قبيل القمة المرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، نقل موقع بلومبرغ أن واشنطنوموسكو تجريان مباحثات مكثفة من أجل التوصل إلى صفقة واحدة على الأقل حسب ما نقل موقع ميدل إيست آي.
ومن شأن التوصل لهذه الصفقة أن يمكّن ترامب من التسويق للقمة على أساس أنها انتصار له، مما يبرر له اتخاذ خطوات في تجاه ترميم العلاقات مع الروس.
وفي حديث مع بلومبرغ أكد مسؤول روسي أن الدور الإيراني في سوريا سيكون على رأس القضايا التي ستتناولها قمة ترامب وبوتين المقررة في هلسنكي في 16 يوليو/تموز الجاري.
هذه التسريبات أكدها أيضا مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون الذي طالما دافع عن ضرورة تغيير النظام الحاكم في إيران.
وفي مقابلة مع تلفزيون “سي بي أس”، قال بولتون “سنرى ماذا يحدث عندما يلتقيان. الاحتمالات قائمة لإجراء مفاوضات مكثفة حول إخراج القوات الإيرانية من سوريا وعودتها إلى إيران، وهو ما سيكون خطوة مهمة إلى الأمام”.
كذلك، نقلت “سي بي أس” عن مسؤول أميركي كبير قوله إن حكومة الولايات المتحدة قررت التركيز على إقناع بوتين لوقف التعاون مع إيران شريكته في ساحة المعركة بسوريا.
هذه التقارير أزعجت القيادة في إيران، مما دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى إيفاد كبير مستشاريه علي أكبر ولايتي لنقل رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولا تزال الدولة العميقة في إيران التي يهيمن عليها المحافظون تفضل التحالف مع روسيا في مواجهة النفوذ الأميركي.
وفي وقت سابق، أشاد خامنئي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووصفه بأنه شخصية بارزة في التاريخ المعاصر.
وعلى خلاف المحافظين، فإن قطاعا كبيرا من الإصلاحيين الإيرانيين الذين يشكلون الثقل السياسي للرئيس حسن روحاني يكرهون الروس بشدة ويتحمسون للتقارب مع الغرب.
طعنة بالخلف
وفي مقال نشره بصحيفة “عمران دايلي” قال سفير إيران السابق في الأمم المتحدة علي خورام إن روسيا لم تكتف بطعن إيران في الظهر فيما يتعلق بسوريا، إنما تطوعت بإعلان استعدادها إلى جانب السعودية لإنتاج المزيد من النفط للالتفاف على حصة إيران في أوبك.
وكانت روسيا ألمحت في وقت سابق إلى أن جميع القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية يجب أن تغادر سوريا في نهاية المطاف.
وفي هذه الأيام، تبرز في الصحافة الإيرانية عناوين من قبيل “روسيا تصدم إيران”، و”تحالف سعودي روسي ضد إيران”، و”روسيا تطعن إيران من الخلف”.
ووفق خصوم المحافظين، فإن موسكو عملت مع الرياض للضغط على أوبك لزيادة إنتاج النفط من أجل منح ترامب الفرصة لفرض حصار على النفط الإيراني من دون أي يؤدي ذلك لرفع الأسعار في الأسواق العالمية.
لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في الرابع من يوليو/تموز الجاري إن إيران إحدى القوى الرئيسية في المنطقة ومن غير الواقعي توقع تخليها عن مصالحها في سوريا.
وبتعبير آخر بالنظر إلى الوضعية السورية ومعادلات الجغرافيا السياسية، فإن روسيا ليست في وضع يمكّنها من دفع إيران للخروج من سوريا.
ولم يتوقف لافروف عند هذا الحد، إنما أضاف أن خروج إيران من سوريا أمر يعود للقوى الإقليمية وبإمكانها نقاش مخاوفها والتوصل إلى حل وسط.
وفي رده على تقرير بلومبرغ، قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بسكوف إن “الملف السوري سيكون موضع تبادل وجهات نظر بين ترامب وبوتين في قمة هلسنكي.. من السهل التكهن بهذا”.
“ومع ذلك.. عندما تتحدث التقارير أن دولتين تتباحثان بشأن دولة ثالثة وتتخذان بعض القرارات بشأنها فإن ذلك غير واقعي إلى حد كبير، وهذا ما يوضح أن هذه التقارير غير صحيحة”.
ميادين إيران
ويبدو لافروف على حق، لأن طرد إيران من سوريا أمر غير واقعي. وما دامت طهران قوة إقليمية حاسمة في لبنانوالعراق، فإنها ستبقى على الأرجح لاعبا رئيسيا في سوريا حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها.
وليس سرا أن إيران أقامت قاعدة شبه عسكرية في سوريا على غرار حزب الله اللبناني، معتمدة على تجربتها في العراق في ممارسة النفوذ من خلال الوكلاء.
في الجانب الأميركي، ماذا في جعبة ترامب لعرضه على بوتين مقابل التخلي عن إيران التي تربطها بروسيا علاقات إستراتيجية؟
في ظل تمسك الدولة العميقة في واشنطن بمشاعر العداء لموسكو ومع استمرار تحقيق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، فإن تقديم تنازلات كبيرة مثل رفع العقوبات عن روسيا يظل أمرا خارج إطار النقاش.
في 2015، وعند الاتفاق النووي بين طهران والقوى الدولية الذي قضى بتخفيف العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية، كان سعر البرميل في حدود أربعين دولارا فقط.
وحينها تبنت إيران سياسة إنتاج المزيد، وقال وزير نفطها آنذاك “سنزيد إنتاج النفط بأي ثمن. ليس لدينا خيار آخر وإذا لم نقم بذلك على الفور سنخسر حصتنا في السوق”.
وبالفعل، فإن السعودية ترغب في مساعدة ترامب لتضييق الخناق على النفط الإيراني، ولكن ذلك قد لا ينطبق على الروس.
ولعل المهم هنا هو أن روسيا لا تملك النفوذ الذي يمكنها من طرد إيران من سوريا في مقابل أي تنازل مهم يقدمه ترامب لبوتين.
ولكن الأكثر أهمية في هذه النقطة هو أن ترامب ليس لديه الكثير لعرضه على بوتين. وبغض النظر عن تعقيد لعبة بوتين مع ترامب فإنه من المرجح أن بيع إيران ليس من ضمن الأوراق التي قد يستخدمها سيد الكرملين.
الجزيرة