لا شيء يمنع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البصرة بجنوب العراق، من التوسّع إلى محافظات أخرى ليست أفضل حالا من البصرة لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا أمنيا، وهو ما تخشاه حكومة بغداد وتسابق الزمن لمنع حدوثه بإغداق الوعود السخية على سكان المناطق المنتفضة.
البصرة (العراق) – سارع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الجمعة، إلى زيارة محافظة البصرة بجنوب العراق، حيث اندلعت موجة احتجاجات عارمة، مرتبطة بالأوضاع الاجتماعية السيئة في المحافظة، لكنّها بحسب متابعين للشأن العراقي، غير منفصلة عن حالة من الغضب الشعبي المتراكم من تجربة الحكم في البلاد، والتي بدا أنها قد بلغت حدودها القصوى وأصبحت عصية عن الإصلاح والترقيع، بعد أن أنتجت وضعا أقرب إلى الكارثة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
وما يضاعف من حرج الموقف أن الاحتجاجات اندلعت هذه المرّة في جنوب البلاد، المعقل الرئيسي للأحزاب الشيعية الحاكمة، وموطن قواعدها الشعبية، وجاءت في فترة انتقالية قبل تشكيل حكومة جديدة، وبعد انتخابات برلمانية شابتها شبهات تلاعب وتزوير واسعي النطاق، وبرز من خلالها مجدّدا فساد الطبقة السياسية وتكالبها على الحكم وسعيها للوصول إليه بأي ثمن.
وتتحدّث مصادر قريبة من رئاسة الوزراء عن وجود مخاوف جدية لدى حكومة بغداد، من توسّع نطاق الاحتجاجات لتشمل محافظات أخرى في جنوب ووسط وشمال البلاد، ليست أفضل حالا من البصرة في مجال الخدمات ولا في نسبة البطالة، ومستوى الأمن.
وأغدقت حكومة العبادي بالتزامن مع زيارته للبصرة وعودا سخية لسكان المحافظة، عكست سعيها لتطويق موجة الغضب بأي ثمن، وحتى دون التفكير في كيفية توفير الموارد المادية اللازمة لتنفيذ تلك الوعود.
وشكّل العبادي لجنة وزارية لمتابعة الأوضاع في محافظة البصرة أعلنت عن إجراءات عاجلة لتوفير مياه الشرب والطاقة الكهربائية لسكان المحافظة، فضلا عن إيجاد عشرة آلاف وظيفة للعاطين عن العمل بشكل فوري.
ورغم الإعلان عن تلك الإجراءات فقد اتجهت الاحتجاجات نحو التوسّع، وامتدّت الجمعة إلى منطقة أم قصر بأقصى جنوب العراق. وأغلق المحتجّون الطريق المؤدي للميناء وأوقفوا حركة الشاحنات في الاتجاهين.
وتصاعد التوتر في البصرة بعد مقتل متظاهر، الأحد الماضي، برصاص الشرطة خلال محاولتها تفريق تظاهرة قرب حقل للنفط.
وتواصلت الجمعة الاحتجاجات أمام حقل القرنة النفطي في شمال البصرة، وفي وسط المدينة أمام مبنى مجلس المحافظة. وخلال ليلة الخميس-الجمعة شوهد متظاهرون يحرقون الإطارات ويضعون عوائق لقطع الطرق.
وتوجه رئيس الوزراء على عجل إلى البصرة قادما من بروكسل حيث كان يشارك في اجتماع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، واجتمع فور وصوله مع قيادة العمليات العسكرية للمحافظة والمحافظ أسعد العيداني ومدير شركة الطاقة.
ويطالب المتظاهرون في المحافظة النفطية بتوفير فرص عمل للشباب وتأمين الخدمات وخصوصا الكهرباء. ويحمّلون الحكومة مسؤولية تفاقم الوضع بسبب عدم إيجاد حلول.
وأعلنت المرجعية الشيعية العليا تضامنها مع المحتجين، مطالبة الحكومة بإيجاد حلول سريعة. وقال الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، ممثل المرجع الأعلى علي السيستاني، في خطبة صلاة الجمعة في كربلاء “ليس من الإنصاف ولا من المقبول أبدا أن تكون هذه المحافظة المعطاء من أكثر مناطق العراق بؤسا وحرمانا”.
وفي المقابل طلبت المرجعية من المواطنين “عدم اتباع أساليب غير سلمية، وأن لا يسمحوا للبعض من غير المنضبطين أو ذوي الأغراض الخاصة” القيام بعمليات تخريب لأن ذلك “سيعوض من أموال الشعب نفسه”.
وكان وزير النفط العراقي جبار اللعيبي أعلن الخميس أن المتظاهرين حاولوا اقتحام أحد المواقع النفطية في حقل غرب القرنة، وتسببوا في إحراق بعض أبنية البوابة الخارجية.
ويقول بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ممن يبدون مساندتهم لاحتجاجات البصرة، إنّ إلصاق وصمة العنف بالاحتجاجات هدفه تبرير ما يمكن أن يتمّ اللجوء إليه من عنف لقمعها من قبل القوى الأمنية، وحتى من قبل ميليشيات الأحزاب الشيعية الموجودة بكثافة في مناطق جنوب العراق، والحريصة على حماية تجربة الحكم التي تقودها تلك الأحزاب.
وأعلن المرجع الديني محمد مهدي الخالصي، المعروف بانتقاده للعملية السياسية ككلّ ولطريقة الحكم في البلاد تأييده للمطالب المشروعة للمحتجين في البصرة وباقي محافظات العراق، داعيا إلى عدم فسح المجال للكتل السياسية وللفاسدين لاستغلالها الاحتجاجات لأغراض سياسية مريبة.
وقال في خطبة الجمعة “لا أمل في إصلاح جدي إلّا في إطار عملية سياسية وطنية عراقية تنبع من إرادة عراقية حرّة تحقق استقلال الوطن وكرامته وتطلق طاقاته لإعادة إعماره وحفظ سيادة نظامه”.
وغير بعيد عن هذا السياق، اعتبر زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، الجمعة، ما يجري بالبصرة نتيجة لتراكمات سابقة. وقال في تغريدة على تويتر “انتفاضة البصرة ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمية لسوء الإدارة والفشل في التعامل مع أبسط متطلبات أهل المحافظة من قبل الحكومات المحلية والاتحادية المتعاقبة”.
وأضاف “البصرة ليست بحاجة لمسكّنات، بل لحلول جذرية تضع حدا لمعاناة أهلها وفق برامج وخطط حقيقية ضمن توقيتات زمنية محددة”، متسائلا “كيف يكتب للمريض الشفاء إذا استخدمت في علاجه ذات الأدوية التي أدت لتردي وضعه الصحي”.
العرب