رغم حديث حماس وإسرائيل العلني، عن عدم رغبتهما في الوصول إلى حد الصدام المسلح من جديد، وفتح جبهة «حرب رابعة» في قطاع غزة، إلا أن تطور الأحداث الميدانية، قد يدحرج الأمور والفعاليات التي تشهدها حدود قطاع غزة إلى تلك المرحلة، التي سيكون لها أثر كبير على حياة سكان القطاع المحاصرين منذ 12 عاما، والذين ما زالوا يعانون من ويلات آخر حرب إسرائيلية شنت ضدهم قبل أربع سنوات.
فالأحداث التي تشهدها حدود غزة، من مسيرات ليلية تنظمها «وحدة الإرباك الليلي» وأخرى بحرية، إضافة إلى المسيرات المطالبة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، الذين يمثلون أكثر من ثلثي السكان، علاوة عن فعاليات أيام الجمع الأخيرة، التي اتسمت بزيادة أعداد المشاركين، تؤكد أن سكان القطاع، لم يعد لديهم ما يخسرونه، وأن وجهتهم من أجل إنهاء معاناتهم تتمثل في «مسيرات العودة»، وتصعيد الفعاليات، حتى نيل مطالبهم، بعد تراجع جهود مصر والأمم المتحدة التي قطعت شوطا طويلا قبل أكثر من شهر، لإحلال تهدئة متدحرجة.
فعلى مدار أيام الأسبوع الماضي، والذي سبقه، لم تنقطع الفعاليات الشعبية، التي أسفرت جراء استمرار قوات الاحتلال في استخدام «القوة المفرطة» ضد المتظاهرين السلميين عن استشهاد خمسة مواطنين بينهم أطفال وإصابة نحو ألف آخرين، ما رفع عدد الشهداء الذين سقطوا منذ اندلاع فعاليات «مسيرة العودة» إلى 198 شهيدا، إضافة إلى إصابة نحو 21 ألفا آخرين بجراح متفاوتة.
وواصلت «وحدة الإرباك الليلي» فعالياتها، المتمثلة في إحراق إطارات السيارات، وإطلاق صافرات الإنذار من مكبرات صوت، وتفجير عبوات صوت، من أجل إبقاء الجنود الإسرائيليين في حالة استنفار كبيرة، بعد أن دخلت هذه الوحدة الخدمة مؤخرا، ضمن فعاليات «مسيرات العودة» ملتحقة بـ «وحدة البالونات الحارقة»، التي أسفرت نشاطاتها عن عشرات الحرائق الجديدة في الأحراش الإسرائيلية القريبة من حدود غزة.
ويريد المشاركون والمنظمون لفعاليات «مسيرات العودة» إيجاد حل عملي وسريع ينهي آلام السكان، الذين يعانون من ويلات حصار رفع معدلات الفقر والبطالة، وساهم في تأثر عجلة الاقتصاد بشكل خطير.
وفي تقرير جديد حول الأزمة الاقتصادية، أكدت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، أن خسائر القطاع الاقتصادي بشكل مباشر وغير مباشر بلغت نحو 50 مليون دولار شهريا.
وأشارت إلى أن نحو 2500 مصنع وورشة ومحل تجاري أُغلقت في غزة بسبب الحصار، لافتا إلى أن هذه الأرقام في تزايد خاصة في السنة الأخيرة.
وجاء ذلك في ظل استمرار دعوات الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، وقادة الفصائل الفلسطينية في غزة، لتصعيد حدة الفعاليات الشعبية، منذرين من «انفجار» وشيك، في حال لم يرفع الحصار عن القطاع في وقت سريع.
ودعا الدكتور أحمد بحر، النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، والقيادي في حماس، المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته تجاه فك الحصار عن قطاع غزة، وأكد في تصريح صحافي على حق الشعب الفلسطيني بـ «العيش بحرية وكرامة»، محذرا من نتائج الحصار الكارثية على جميع مناحي الحياة في قطاع غزة، وأكد على أن الشعب الفلسطيني مستمر في «مسيرات العودة»، محذرا من أن استمرار الحصار «سيؤدي إلى الانفجار في وجه الاحتلال».
وقد كرر الأمر قادة آخرون، مطالبين الوسطاء الذين أجروا سابقا جولات من أجل التوصل إلى تهدئة، التدخل قبل فوات الأوان، داعين إلى استمرار المواجهة حتى تحقيق الأهداف التي وضعت لـ «مسيرات العودة».
ودفع تصاعد الأحداث الميدانية على حدود غزة، وتراجع مستويات المعيشة وتفشي الفقر، وقلة الخدمات المقدمة للمحاصرين، حماس وإسرائيل، إلى أخذ الاستعدادات، تحسبا لاندلاع مواجهة عسكرية قريبة، رغم إعلانهما عدم الرغبة في وصول الأمور إلى هذا النحو.
وفي آخر تصريحات ليحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، وجهها بشكل مباشر لإسرائيل، أعلن خلالها أن حركته لا تريد حربا جديدة، وغير معنية فيها لأنها ليست في مصلحة أحد، لكنه قال أن ما يريده سكان غزة هو إنهاء الحصار، وأضاف «أنا أعمل لما فيه مصلحة شعبي من أجل توفير حماية له والدفاع عن الحق في الحرية والاستقلال».
