منذ أن شن النظام السوري حملته العسكرية الشاملة في محافظة درعا، بدعم مباشر من روسيا وبقايا ميليشيات إيرانية، وتواطؤ من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، تتضاعف مأساة قرابة 300 ألف نسمة من أبناء المحافظة اضطروا إلى النزوح من قراهم وبلدانهم ومدنهم، فوقعوا بين مطرقة القصف الوحشي وسندان الحدود المغلقة والصمت الدولي المطبق.
في الوقت ذاته شهدت العاصمة البلجيكية بروكسيل قمة للاتحاد الأوروبي خُصصت لبحث مسألة الهجرة، وانطوت على مفاوضات شاقة بين فريق أول يسعى إلى معالجة المشكلة من زاوية إنسانية عبر اتخاذ تدابير وقائية ومراقبة الحدود وتعديل قوانين اللجوء، وفريق ثانٍ متعنت يدعو إلى رفض استقبال المزيد من اللاجئين ويطالب بتشديد الرقابة على البحار ومنافذ الهجرة. ولذلك لم يكن غريباً أن تخرج القمة بتوصيات توفيقية حول تقسيم المهاجرين إلى حصص تقبلها الدول الأوروبية أو ترفضها طوعياً، وافتتاح مراكز «فرز» و«توزيع» خاضعة للمراقبة داخل الاتحاد، وإنشاء «منصات» استقبال خارجه، وتجميد العمل مؤقتاً باتفاقية دبلن التي تفرض على بلدان الوصول تحمل مسؤولية البت في طلبات اللجوء، بالإضافة إلى العقار المهدئ المعتاد المتمثل في تقديم 500 مليون يورو مساعدة للاتحاد الأفريقي.
لكن القمة أغفلت الإشارة إلى احتشاد قرابة 70 ألف مهجر سوري على الحدود الأردنية، وبالتالي تجاهلت مجدداً واحداً من أبرز جذور مشكلة النزوح والهجرة، أي سعي المدنيين العزل إلى النجاة بعوائلهم وأنفسهم هرباً من وحشية الدكتاتوريات وأهوال الحروب، وهذا حق جوهري ومبدئي كفله القانون الدولي والتزمت به الأمم ذاتها التي تزعم رفع راية حقوق الإنسان. كذلك لم يتوقف الزعماء الأوروبيون عند أمر واقع هو أن الأردن يستقبل لتوه نحو 650 ألف لاجئ سوري، ومن الخير تمكينه مادياً ولوجستياً لاستقبال المزيد، والاقتداء بالمبادرات الأردنية الشعبية التي هبت لإغاثة النازحين السوريين حتى من وراء الحدود المغلقة.
وثمة أمر يلفت الانتباه، وهو أن أرقام المهاجرين آخذة في الانخفاض، وليس الازدياد كما توحي أجواء الاحتقان التي سادت قمة بروكسيل. الإحصائيات تقول إن أوروبا استقبلت هذا العام 43,000 لاجئ، مقابل 172,362 العام الماضي، وقرابة مليون في العام 2015. لكن إجراءات التقييد، والإجراءات القاصرة في مكافحة تهريب البشر، تسببت في غرق 12,397 لاجئ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وهذا يُلزم الديمقراطيات الغربية باتخاذ سياسات أكثر صواباً، أي أكثر قانونية في الواقع، تستأنس بمعطيات هذه الأرقام لجهة هبوط أعداد اللاجئين وارتفاع أعداد الضحايا.
ومن نافل القول إن التذرع بتدفق اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي كان ذريعة كبرى اعتمدتها أحزاب اليمين المتطرف والعنصري من اجل تسعير خطابات الكراهية والعداء للأجانب، وتصعيد حظوظها في اجتذاب ناخب تائه بين مآزق الاقتصاد والبطالة من جهة، والتقوقع والتعصب من جهة ثانية. هذه هي الحال اليوم في إيطاليا والنمسا وهنغاريا وبولندا وتشيكيا، وقد تكون مخاطر مماثلة كامنة في بلدان أخرى كما تشهد على ذلك الأزمة الأخيرة بين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وشريكها في الحكم «الاتحاد الاجتماعي المسيحي».
هجرة أقل وعنصرية أكثر، هكذا تختل المعادلة، وهنا يتوجب البحث عن الأسباب.
القدس العربي