قبيل قرابة 32 يوماً فقط من الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المبكرة والحاسمة بدأت مراكز الأبحاث والاستطلاعات تسرع جهودها لتقديم صورة أوضح عن حظوظ المرشحين للانتخابات الرئاسية وذلك عقب اكتمال التحالفات وصدور اللائحة النهائية لمرشحي الرئاسة.
وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى من هذه المراكز محسوبة على أحزاب سياسية ومتهمة بأنها تقدم معلومات مضللة أو موجهة للمساعدة في تعزيز حظوظ مرشحي الأحزاب التابعة لها، إلا أن هناك قواسم مشتركة بين نتائج هذه المراكز بدأت تعطي تصوراً أوضح عن سيناريوهات الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو المقبل.
وقبل أيام أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا اللائحة النهائية للمرشحين الذين سيخوضون فعلياً الانتخابات الرئاسية، وهم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان مرشحاً عن «تحالف الجمهور» الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية الحاكم، والحركة القومية، والوحدة الكبرى.
في المقابل فشلت المعارضة التي نجحت في تشكيل تحالف انتخابي في الانتخابات البرلمانية فشلت في التوافق على مرشح موحد للانتخابات الرئاسية وقدم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارض «محرم إنجي» مرشحاً له، فيما قدم حزب «الجيد» ميرال أكشينار، وحزب السعادة «تمل قره ملا أوغلو»، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي رئيسه «صلاح الدين ديمرطاش» وأخيراً قدم حزب الوطن رئيسه «دوغو برينجيك» مرشحاً له للانتخابات الرئاسية. ولتبسيط المعادلة، يمكن استبعاد مرشح حزب الوطن الذي لا تعطيه أفضل الاستطلاعات أكثر من 2٪ من أصوات الناخبين، ومرشح حزب السعادة الذي لا يحصل أيضاً على أكثر من 2% من الأصوات، واعتبار أن المنافسة فعلياً ستكون بين ٤ مرشحين فقط. ومن بين الأربع المرشحين الأساسيين، لم يشكك أي مركز دراسات أو نتائج استطلاع رأي بأن أردوغان ما زال يتمتع بأعلى نسبة من أصوات الناخبين، وبالتالي فإنه من المسلم به أن أردوغان ما زال يتمتع بأعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى، وينحصر الخلاف حول ما إذا كانت هذه النسبة تُمكن أردوغان من حسم الانتخابات في الجولة الأولى أو لا؟. كما أن أحزاب المعارضة نفسها التي اعترفت بشكل صريح عدم قدرتها على الإطاحة بأردوغان بشكل متفرق ورغم فشلها في التوافق على مرشح موحد، اعتبرت -بشكل غير معلن- أن مهمتها الأساسية سوف تنحصر في الجولة الأولى على تشتيت الأصوات ومنع أردوغان من حسم الرئاسة بالجولة الأولى وصولاً لعقد جولة ثانية تتوحد فيها المعارضة خلف المرشح الذي سوف يحصل على أكبر قدر من الأصوات بعد أردوغان. الاستطلاعات المقربة من الحزب الحاكم تؤكد على قدرة أردوغان على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، بنسب تفاوتت بين 52 و54 و55% من أصوات الناخبين، وهي النسب التي تعتبر مطمئنة كثيراً في السياسة التركية لا سيما قبيل شهر كامل من موعد إجراء الانتخابات والتغيرات المتسارعة التي يمكن أن تؤثر على توجهات الرأي العام في الأيام الأخيرة.
في المقابل تقول استطلاعات الرأي المقربة من المعارضة إن أردوغان سيفشل في حسم الانتخابات بالجولة الأولى وسيحصل على نسب تفاوت تقديرها بين 43 و48% من أصوات الناخبين، معتبرة أن مرشح المعارضة التوافقي سيتمكن من حسم الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية. وبعيداً عن استطلاعات الرأي المسلم بأنها موجهة من قبل أحزاب الموالاة والمعارضة على حد سواء، وبالنظر إلى آخر انتخابات جرت في البلاد، فقد حصل أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 على 52% من الأصوات، وحصل خياره بالتصويت بنعم في الاستفتاء الدستوري الذي جارى في أبريل من العام الماضي على أكثر من 51% بقليل، وبالمقارنة بهذه النسب يتضح أن أردوغان ما زال يتمتع بنسبة تأييد تفوق الـ50% بقليل، مع الإشارة إلى أنه سيكون مدعوماً في الانتخابات المقبلة من قبل حزبي الحركة القومية والوحدة الكبرى. في المقابل حصل في انتخابات 2014 الرئاسية مرشح المعارضة «أكمل الدين إحسان أوغلو» الذي كان مدعوماً آن ذاك من حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية على 38% من أصوات الناخبين، في حين حصل مرشح الأكراد صلاح الدين ديمرطاش على أقل بقليل من 10% من أصوات الناخبين. وترجح استطلاعات الرأي تراجع نسبة تأييد صلاح الدين ديمرطاش إلى أقل من 9% وحصول ميرال أكشينار على نسبة أعلى بقليل من 10 أو 11%، مقابل حصول محرم إنجي على نسبة تتراوح بين 23 و27٪ من الأصوات. وبموجب جميع المعطيات السابقة، يبدو من المسلم به أن أردوغان ما زال يحظى بأعلى نسبة من التأييد الشعبي في الشارع التركي، وأن المرشح الذي سيحصل على أعلى نسبة أصوات بعد أردوغان هو محرم إنجي مرشح حزب الشعب الجمهوري. وما لا يمكن التسليم به حتى الآن، هو مدى قدرة أردوغان على حسم الانتخابات من الجولة الأولى والحصول على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، ومدى قدرة المعارضة بكافة أطيافها وتوجهاتها المتنوعة على التوحد خلف محرم إنجي في الجولة الثانية -إن حصلت- لتعزيز فرصه في تشكيل تهديد حقيقي على فرص أردوغان بحسم الجولة الثانية.
إسماعيل جمال
القدس العربي