ومن ضمن ما نقل عن السنوار، خلال مقابلة أجرتها صحفية أجنبية معه، قوله أن المسؤولية في قطاع غزة تقع على عاتق أولئك الذين أغلقوا الحدود، وليس الذين حاولوا إعادة فتحها، في إشارة إلى حركة حماس. وقال في رده حال وقعت مواجهة عسكرية «سندافع عن أنفسنا في حال تعرضنا للهجوم»، مع تأكيده أن إسرائيل لا يمكن أن تحصل على شيء من خلال الحرب.
في المقابل، فقد تابع الإعلام الإسرائيلي وساسة تل أبيب أخبار قطاع غزة، بمزيد من التحليلات والتوقعات التي تشير إلى اقتراب جولة الصدام، في ظل التنافس بين وزراء حكومة تل أبيب اليمينية.
وفي تحليل لما يحدث في غزة، كتبت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن عدم وجود رد إسرائيلي على تطورات غلاف غزة سيزيد قدرات المسلحين الفلسطينيين للمس بالإسرائيليين على طول القطاع، من خلال إطلاق القذائف الصاروخية متعددة الأبعاد، مشيرة إلى أن سياسة الجيش تقتضي عدم الذهاب لسياسة القضاء على حماس، وقالت أنها «سياسة واهية»، ستعزز المسلحين الفلسطينيين، وتزيد رغبتهم بالمس بإسرائيل، وكانت بذلك تشجع على استخدام القوة.
استعدادات عسكرية إسرائيلية
وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» في تقرير لها، أن سكان غلاف غزة يتوقعون اندلاع الحرب في أي لحظة، وبدأوا يستعدون لها بشكل فعلي. وأضافت إن هذا التخوف، تولد لدى سكان الغلاف، بسبب الوضع الراهن بين إسرائيل وقطاع غزة، والذي يسوده التوتر طوال الوقت، عند منطقة الحدود الفاصلة مع القطاع، بسبب فشل جهود ومباحثات التهدئة بين إسرائيل وحماس، التي كانت تتم بوساطة المخابرات المصرية.
وحسب الصحيفة صرح عضو الكنيست حايم يلين، الرئيس السابق للمجلس الإقليمي أشكول، القريب من الحدود قوله «إسرائيل لن تحدد موعد الحرب، بل حماس هي من ستحدده، والجيش يخاف من المواجهة مع غزة، ولا توجد لدى الحكومة الإسرائيلية، سياسة واضحة تجاه الوضع الحالي بالقطاع».
وترافق ذلك مع نشر تقارير كثيرة في وسائل إعلام عبرية أخرى، أشارت جميعها إلى أن تصاعد الأحداث الحالية، ينذر بقرب وقوع الانفجار، وحدوث صدام مسلح، وفي ضوء ذلك اتخذ قائد جيش الاحتلال الجنرال غادي آيزنكوت، قرارا بتعزيز قواته المتواجدة بـ «غلاف غزة»، استعدادًا لأي تطورات قد تحدث.
وحسب الناطق العسكري، فقد جاء القرار عقب اجتماع ضم كبار قادة الجيش وجهاز «الشاباك»، حيث نص على الدفع بقوات جديدة للمنطقة الجنوبية، واستمرار سياسة الحزم لإحباط العمليات ومنع التسلل عبر السياج المحيط بقطاع غزة، وقال الناطق العسكري أن الجيش مستعد وجاهز لجملة من السيناريوهات، محملا حركة حماس مسؤولية كل ما يجري في غزة ويخرج منها.
كما أعادت إسرائيل بموجب خطط الدفع بمزيد من قواتها حول غزة، نشر بطاريات «القبة الحديدية» المضادة لصواريخ المقاومة، تحسبا لجولة مسلحة، في ظل تصاعد المواجهات.
وكشف النقاب أيضا أن وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، أمر الجيش عقب جلسة نقاش حول الوضع في غزة، بالحفاظ على أقصى درجات اليقظة لكل سيناريو، وتلا ذلك أن كتب تغريده على حسابه على موقع «تويتر» هدد فيها قادة حماس بشكل مباشر، جاء فيها «لقد مضت الأعياد كما خططنا، دون تصاعد للأوضاع ومع جني ثمن باهظ من مثيري الشغب على الحدود مع قطاع غزة»، وتابع «لقد جاء ما بعد الأعياد، وأود أن أقول لقادة حماس خذوا ذلك بالحسبان».
وجاء ذلك بعدما حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إبعاد مسؤولية الحصار عن حكومته، متهما السلطة الفلسطينية بالضغط على غزة اقتصاديا، وتوعد حركة حماس بـ «رد عنيف جدا» حال أقدمت على تنفيذ أي هجوم، وقال مخاطبا حماس «إذا ما اعتقدت حماس أن بإمكانها مهاجمة إسرائيل فإنها ترتكب خطأ كبيراً جداً وستتلقى ضربة قاسية، قاسية جدا».
غير أن حركة حماس قللت من أهمية التهديدات الموجهة ضدها، وقالت انها «فارغة المضمون»، ولن تفت من عضد الشعب الفلسطيني أو تنال من عزيمته، مؤكدة أن «مسيرات العودة» ستتعاظم ولن تتأثر بالتهديدات.
القدس العربي