ورأى عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النور، أن تذبذب أسعار الصرف يعود لعامل توزيع العملة الصعبة بين عدد محدد من محال الصرافة، وهو ما أدى لزيادة عامل الفساد، دون أن يتجاهل وجود عامل خارجي، إذ اعتبر أن “طهران تتعرض لحرب اقتصادية ويحاول أعداؤها زيادة مشكلات الشارع داعيا للحذر من هذه المخططات”. ونقل موقع وكالة تسنيم عن ذو النور انتقاده لعمل المسؤولين وعدم تطبيق نظرية الاقتصاد المقاوم، التي تقوم على تقليل الاعتماد على صادرات النفط، متوقعا تجاوز إيران المشكلات المعقدة.
وفي ذات السياق، رأت النائبة في اللجنة الاقتصادية البرلمانية، معصومة اقابور عليشاهي، أن السوق الثانوية التي فتحتها الحكومة لم تستطع أن تتجاوز الظروف الراهنة، حيث سمح البنك المركزي لموردي البضائع الرئيسة بالحصول على الدولار من هذه السوق التي تُضخ العملة الصعبة فيها من جهة المصدرين، وهو ما يعني أنها تساعد كذلك في تحديد سعر الصرف.
واعتبرت عليشاهي أن مبادلات إيران التجارية يجب أن تستغني في بعض الحالات عن الدولار، فمن الممكن الحصول على اليورو من خلال علاقات مع مصارف أوروبية صغيرة أو مع دول جارة لا تعتمد كثيرا على الدولار.
ومقابل ذلك، يرى آخرون من المعنيين في ذات الملف من البرلمان الإيراني أنه على الشارع أن يساهم في تحسين الوضع. وقال رئيس اللجنة الاقتصادية، محمد رضا بور ابراهيمي، في وقت سابق إن الإيرانيين يستطيعون مساعدة الحكومة من خلال زيادة ودائعهم بالعملة الصعبة، منتقدا سياسات وسلوك حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، التي أدت لخفض الثقة بالمصارف الإيرانية ما قلل من حجم الودائع لديها.
وأوضح إبراهيمي أن الإيرانيين يستطيعون مساعدة حكومتهم كما فعل الأتراك حين تعرضت الليرة التركية لأزمة انهيار أمام الدولار، داعيا لاكتساب ثقة الشارع الإيراني من خلال ضمان حماية ودائعه.
ويزيد اللوم الموجه للبنك المركزي على وجه الخصوص من قبل بعض الأطراف، رغم أن روحاني أقال مؤخرا ولي الله سيف، محافظ البنك المركزي، وعين عبد الناصر همتي خلفا له.
وانتقد عضو غرفة تجارة طهران، أسد الله عسكر أولادي، سياسات المركزي، معتبرا أن مشكلات السوق الإيرانية من الممكن حلها خلال شهرين، فيجب تشكيل لجنة خبراء تضم مستشارين اقتصاديين يطرحون أفكارا عملية من شأنها التحكم بالسوق.
وتعليقا على كل ذلك، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي في إيران علي دوستي، أن الاقتصاد يتعرض لهزات عديدة لكن حجم تبعاتها الملموسة يرتبط بعامل كيفية التعامل مع المشكلات.
وأشار دوستي في حديث لـ”العربي الجديد” إلى انسحاب الشركات الأجنبية من إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على البلاد، لافتا إلى أن ذلك سيؤدي لتعليق بعض المشاريع ولتأجيل تسلّم الآلات أو الخدمات والتقنيات المتفق عليها في صفقات سابقة مع أطراف خارجية.
وقال إنه في حال استبدل المعنيون هذه العقود ومنحوها لشركات إيرانية داخلية، فهذا من شأنه تقليل حجم النتائج السلبية وتقليص الأضرار، مضيفا أن وزارات النفط والعمل والاقتصاد هي المسؤولة عن العقود والاستثمارات، وإذا ما قاموا بالتخطيط سريعا فسيستطيعون أيضا الحد من مشكلة البطالة التي يعاني منها الشارع وستزيد معدلاتها مع استمرار وجود المشكلات الراهنة.
