أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه اتخذ قراره النهائي بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وبالرغم من عدم كشف تفاصيل الرؤية الجديدة للرئيس ترمب، فإن المعتَقد أنها ستتضمن سحب موافقة أميركا على الاتفاق النووي الإيراني بحجة أن هذا الاتفاق ليس في مصلحة الولايات المتحدة.
ورغم التأثيرات المتوقعة لهذا القرار، فإن العالم كان مستعدا له منذ أن فاز ترمب برئاسة أميركا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إذ ظل يسخر باستمرار من الاتفاق ويصفه بالغبي وبصفقة الخاسرين وبـ”أسوأ الصفقات التي شهدها في حياته”.
والواقع أن سحب أميركا موافقتها على الاتفاق النووي لا يلغيه تلقائيا، إذ إن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. في الموضوع التالي الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست -وهو من إعداد أماندا إريكسون- أجوبة عن العديد من الأسئلة المتعلقة بتأثيرات سحب الولايات المتحدة موافقتها على الاتفاق النووي.
– لماذا يريد ترمب سحب موافقة بلاده على الاتفاق؟
بكل المقاييس، نفذت إيران كل شروط الاتفاق النووي، وأكد المسؤولون الأميركيون ذلك واتفق معهم الحلفاء الأوروبيون. وزارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية -التابعة للأمم المتحدة التي تراقب تنفيذ الاتفاق- إيران عدة مرات، وشهدت بأنها تقوم بتفكيك برنامجها النووي وفق شروط الاتفاق. والأسبوع الماضي، عبّر وزير الدفاع الأميركي ورئيس هيئة الأركان عن دعمهما للاتفاق أمام الكونغرس.
لكن الرئيس الأميركي وإدارته يقولون إن إيران لم تلتزم بروح الاتفاق، وهو ما يعتبرونه عدم التزام به.
وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وآخرون قد قالوا إن إيران لم تساهم إيجابيا في السلام والأمن بالمنطقة والعالم، وهو توقع مضمّن في مقدمة الاتفاق، وأشاروا إلى أنها لا تزال تدعم مجموعات مسلحة مثل حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومليشيات في سورياواليمن، كما أنها استمرت في تجاربها على الصواريخ العابرة للقارات، وهو أمر يؤرّق الأمم المتحدة، رغم أن هذه التجارب لا تمثل انتهاكا للاتفاق.
– ما الذي تعنيه عمليا الموافقة على الالتزام بالاتفاق؟
يطلب الكونغرس الأميركي من الرئيس أن يعطي موافقته على الاتفاق كل تسعين يوما، وقد منح ترمب موافقته مرتين، وموعده المقبل هو يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول. ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية إن ترمب قرر ألا يوافق على الاتفاق، بحجة أن الاستمرار في الموافقة لا يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ولا يعني ذلك في حد ذاته شيئا كثيرا. فإذا لم تفرض أميركا عقوبات جديدة، فلن تكون -من الناحية الفنية- قد انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاق. وكانت صحيفة واشنطن بوست قد أوردت أن ترمب لن يوصي بأن يفرض الكونغرس عقوبات جديدة.
ومن المفارقة، أن الإدارة الأميركية كان بإمكانها إلغاء الاتفاق دون مساعدة من الكونغرس، فهي تصدر كل 120 يوما قرارات لكي لا يتم تجديد فرض العقوبات، وإذا لم تفعل ذلك، فستكون هذه الإدارة قد بدأت العقوبات من جديد من جانب واحد في يناير/كانون الثاني المقبل.
وقد اختار الرئيس ألا يفعل ذلك، وفسر زملائي هذه المناورة بأنه “موقف وسط بين ترمب الذي ظل لفترة طويلة يرغب في الانسحاب من الاتفاق نهائيا، وبين كثير من قادة الكونغرس وكبار المستشارين الدبلوماسيين والعسكريين ورجال مجلس الأمن القومي الذين يقولون إن الاتفاق يستحق الحفاظ عليه مع بعض التعديلات”.
– هل يقرر الكونغرس إعادة فرض العقوبات؟
إذا قرر ترمب عدم الموافقة على الاتفاق، فلدى الكونغرس ستون يوما ليقرر ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات على إيران، تلك العقوبات التي تم تعليقها مقابل أن تجمد طهران برنامج أسلحتها النووية.
ويبدو أن ذلك غير ممكن، فالكونغرس بحاجة إلى 51 صوتا لفرض تلك العقوبات. لكن يبدو كأن الجمهوريين ليست لديهم الأصوات الكافية لتمرير ما يريدون، فقد ورد أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لا يرغب في إضافة قضية مثيرة للخلاف إلى جدول الأعمال التشريعي، خاصة مع انتخابات نصف الفترة الرئاسية والتي هي على الأبواب.
كما أعلن كل من الشيوخ الجمهوريين: جيف فليك وجون ماكين وسوزان كولينز، أنهم لم يقرروا بعد مواقفهم من العقوبات. وقال السيناتور بول راند، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس إدوارد رويس إنهما لا يعتقدان أن من الصواب أن ينسحب ترمب من الاتفاق. أما الديمقراطيون فيبدو أنهم جميعا يعارضون العقوبات.
بالتالي، من الصعب تخيل أن الجمهوريين يملكون الأصوات التي يحتاجون لها لفرض أية عقوبات جديدة.
– إذن ما الذي يحاول الرئيس تحقيقه؟
كثير من المؤيدين لعدم الموافقة على الاتفاق النووي لا يعتقدون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة فرض عقوبات، ويعولون على أن إدارة ترمب بإمكانها استخدام العملية لإقناع الحلفاء الأوروبيين بالوقوف مع واشنطن في المطالبة بصفقة أقوى مع إيران.
