله إلى إشعار آخر.
مصطفى السعيد
الاهرام