وقف الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة هذا الأسبوع تحت ضغط كثيف من الولايات المتحدة، التي تسعى إلى عزل الجمهورية الإسلامية والاستفادة من الألم الناجم عن العقوبات المتزايدة والغضب المناهض للحكومة للحد مما تقول إنه “النشاطات الخبيثة” الإيرانية في الشرق الأوسط.
شعر الإيرانيون بطفرة العداء الأميركي المناهض لإيران منذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي للعام 2015 في الربيع الماضي، وشرع في إعادة فرض العقوبات المقعِدة، والتي يقول المحللون إنها سارعت إغراق العملة الإيرانية وساعدت على ارتفاع الأسعار إلى مستويات محلّقة.
لكن تهديدات البيت الأبيض ضد “العدوان” الإيراني تؤثر بالكاد على روحاني نفسه. وحتى بينما يواجه عاصفته الكاملة الخاصة في الوطن من الاقتتال السياسي والسخط المنتشر، كما يقول المحللون، فإن موقفه يظل آمناً.
من المؤكد أن الإيرانيين يقولون إنهم خائبو الأمل من سياستهم وساستهم أكثر من أي وقت مضى، ويستخدمون وصف “ميؤوس منه” بشكل متكرر عندما يتحدثون عن حجم الفساد وسوء الإدارة اللذين يفسدان حياتهم اليومية، وخوفهم من المزيد من العقوبات.
ومع ذلك، وحتى مع أن روحاني أصبح هدفاً مفضلاً داخل إيران -وكذلك من داخل فصيله الوسطي الخاص “الأمل”- فإن جذور السخط الشعبي متنوعة، وقائمة منذ فترة طويلة، ومن غير المرجح، كما يقول الإيرانيون، أن تقود إلى سقوطه.
يقول ناصر هاديان، العالِم السياسي من جامعة طهران: “يعرف روحاني جيداً أنه ليس هناك بديل له. ليس المحافظين، وليس المرشد الأعلى، وليس الإصلاحيين، وبالتأكيد ليس البراغماتيين في معسكره. إنهم يعرفون جميعاً أنه ليس لديهم بديل أفضل”.
ويقول السيد هاديان: “المجتمع مستاء للغاية، ولديهم الكثير من مكامن القلق المشروعة. لكنني أعتقد بأنهم ليسوا متأكدين بشأن البديل”. ويضيف أن الحديث عن “تغيير النظام” بين بعض المسؤولين الأميركيين هو مجرد “تفكير آمِل”.
ويقول أيضاً إن الافتراضين عن إيران لدى البعض في البيت الأبيض غير صحيحين: أن الدولة الإيرانية ضعيفة، وأن الإيرانيين مستعدون لإسقاط النظام. وبدلاً من ذلك، فإن الدولة، كما يقول “مسيطرة تماماً، ومسؤولة تماماً، ويمكنها أن تقمع الاحتجاج بسهولة”.
ويضيف السيد هاديان: “روحاني واثق من أن عاصفته الكاملة ربما لا تكون كاملة على الإطلاق. إنه يعتقد بأنه يستطيع أن ينجو لبضعة أشهر… وبأن الضغط سيكون أقل بكثير”.
الخوف من المستقبل
أعطت تطورات الأحداث في إيران انطباعاً مختلفاً، عندما اجتاحت أسابيع من الاحتجاجات مختلف أنحاء البلد في بداية العام. ومنذ ذلك الحين، حدثت إضرابات صناعية واحتجاجات أخرى من حين لآخر، عندما ازداد تسريح العمال، وانهيار الاقتصاد، وفشلت العديد من وعود روحاني الانتخابية في التحقق.
يتساءل صحفي قديم طلب عدم ذكر اسمه: “الناس هنا غير متأكدين من مستقبلهم. وكم يمكن أن يستمر هذا؟”.
ويقول: “الساسة… ليس لديهم إجابات عن مثل هذه الأسئلة. عندما كانت هناك حرب مع العراق، كنا نعرف، بطريقة أو بأخرى، أنها سوف تنتهي. ولكن، ماذا عن الآن؟ هل ستكف الولايات المتحدة عن كونها قوة عظمى؟ لا أعتقد ذلك”.
ويضيف: “الكل يفهمون هذا، وهو يضع الكثير من الضغط النفسي السلبي على الناس”.
كان التكيف صعباً، خاصة بعد التوقعات العالية للازدهار التي صنعتها الصفقة النووية، التي التزمت إيران بها وامتلثلت لشروطها. وحتى بينما كان روحاني يتعرض للهجوم من كل جهات الطيف السياسي الإيراني، كان هناك اقتتال داخلي في كل من الجناحين، المحافظ والإصلاحي.
كان العرض الأول للهجوم هو نقد لاذع جاء من داخل فصيل الرئيس نفسه “الأمل”. ففي خطاب عنيف أمام البرلمان هذا الشهر، أهالت النائبة بروانه صلاحشوري طائفة من الانتقادات على أداء الحكومة، وقالت إن روحاني يستمر في إنكار أن إيران تصارع الأزمات، حتى بينما “يعرف الجميع” خلاف ذلك.
وقالت السيدة صلاحشوري إنها أرادت أن تشتكي لرجال الدين “عن الاضطهاد ضد شعبنا”، لكنها وجدت أنهم أكثر اهتماماً بتغطية النساء رؤوسهن وبركوبهن الدراجات “من التركيز على الفساد، والفقر، والأسباب التي تجعل الناس يهربون من الدِّين”.
