وصلت أهداف إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في سوريا إلى مهمة واحدة فقط، هي الدفاع عن المصالح الإسرائيلية التي تركز على منع تزايد النفوذ العسكري الإيراني ومنع الجماعات الموالية لها من اقتناء صواريخ متطورة.
ولم تتدخل روسيا ضد المهمة الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة في سوريا ضد إيران، بما في ذلك العمليات التي استهدفت القوات الإيرانية مثل قتل ضباط الحرس الثوري في تموز/يوليو الماضي وتدمير مركز الحرس، ولم ترد موسكو على التصريحات الاستفزازية لمستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي قال أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يود ان يرى الإيرانيين يغادرون سوريا ولكنه يفتقر إلى النفوذ اللازم للتخلص منهم.
واتضحت السياسة الامريكية أكثر في الدفاع عن المصالح الإسرائيلية عندما أعلن بولتون، أن الولايات المتحدة ستبقى في سوريا التي مزقتها الحرب طالما كانت هناك قوات إيرانية أو وكيلة عن طهران، وأصبح من الواضح ان واشنطن لم تعد تهتم بكيان ديمقراطي سوري أو إنعاش المعارضة إلى مرحلة قد تؤهلها لمقاومة مرة ثانية، نظام الأسد.
وتغيرت قواعد اللعبة تماما مع إسقاط الطائرة الروسية وتسليم الأنظمة الصاروخية المتطورة للدفاعات السورية إلى حد القول، وفقا لتعبير العديد من المحللين الأمريكيين، ان الحرب الأكبر في سوريا في طور الإختمار، وهي على الأغلب، ستكون بين إسرائيل وإيران، إذ ان الرد الروسي على فقدان طائرته سيقرب من هذه الحرب بدلا من تأجيلها، وان هذا الأمر قد يعرض بطريقة ما قدرة روسيا على البقاء في سوريا للخطر. في حين ظهرت وجهة نظر مختلفة من مجموعة أخرى من المحللين تقول ان تسليم النظام الدفاعي الصاروخي هو انتصار لرئيس النظام السوري ولكنه، ولا يمثل إلا تهديدا محدودا لإسرائيل.
وقالت الولايات المتحدة أن تسليم نظام دفاعي صاروخي روسي إلى النظام السوري هو تصعيد خطير، وصرح بولتون، ان الإدارة الأمريكية تعتقد أن تزويد سوريا بنظام إس ـ 300 سيكون تصعيدا خطيرا من جانب الروس، معربا عن أمله في ان تعيد موسكو النظر في القرار.
لماذا تهتم الولايات المتحدة؟ لا يعد نظام إس ـ 300 الأكثر تقدما عند الروس ولكنه يمثل «ترقية» لسوريا يمكن ان تشكل تهديدا أكبر للطائرات الإسرائيلية، كما يمكن أن تحد من حركة الطائرات الأمريكية الموجودة في سوريا، والتي تقاتل تنظيم «الدولة الإسلامية». كما ان النظام الصاروخي الجديد سيقلل من الخيارات المتاحة للولايات المتحدة إذا قررت القيام بضربة أخرى على النظام السوري.
وكانت روسيا أعلنت، الأسبوع الماضي، أنها ستعطي النظام السوري المنظومة الصاروخية المتطورة بعد إسقاط نظام الدفاع السوري الحالي لطائرة روسية عن طريق الخطأ، وألقت روسيا اللوم في الحادث على معلومات مضللة من سلاح الجو الإسرائيلي.
وقال بولتون، وهو من المدافعين بشدة عن المصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة، «لدينا قوات أمريكية هناك نشعر بالقلق بشأنها، وللإسرائيليين الحق المشروع، في الدفاع عن النفس ضد السلوك الإيراني العدواني، وكل ما نحاول فعله هو الحد من التوتر، والحد من امكانية وقوع أعمال عدائية كبيرة جديدة».
وأضاف انه لهذه الأسباب تحدث ترامب في هذه القضية، وقال «لذلك نعتبر إدخال إس ـ 300 خطأ كبيرا». وعندما سئل وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، عن تصريحات بولتون، أجاب ان مهمة الجيش هي هزيمة «داعش» وضمان عدم عودة الجماعة الإرهابية إلى الظهور، ولكنه اضطر إلى الاعتراف بعد ضغوطات من الإعلاميين انه على «الصفحة نفسها» مع بولتون. أما وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، فقال، في وقت سابق، إنه واثق جدا من أن القضية ستبحث مع نظيره الروسي في الأمم المتحدة، ولكنه لم يكشف بعد ذلك عن فحوى النقاش وما إذا كانت هناك نقاط اتفاق لحل القضية.
وجاءت هذه التطورات وسط تزايد التوتر بين مختلف اللاعبين في سوريا مع استعداد الولايات المتحدة وحلفائها للرد على أى هجوم محتمل بالأسلحة الكيميائية على قوات المعارضة المتبقية في إدلب.
وقال محللون أمريكيون ان تسليم الدفاعات الجوية الروسية لسوريا يهدد بتوسيع الحرب، لأن هذه الأنظمة المتقدمة قد تسمح بنطاق أوسع للصراع مع إسرائيل، ولاحظوا ان التسليم يشير إلى ميل الجيش الروسي للوقوف إلى جانب إيران ضد إسرائيل، وهو لا يعتبر جزءا من نهج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تجاه الشرق الأوسط أو نهج مستقبل روسيا.
وأشار العديد من المحللين إلى ان تسليم الدفاعات الجوية يتجاوز سياسة إنقاذ النظام السوري بمسافات، حيث أنقذت موسكو نظام الأسد من الانهيار من خلال جلب القوة الجوية وتشجيع إيران على استعراض العضلات في القتال البري، كما اتفقت مع إسرائيل على نظام يحافظ على بعض الخطوط الحمراء من أجل تجنب صدام.
وقال محللون إن روسيا دخلت في مغامرة ضخمة في سوريا بهذا التحرك، فهي تعزز بشكل كبير شكل نهاية الحرب الأهلية التي مضى عليها سبع سنوات ولكنها قد تؤدي إلى صراع أوسع إذا حدث صدام في المجال الجوي السوري نتيجة مقاومة فعالة ضد الاختراقات الإسرائيلية المتكررة.
وقال خبراء استخبارات، ان النظام الروسي سيكون تحت السيطرة الأسمية لقوات النظام الروسي ولكن من المؤكد تقريبا ان الأصابع الروسية هي التي تضغط على الزناد. ومن المؤكد أيضا ان الحرب الطويلة والمريرة في سوريا قد دخلت مرحلة جديدة، ربما أكثر خطورة بالنسبة إلى الأمريكيين والإسرائيليين، وقد يؤدي هذا التحرك الروسي إلى تسريع الحرب الشاملة وإجبار مختلف اللاعبين على التراجع والتوسط على مصالحهم من خلال موسكو.
في نهاية المطاف، لا أحد يعرف مدى فعالية الدفاعات الروسية الصاروخية في منع التوغلات الروسية أو إحباط الهجمات الأمريكية، ولكن لا أحد، في الوقت الحاضر، بمن فيهم الجانب الأمريكي يود اختبار النوايا أو القدرات الروسية.
رائد صالحة
القدس العربي