يتبنى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مقاربة مزدوجة تجاه واحدة من أكثر قضايا السياسة الخارجية الأميركية تعقيداً؛ حيث يتأرجح موقفه باستمرار حول السلام طويل الأمد بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
عندما سُئل في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عن نوع صفقة السلام التي يريدها، دولة واحدة أم دولتين حيث تكون لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين دولهم الخاصة المستقلة، أجاب بطريقة مراوغة.
قال: “أتعرف؟ إذا أقاموا دولة، إذا أقاموا اثنتين، لا بأس بذلك بالنسبة لي طالما كانوا سعيدين. إذا كان كلاهما سعيدا، فإنه لا مشكلة لدي في أي الحلين. أعتقد أن الدولتين أكثر ترجيحاً”.
وكان ترامب قد قال كلمات بهذا المعنى من قبل، حين أعلن قبل بضع ساعات فقط أنه يفضل حل الدولتين: “أنا أحب حل الدولتين. أحب حل الدولتين. هذا ما أعتقد أنه سيعمل أفضل. حتى أنه ليس علي أن أتحدث إلى أحد، هذا هو شعوري”.
وليست هذه الازدواجية شأناً تافهاً، بالنظر إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخبر محطة “سي. إن. إن” هذا الأسبوع بأن حل الدولتين بالفهم الشائع -دولة فلسطينية مستقلة بالكامل- ليست على راداره بكل تأكيد.
وقال نتنياهو: “ما أود رؤيته هو أن يمتلك الفلسطينيون كل القوى اللازمة لحكم أنفسهم، وإنما من دون أي قوى يمكن أن تهددنا”.
تخلق عبارة ترامب عن دولة “واحدة أو اثنتين” انطباعاً بأن التوصل إلى صفقة هو شيء يشبه في بساطته دخول حانة وطلب أي شيء تتخيله في التو واللحظة. لكن الأمر هو أي شيء إلا هذا.
طوال العقود الأخيرة، كان رؤساء الولايات المتحدة يحاولون تملق، ومغازلة، بل وحتى الضغط على كلا الطرفين من أجل التسوية، وإنما من دون نجاح يُذكر.
كان تكتيك ترامب مع هذه المسألة، كما هو حاله مع الكثير من الأشياء الأخرى، مختلفاً تماماً. وقد فعل ما كان قد فكر فيه العديد من الرؤساء، وإنما لم ينفذوه: في وقت متأخر من العام الماضي، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقام بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى هناك من تل أبيب، وهو ما أسعد الكثير من الإسرائيليين.
ثم انتظَر العالم خطوته التالية، وتوقع منه أن يستفيد من هذه الخطوة ويطلق محادثات السلام. وفي وقت سابق من هذا العام، في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، تحدث ترامب عن الخطوة الآتية: التهديد بحجب الحوافز الاقتصادية المقدمة إلى الفلسطينيين إذا لم ينخرطوا في محادثات السلام.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي على هامش الاجتماعات: “إننا نعطيهم مئات الملايين من الدولارات من المساعدات والدعم، أرقام هائلة، أرقام لا يفهمها أحد، تلك الأموال موضوعة على الطاولة وتلك النقود لن تذهب إليهم ما لم يجلسوا ويتفاوضوا على السلام”.
وفي المقابل، أدار رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ظهره لتكتيك ترامب، ورفض الاجتماع علناً مع المسؤولين الأميركيين.
ومن جهته، وكما يفعل في كثير من الأحيان، نفذ ترامب وعيده، فأزال النقود -في شكل أموال المساعدات والمساهمة الأميركية في تمويل منظمة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين- عن الطاولة.
وراء عندما كان منتخباً حديثاً، كان ترامب واثقاً من قدرته على كسر الجمود في مسألة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ولكن في غياب مبادرة جديدة، يبدو أن نهجه قد تعثر، ولو أنه قال هذا الأسبوع إنه يأمل في تقديم خطة جديدة للسلام في الشهرين إلى الأشهر الأربعة المقبلة.
الآن وقد أصبح في مأزق واضح، قرر عباس أخذ ترامب، أو الولايات المتحدة على الأقل، إلى محكمة العدل العليا في لاهاي. وتم رفع دعوى قضائية يوم الجمعة على أساس أن “نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل إلى… القدس يشكل انتهاكاً لاتفاقية فيينا”.
وتقول الاتفاقية إن السفارات يجب أن تكون على أراضي الدولة المضيفة. ومن المتوقع أن يجادل الفلسطينيون بأن المجتمع الدولي لم يقرر مطلقاً وضع القدس بشكل كامل منذ قررت الأمم المتحدة في العام 1947 أن المدينة يجب أن تبقى منفصلة عن الدول المجاورة: كياناً مستقلاً.
في حال قررت محكمة العدل العليا أن هذه الحجة تحمل ثقلاً، فإنها قد تقرر عندئذٍ أنه لا يجب أن تضع أي دولة سفارتها في إسرائيل في القدس.
في حين أن القضية يمكن أن تجلب بعضاً من النقاش القانوني المثير للاهتمام إلى دائرة الضوء، فسوف يكون من المفاجئ إذا كان لها أي تأثير مباشر على الحقائق على الأرض.
من المرجح أن يبقى تكتيك عباس الأطول أجلاً هو التفكير فيما بعد ذهاب ترامب، وأن يأمل في قدوم شيء أفضل إلى البيت الأبيض في العام 2020.
وفي الأثناء، يستطيع أن يعود إلى إجراء فلسطيني قديم يعتمد على التعاطف والدعم الدوليين، وأن يحاول دق إسفين بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، وهو ما قد يصبح أسهل في ظل رئاسة ترامب.
وجه زعيم بعد زعيم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمن فيهم حلفاء ترامب مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزيرة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، انتقادات ضمنية وعلنية إلى عزلة ترامب.
ويكمن التحدي أمام عباس في الاستفادة من هذا الانقسام للتوصل إلى صفقة يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا معها.
الغد