وفي إحدى المقابلات، قالت صلاحشوري، التي تحمل درجة الدكتوراه في علم النفس: “لدى الناس توقعات أعلى بكثير مما يمكن أن يقدمه روحاني”. وعلى الرغم من انهيال الانتقادات على خطابها -وكذلك الكثير من الدعم- تقول إن المؤسسات مثل مجلس صيانة الدستور، الذي يدقق ملفات المرشحين الذين يتسابقون على الرئاسة، بدأت مسبقاً بالاستجابة لتوصياتها.
وتقول السيدة صلاحشوري: “هذه هي البداية.. كانت دعوة إلى الاستيقاظ حتى يكونوا أكثر استجابة”. إن إيران بلد دينامي وفي حالة من “الإصلاح المتواصل”، كما تقول، ولذلك هناك تفاؤل على الرغم مما تصفه بأنه “تحديات عملاقة”.
وتضيف: “إننا نعيش في مجتمع حيث قد يبدو الناس يائسين أو فاقدين الأمل، ولكن حتى الأشياء الصغيرة مثل خطابي تمنح الناس مثل هذه الإثارة وسبباً للعيش الذين ما يزالون يناضلون من أجل تحسينه”.
التغلب على عدم الثقة
بعض الإيرانيين يقولون إن الافتقار الحالي إلى الثقة تراكم على مدى عقود، وسوف يكون من الصعب التغلب عليه.
ويقول محلل مخضرم، طلب عدم ذكر اسمه: “هذا تراكم لكل الأشياء السيئة التي فعلها نظام الحكم للناس، للنساء، للطلاب، للفنانين، ومخرجي الأفلام، بما في ذلك إرسال ’الباسيج’ (الميليشيات) إلى الشوارع” للانقضاض على احتجاجات ما بعد الانتخابات في العام 2009.
ويضيف المحلل: “كل هذا كان يحرم الناس حتى من أصغر الأشياء التي تجعلهم سعيدين”.
ومع ذلك، يضيف أن النقاشات نفسها عما إذا كان حكام إيران الثوريون يمكن أن يحلوا المشكلات قد أثيرت قبل 10، 20 و30 سنة سابقاً، خلال أوقات الأزمة. وهو يقلل من شأن احتمالات قيام انتفاضة.
“حدث هذا من قبل، وفي اللحظة الأخيرة وجد هذا النظام القدرة على أن يكون مرناً”، يقول، مستشهداً بنهاية الحرب العراقية-الإيرانية في العام 1988؛ وانتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في العام 1997؛ والاتفاق النووي، الذي شهد مصافحة المسؤولين الإيرانيين لعدو إيران اللدود والتفاوض معه -وكلها أحداث غير متوقعة ساعدت على التخفيف من حدة السخط الشعبي.
من المقرر أن تبدأ الجولة التالية من العقوبات الأميركية في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، والتي تهدف إلى وقف مبيعات النفط الإيراني. وسوف “تتسبب بالتأكيد في قيام الاحتجاجات وعدم الرضا”، كما يقول حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المتشددة.
ويضيف السيد شريعتمداري: “هذا طبيعي جداً عندما يشعر الناس بالتضخم”. لكنه يقول أيضاً إنه “شيء جيد أيضاً أن ترامب و(مستشار الأمن القومي جون) بولتون يواصلان تهديدنا: الناس يدركون أن العدوان يأتي من ذلك الجانب، ولذلك سيكون رد الفعل متوجهاً إليه، وليس إلى الحكومة”.
الحاجة إلى الشفافية
مع ذلك، يبقى الانقسام الاجتماعي في إيران عريضاً، ويبدو أنه المجتمع يتصدع أكثر مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
يقول مهدي رحمانيان، المدير الإداري لصحيفة “الشرق” الإصلاحية: “تجربتنا الخاصة هي إذا كان هناك افتراق بين الحكومة والناس، فسوف نُهزَم”. ويضيف: “علينا أن نجعل الناس يقفون خلف النظام الحاكم (الجمهورية الإسلامية)”.
ويقول إن الطريق الوحيد إلى الأمام بالنسبة للحكومة “هو التحدث بشفافية إلى الناس ومحاربة الفساد. وقد بدأ ذلك فعلاً”.
ويقول أحد الحِرفيين، والذي طلب عدم ذكر اسمه أيضاً، إن الإيرانيين في السنوات العشرين الأخيرة حصلوا على رؤساء إصلاحيين ومتشددين، والآن رئيس وسطي “فشل” أيضاً، والذي كان “نهاية الخط”.
ويقول الحِرفي: “ليس هناك بديل، والإيرانيون لا يعرفون ماذا يريدون”. ويضيف أن والده كان يهتف للمحتجين في وقت سابق من هذا العام، آمناً في المنزل أمام شاشة تلفازه. ولكن عندما قال ابنه إنه يريد الخروج، حاول والده أن يمنعه.
وأضاف الحِرفي: “يريد خمسة وتسعون بالمائة من الإيرانيين أن يعيشوا ليروا المستقبل”. وفي طهران على الأقل، اقتصر وجود المحتجين على منطقة صغيرة جداً، كما يتذكر. وفقط على بعد خطوات من المحتجين، عبر الشارع، كان العشاق يتغازلون على مقاعد الحديقة.
ويسأل: “أي ثورة هي التي تحدث عندما يكون 20 أو 30 متراً من الشارع مشتعلاً، بينما بقية المدينة تعيش كالمعتاد. أي ثورة؟”.