ففي حديث أمام مجلس العلاقات الخارجية الأسبوع الماضي، أوضح السيناتور الجمهوري توم كوتون ذلك. فقد طالب بتشريع “بنود زمنية” تلغي النص الذي يقول برفع القيود على بعض الأنشطة النووية الإيرانية بعد عدة سنوات، كذلك رأى أن هناك ضرورة لأعمال تفتيش أكثر تشددا ولقيود جديدة على برنامج إيران للصواريخ العابرة للقارات وصواريخ كروز.
– هل يوافق الحلفاء الأوروبيون؟
من الصعب تأكيد ذلك، لكن المؤشرات المبكرة تقول إذا انسحبت أميركا من الاتفاق، فستنسحب وحدها.
وتقول الأطراف الأخرى المشاركة في الاتفاق، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن الاتفاق مفيد و”لن نتبع أميركا في التنصل من التزاماتنا الدولية بموجب هذا الاتفاق”. وأبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الصحفيين الخميس الماضي بأن “من المهم جدا الحفاظ على الاتفاق بصورته الراهنة، وبالطبع فإن مشاركة الولايات المتحدة ستكون مهمة في هذا المجال”.
ليس من الواضح تماما كيف يمكن أن يكون رد فعل المجتمع الدولي على ترمب، لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن أميركا إذا انسحبت من الاتفاق فستعزل نفسها عن حلفائها وتضعف موقفها في الخارج.
وكما أورد زملائي:
قرار ترمب بعدم الموافقة على الاستمرار في الاتفاق النووي سيكون أكثر الأمور التي تهدد الانسجام عبر الأطلنطي هذا العام، ومن الممكن أن يطلق هذا القرار سلسلة من الأحداث التي تتسبب في إبعاد الولايات المتحدة بقوة عن حلفائها التقليديين في العالم.
وقال أحد كبار المسؤولين الثلاثة الأوروبيين الموقعين على الاتفاق النووي إنه وبعد قرار ترمب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ -وهي الاتفاقية التي تم التوصل إليها بعد نقاشات مؤلمة وحصلت على موافقة واسعة من دول العالم- فإن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني سيدفع بعمليات التفاوض المتعددة الأطراف إلى نقطة الانهيار.
– كيف يكون رد فعل مجتمع رجال الأعمال؟
بما أن الاتفاق مع إيران تم التوقيع عليه في 2015، فإن العديد من الشركات الكبيرة قد بدأت إنشاء أعمال في إيران، وأي عقوبات جديدة من قبل أميركا ستجعل الأمور أكثر صعوبة، كما أوضح فوكس.
أي عقوبات جديدة ستفرض على حلفاء أميركا الاختيار بين التعامل تجاريا مع إيران أو مع الولايات المتحدة. وقد بدأت إيران في إعادة اندماجها مع الاقتصاد العالمي منذ العام الماضي، وطورّت روابط تجارية مفيدة مع شركات كبيرة مقيمة في الدول التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران.
وعلى سبيل المثال، وقعت إيران هذا الصيف اتفاقية بقيمة خمسة مليارات دولار مع شركة توتال الفرنسية ومؤسسة النفط الوطنية الصينية الحكومية، لتطوير حقل بارس الجنوبي للغاز الطبيعي. وكان الاتحاد الأوروبي قد بدأ بالفعل يتخذ خطوات لحماية أعماله التجارية من أي رد أميركي، ويبحث المسؤولون الأوروبيون في الإجراءات التي اتخذت في التسعينيات لحماية الشركات والأفراد من العقوبات الأميركية الثانوية.
وربما تكون العقوبات الأميركية قد سهلت على الشركات الأوروبية المنافسة في إيران. وقال روبرت لتواك عضو مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الخبير في الأمن الدولي بمركز وودرو ويلسون -لقناة “سي أن بي سي”- إن سحب أميركا موافقتها من الاتفاق النووي لن ينهي بالضرورة الاتفاق، وما سيحدث هو فقط أن الولايات المتحدة لن تعود شريكا فيه، وإن الأوروبيين لن يعودوا للعقوبات سريعا. وإذا مكّن الانسحاب شركة إيرباص من التغلب على شركة بوينغ الأميركية في المنافسة بإيران، فسيكونون سعداء لذلك.
– كيف يمكن أن ترد إيران؟
قال الرئيس الإيراني حسن روحاني الشهر الماضي إنهم لن يعيدوا فتح المفاوضات، وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده ستفكر في الخروج من الاتفاق إذا انسحبت منه الولايات المتحدة.
وكما أوردت “سي أن بي سي”، فقد ذكر مايكل أوهانلون الخبير في السياسة الخارجية بمعهد بروكنغز أن أميركا إذا انسحبت من الاتفاق، فإن الكرة ستذهب فورا إلى المحاكم الإيرانية، وسيكون للإيرانيين نصيبهم من الكعكة أيضا، موضحا أن من الممكن أن تحصل إيران على الفوائد التي حصلت عليها بموجب الاتفاق، وبالتحديد تصدير النفط، وبعد سنوات ستحاجج بأن الاتفاق لاغٍ بسبب عدم التزام الولايات المتحدة به، ومن ثم يمكنها استئناف النشاط النووي.
هذا ليس باحتمال جذاب لصانعي القرار الأميركيين، لأنه سيفرض عليهم الاختيار بين أن يهاجموا المرافق النووية الإيرانية أو الدفع نحو عقوبات جديدة من قبل مجموعة من الدول التي من المؤكد أنها ستتردد في التخلي عن الروابط التجارية مع إيران.
الجزيرة