ينصبّ اهتمام عدد كبير من العراقيين خلال متابعتهم لحراك تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبدالمهدي، على ما يمكن أن تنجزه هذه الحكومة في موضوع محاربة الفساد ومحاسبة كبار رموزه.
وواقعيا فإنّ جزءا كبيرا من نجاح عبدالمهدي في قيادة الحكومة العراقية خلال السنوات الأربع القادمة، سيتوقف على طريقة معالجته لملف الفساد، وما يمكن أن يحققه من إنجازات في هذا المجال، ليتخطى بذلك حكومة سلفه حيدر العبادي الذي لا تتردد دوائر عراقية في الشهادة له بأنّه “لم يثبت أنّه كان فاسدا، وأنّه رغب فعلا في محاربة الظاهرة، لكنّه كان أضعف من أن يتصدّى لها بفعل تغلغلها في جميع مفاصل الدولة ولتورّط رؤوس كبيرة فيها تفوق سلطتها سلطة رئيس الحكومة نفسه”.
وعلى مدار سنوات قيادته للحكومة العراقية لوحظ كيف أنّ العبادي كان يُعلي من سقف وعيده بمحاربة الفساد والتصدّي للفاسدين، خصوصا في فترات الغليان الشعبي، والاحتجاجات بالشوارع، دون أن ينجز شيئا ملموسا في ذلك، ودون أن ينجح حتى في تنفيذ قرارات اتخذها من بينها على سبيل المثال قراره الرمزي بإلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، كبادرة حسن نية باتجاه الحدّ من هدر المال العام في مناصب صورية تُمنح للمجاملة والاسترضاء في نطاق نظام المحاصصة المعمول به في العراق.
ويستند الذين يتخذون من محاربة الفساد معيارا لتقييم الحكومة العراقية القادمة، إلى كون الظاهرة مؤثرة على مختلف الجوانب، الاقتصادية، والاجتماعية، وحتى الأمنية.
فالفساد في العراق، إضافة إلى كونه بابا لهدر موارد الدولة، معطّل لتنمية تلك الموارد وتنويعها من خلال خلقه لبيئة طاردة للاستثمار، كما أنّه سبب مباشر في وقف عجلة التنمية وإضعاف مستوى البنية التحتية والخدمات الأساسية، ومكرّس للفقر، وما ينشأ عنه من بيئة حاضنة للتطرّف والإرهاب.
وللفساد تأثير مباشر على الوضع الأمني في البلاد، فبه ترتبط شبكات التهريب ومافيات المخدّرات.
وأكثر من ذلك، فإن غزو تنظيم داعش لما يقارب ثلث مساحة العراق صيف سنة 2014، لم يكن منقطع الصلّة عن ظاهرة الفساد التي طالت القوات المسلّحة وتسببت في انهيارها من خلال التلاعب الكبير في صفقات التسلّح، وأيضا في عديد تلك القوات التي تبّين أنّها تضمّ عشرات الآلاف من “الفضائيين” بمعنى الجنود المنتمين صوريا إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية والذين يتقاضون رواتب ويتمتّعون بسائر الامتيازات دون أن تكون لهم أي مشاركة فعلية في الخدمة ضمن تلك المؤسسات.
وبالنسبة لبعض العراقيين فإنّ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من كبار رؤوس الفساد، وممن يصعب الاقتراب منهم ومحاسبتهم نظرا لقوّتهم المالية المتأتية من الفساد نفسه، ونفوذهم في مختلف مؤسسات الدولة. ومن المفارقات أنّ المالكي على سبيل المثال من ضمن السياسيين الذين شاركوا في التوافق على اختيار عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة، ليُطرح السؤال هنا عن إمكانية محاسبته.
ومأتى صعوبة محاربة ظاهرة الفساد في العراق أنّها “تمأسست” وامتزجت بنسيج الدولة من خلال انخراط طيف واسع من السياسيين ومن يتبعهم من الإداريين فيها.
ومن هذا المنطلق يمكن لعبدالمهدي أن يصطدم في محاربته للفساد بمصالح متنفّذين كبار، لعلّ من بينهم من ساعد أصلا في المجيء به إلى سدّة رئاسة الحكومة.
ولا يبدو العراقيون واثقين من قدرة الحكومة الجديدة على التخلّص من ظاهرة الفساد التي يعتبرونها أمّ الشرور في بلدهم.
وعبّر عن عدم الثقة تلك المرجع الديني جواد الخالصي المعروف بانتقاده لسياسات حكومة بغداد وهجومه على العملية السياسية والقائمين عليها.
وقال في خطبة الجمعة بمدينة الكاظمية بالعاصمة بغداد “سنقول للذين تولوا المسؤولية الآن: كذّبونا ولو مرة واحدة، قوموا بالإصلاح، حاربوا بعض الفاسدين، ارجعوا بعض الحقوق للشعب العراقي”.
ويذهب المتفائلون بكفاءة رئيس الوزراء العراقي الجديد، وبقدرته على الالتفاف على الملفات الشائكة وحلحلتها، إلى القول إنّ براغماتيته وواقعيته قد تقودانه إلى التركيز على اجتثاث ظاهرة الفساد والحدّ من مزيد انتشارها، دون التركيز بشكل استثنائي على إعادة فتح الملفات القديمة لتجنّب استثارة المتورّطين فيها ولتحييدهم من المعركة المحتملة ضدّ حكومته.
العرب