الخرطوم – برزت في الفترة الأخيرة أنباء عن مساعدات خارجية “مليارية” منتظرة لإنعاش خزينة السودان، يأتي ذلك فيما تشهد البلاد منذ ديسمبر الماضي مسيرات احتجاجية تندد بارتفاع الأسعار، وتطالب بتنحي الرئيس عمر حسن البشير.
وتداولت وسائل الإعلام السودانية الثلاثاء خبرا عن وديعة قادمة من الصين لإنعاش الاقتصاد السوداني بصورة عاجلة.
وذكرت صحيفة “آخر لحظة” أنه من المتوقّع وصول منحة مليارية من الصين إلى السودان في الأيام المقبلة. وأوضحت الصحيفة أن بكين كانت ترغب في إنشاء مشاريع استثمارية كبرى بالبلاد، لكن تم الاتفاق على المنحة، بغية تحسين الأوضاع الاقتصادية.
وفي ذات السياق قالت صحيفة “الانتباهة” إن الحكومة ستفعّل اتفاقا سابقا لها مع دولتين خليجيتين خاصا بتزويد الخرطوم بالوقود لمدة عام مع فترة سماح. وأشارت الصحيفة في عددها الثلاثاء إلى بدء تفعيل الاتفاق مع الدولتين لتوفير المواد النفطية، وفق دفعات على فترات محددة مع توقيتات زمنية مناسبة للخرطوم. ونقلت عن مصادر قولها إن الاتفاق قارب على التنفيذ بحصول الخرطوم على المواد النفطية (بنزين جازولين)، عبر البيع المباشر دون وسطاء مما سيوفر للخزانة العامة ملايين الدولارات كانت تذهب إلى الوسطاء.
ولم يؤكد أي مصدر رسمي سواء كان سودانيا أو من الدول المانحة حقيقة المساعدات المنتظرة، الأمر الذي يقود إلى فرضية أن تكون هذه التسريبات متعمدة من جهات في السلطة تريد تبريد الاحتجاجات المندلعة منذ أسابيع. وتشهد عدة مدن وولايات سودانية منذ 19 ديسمبر الماضي احتجاجات على تردي الأوضاع الاقتصادية ما أدى إلى سقوط العشرات بين قتلى وجرحى فضلا عن اعتقال المئات من المحتجين بلغ عددهم بحسب السلطات أكثر من 800 معتقل، فيما تؤكد مصادر المعارضة أن عددهم جاوز 1100.
ويقول محللون إن من صالح النظام تسريب أنباء عن مساعدات في الطريق، بعد أن فشل الخطاب المباشر لمسؤوليه في إقناع المحتجين، الذين ملوا من الاستماع لأسطوانة الوعود الوهمية، على مدى 30 عاما، دون أن يلمسوا أي تحسن بل صارت الأمور تتدحرج من سيء إلى أسوأ في ظل شح في المواد الأساسية.
ويشير المحللون إلى أن الصين ورغم علاقاتها المتميزة مع نظام الرئيس عمر حسن البشير على مرّ العقود الماضية، بيد أنه من المستبعد أن تقدم على منحه وديعة مليارية، خاصة في ظل الضبابية التي تلف مصيره السياسي، مع ما يبديه المحتجون من إصرار على مواصلة الحراك.
ويرى هؤلاء أن الصين لم تدعم النظام السوداني في وقت كانت فيه الأوضاع مستقرة نسبيا، فكيف الآن في ظل غياب الثقة بإمكانية نجاحه في استيعاب الموجة الجديدة من الاحتجاجات.
من المنتظر أن تشهد العاصمة الخرطوم مسيرات داعمة للرئيس عمر البشير، في مقابل ذلك سينظم تجمع المهنيين مسيرة مناوئة تتوجه صوب البرلمان لتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس
ولطالما أظهر المسؤولون السودانيون تذمرهم من سياسة الصين التي اتهموها باستغلال ثروات البلاد دون تقديم أي امتيازات مع التركيز على نشاطات معينة وفي مقدمتها استخراج مادة النفط التي تشكل محركا أساسيا لاقتصادها، دون أن تكون لها أي استثمارات في المجال الزراعي وهو الأمر الذي بات السودان بحاجة ماسة إليه.
وكانت الاحتجاجات في السودان قد اندلعت بداية لأسباب متعلقة بارتفاع سعر الخبز من جنيه إلى ثلاثة جنيهات نتيجة نقص مادة الطحين.
ويرى خبراء اقتصاديون أن العلاقات الخارجية الصينية مع الدول النامية مثل السودان تقوم على المنفعة الأحادية، وليس من المعروف عنها تقديم منح وودائع حيث إنها تفضل إعطاء قروض بنسب فائدة منخفضة نسبيا لتضمن بذلك نفوذها على هذا النظام أو ذاك.
وسبق أن حذرت الولايات المتحدة من الأنشطة التجارية للصين في أفريقيا. وقال وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون إن الأنشطة التجارية الصينية تهدد استقلال دول أفريقيا وتحض على تبعيتها لبكين. وأضاف أن الصين تقدم قروضا ملغومة للدول الأفريقية حتى تسهل لها السيطرة على قرارها السيادي.
ويعتبر الخبراء أنه بالنظر إلى السياسة التي تنتهجها الصين فإنه مستبعد أن تقدم على منح نظام البشير وديعة مليارية، وأن ما يروج ليس إلا من صنع الأخير، في محاولة لإقناع السودانيين بأن الوضع الاقتصادي سيتحسن.
ويشير هؤلاء إلى أن النظام يحاول توظيف جميع الأساليب لامتصاص الحراك الشعبي الذي يصر القائمون عليه على استمراره، وهو إلى جانب بث تسريبات عن مساعدات قادمة قريبا، يعمد إلى اتباع نهج مضاد للحراك من خلال حشد مؤيديه للخروج والتظاهر دعما له.
وينتظر أن تشهد العاصمة الخرطوم الأربعاء مسيرات داعمة للرئيس عمر البشير، في مقابل ذلك سينظم تجمع المهنيين وهو عبارة عن تحالف لجملة من النقابات مسيرة مناوئة تتوجه صوب البرلمان لتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس، بعد أن فشلت محاولات سابقة للتجمع في الوصول إلى القصر الجمهوري وتقديم تلك المذكرة حيث تعرض المشاركون في تلك المساعي لقمع من قبل الأجهزة الأمنية.
وقال المتحدث باسم تجمع المهنيين محمد الأسباط، الثلاثاء، “لن نتوقف مهما كانت التحديات والتضحيات، ولن ننتظر نتائج أي تحقيقات تجريها هذه الحكومة… والأربعاء سننظم مسيرة في مدينة أم درمان لتسليم البرلمان مذكرة بمطالبنا وعلى رأسها تنحي البشير… نعم، يصعب إزاحة نظام استمر 30 عاما في ثلاثة أسابيع فقط، ولكننا مستمرون”.
وسخر الأسباط من حديث النظام عن أن الخيار الوحيد لتغييره هو خيار الانتخابات، وقال “الشارع تجاوز مرحلة الحديث عن الانتخابات منذ فترة طويلة… وقد وقّع تجمع المهنيين السودانيين الذي اكتسب شرعيته من الشارع، وحلفاؤه بقوى المعارضة على ميثاق يؤكد على أن الجميع لم يعد لهم سوى هدف واحد هو إسقاط النظام”.
العرب