وتابع أن قطاعي النفط والغاز سيتأثران أولا بانسحاب الشركات الأجنبية، إلى جانب أن العقوبات التي تعرقل التحويلات المالية تؤدي لمشكلات في سوق الصرف وهو ما يساهم في ارتفاع أسعار السلع ويؤثر على معيشة الإيرانيين، متوقعا انخفاض القدرة الشرائية لديهم في الفترة المقبلة بسبب ارتفاع سعر الدولار أمام الريال.
وشهدت أسعار السلع في إيران ارتفاعا ملحوظا في الفترة الأخيرة لمسه المواطن الإيراني عمليا، ووفقا لتقرير رسمي صادر عن البنك المركزي شهد الأسبوع الأخير من شهر أغسطس/آب الماضي زيادة في أسعار ثمانية أنواع من السلع الغذائية الرئيسة، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار الدجاج بنحو 5.6%، أما الفاكهة فارتفعت بمقدار 6.8% والألبان 0.4%.
ونقل ذات التقرير مقارنة بين أسعار المواد نفسها مع ذات الفترة من العام الفائت، فأكد ارتفاع سعر الفاكهة بنسبة 83%، والدجاج بـ 32.5%، والألبان بحوالي 37.8%.
تدرك الحكومة صعوبة الوضع الراهن، وتحاول جاهدة التعاون مع الجهات المعنية في الداخل للحد من الأضرار، وقد فتحت الباب أمام القضاء لمحاسبة الفاسدين والمحتكرين، ممن يستغلون الظروف المعيشية المرتبكة، وعامل تدهور سعر صرف العملة المحلية، وهو ما يزيد الأمور سوءا بتضافر هذه المسببات مع عودة العقوبات الأميركية للسوق الإيرانية.
وقد أعلنت مؤسسة التخطيط والموازنة عن تحضيرها لبرامج وخطط تهدف لتقديم سلّات من المعونات تضم مواد وسلعا أساسية، وذكر رئيسها محمد باقر نوبخت أنه لا يوجد أي قلق من قدرة الحكومة على تأمين السلع الرئيسة وفقا لسعر صرف الدولار الحكومي، موضحا أن المعونات التي ستقدمها الحكومة تهدف لمجاراة الوضع الاقتصادي والظروف الراهنة وتبعات العقوبات.
ورغم إقراره بوجود مشكلات، لكن نوبخت أشاد بعمل الحكومة، وأكد أنها حققت نموا اقتصاديا بنسبة 4%، واستطاعت تخفيض معدل التضخم الاقتصادي.
وعن السبل الخارجية التي تحاول الحكومة الإيرانية طرحها في الوقت الحالي للتخفيف من الضغط الاقتصادي، فتتلخص أهم عناوينها بسعيها لإقرار التبادلات التجارية والاقتصادية مع الشركاء دون استخدام الدولار، وقد برز هذا العنوان خلال قمة طهران الثلاثية التي جمعت رؤساء إيران وروسيا وتركيا يوم الجمعة الماضي لبحث تطورات الملف السوري، لكن اللقاءات الثنائية على هامشها بحثت عناوين التعاون الاقتصادي بشكل أكثر تفصيلا.
ونقلت وكالة إيسنا في تقرير خاص تأكيد البنك المركزي على اتفاق طهران مع كل من موسكو وأنقرة على تطوير العلاقات الثنائية فيما بينها ومحاولة إجراء التحويلات المالية دون استخدام الدولار، وهو ملف طرحته إيران في وقت سابق، حتى قبل عودة العقوبات الأميركية إليها في محاولة لإيجاد بدائل تحصن اقتصادها.
فرح الزمان شوقي
العربي الجديد