شهدت الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية تحديدا، في الأيام الأخيرة، عمليات هجومية على أهداف للاحتلال، أبرزها العملية التي استهدفت مستوطنين قرب رام الله، أدَّت إلى إصابة سبعة مستوطنين، وتلتها محاولة فلسطيني الاندفاع بسيارته نحو مجموعةٍ ممن يسمَّون بحرس الحدود. وفي حادث آخر، قتل جنود الاحتلال سائقا فلسطينيا قالوا إنه حاول دهسهم بالقرب من الخليل.
تأتي هذه الحوادث بعد تهدئة غزة، وبعد توجّه إسرائيل نحو الحدود الشمالية، مع لبنان، في نشاطات تستهدف، بحسب ادعاءات إسرائيل، أنفاقا هجومية لحزب الله، في وقتٍ لا تزال، دولة الاحتلال تستهدف الوجود الإيراني العسكري في سورية، كما تستهدف محاولات حزب الله، بحسب ما تقول، امتلاكَ مزيد من الصواريخ الدقيقة، إذ حذّر رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من أنَّ نجاح حزب الله في الحصول على صواريخ دقيقة سيُغيِّر موازين القوى، بشكل هائل. وكان نتنياهو صرّح، بداية هذا الأسبوع، بأنه “لا يريد مواجهات في الضفة الغربية وغزة، في الوقت الذي يقوم الجيش بأعمال ضد حزب الله وإيران”. وفي هذا السياق، صدرت انتقادات عن رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي (الموساد) الأسبق، داني ياتوم، للسياسة الإسرائيلية المتمثلة في مصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية، محذِرا من تبعات انهيار السلطة الفلسطينية، إثرها، مؤكّدا أن التهديد لا ينبع فقط من لبنان وغزة، بل من الضفة الغربية، أيضا.
وهذا الإدراك لأهمية الاستقرار للأوضاع الأمنية في الضفة الغربية تشارك فيه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إذ كشفت صحيفة هآرتس، قبل أيام، عن محاولة إدارة ترامب إجراء تعديلٍ على القانون الذي مرّره الكونغرس الأميركي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، تحت عنوان “تعديل قانون مكافحة الإرهاب”، والذي يهدف إلى وقف المساعدات الأميركية المقدَّمة للأجهزة الأمنية الفلسطينية. وأوضحت الصحيفة أن الإدارة الأميركية أرسلت ضابطا كبيرا في الجيش الأميركي، مسؤولا عن التنسيق الأمني الأميركي مع قوات الأمن الفلسطينية، لإطلاع الكونغرس على الآثار التي قد يسبِّبها وقف الدعم للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، وأثرها على أمن إسرائيل.
ولا يخفى أن مواجهة الاحتلال حالة التصعيد الفلسطينية لا تكون من دون كُلَفٍ احتلالية عالية؛ بما يتطلبه من نشرٍ مكثَّفٍ لجنوده، في مناطق الضفة الغربية، حيث التداخل كبير بين المدن والقرى الفلسطينية وبين المستوطنات والمستوطنين، وهذا من شأنه أن يسهم في تشتيت الانتباه، والجهود عن الجبهة الشمالية في لبنان وسورية. وكانت الضفة الغربية والقدس وأراضي الـ 48 داخل الخط الأخضر، قد شهدت سنة 2015 عمليات طعن ودهس فردية على وقع اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى، قضَّت مضاجع الاحتلال والمستوطنين، وأقلقت أمنهم على نحو خطير.
“لا تتمنّى إسرائيل، ولا يفيد خططها للضفة الغربية، والقدس، أن تشتعل الأوضاع هناك”
ومع أن عوامل الاحتقان ماثلةٌ في الضفة الغربية؛ بسبب الانسداد السياسي، وانهيار العملية التفاوضية منذ سنوات، بعد وصول اليمين المتطرّف في إسرائيل إلى الحكم، وبسبب الاعتداءات والاستفزازات الاحتلالية اليومية، من اعتقالات، واقتحامات للمدن الفلسطينية الواقعة تحت إدارة السلطة الفلسطينية، إلا أن وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، أمنيا واقتصاديا، يصبّ في ضبط الحالة الفلسطينية. إذ أصابت فصائل المقاومة، على اختلافها تغيرات نتجت من سيطرة السلطة أمنيا، كما تضرّرت الحالة الوطنية عموما؛ بسبب استمرار مفاعيل الانقسام بين الضفة الغربية وغزة، كما انهمك فلسطينيون كثيرون في تلبية متطلبات معيشية تزايدت، في ظل سلطةٍ لم يتحرّر اقتصادها من الاحتلال. ولذلك صرنا نرى احتشاداتٍ نحو هموم معيشية ماسّة، كما الحراك الجاري ضد قانون الضمان الاجتماعي الذي يراه كثيرون مجحفا، ومقلقا. لكن تبقى احتمالات تصاعد عمليات فردية غير متوقعة، ولا من السهل منعها، قائما.
وفي الخلاصة، لا يتمنى الاحتلال، في هذه المرحلة التي يُطْبِق فيها على القدس، ويكثِّف وجوده في المسجد الأقصى، ويعمل بطرق عدة، على مصادرة عقارات المقدسيِّين، ويتوسع في مصادرة الأراضي وفي الاستيطان، لا يتمنّى، ولا يفيد خططه للضفة الغربية، والقدس، أن تشتعل الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، وإنّ التصعيد لو حصل فيهما سيكون أخطر إستراتيجيا من التصعيد في قطاع غزة.